فى ذكراه .. عبد السلام النابلسي صاحب الضحكة الراقية الذي رحل مفلسًا

في مثل هذا اليوم، 5 يوليو 1968، ودّعت السينما المصرية والعربية واحدًا من أبرز صُنّاع الضحكة الراقية الفنان عبد السلام النابلسي التى مرت 57 سنة على رحيله، ولا تزال إفيهاته حاضرة وأدواره محفورة في ذاكرة السينما تضحكنا كأنها وُلدت أمس. لم يكن مجرد فنان، بل كان مدرسة في الأداء الكوميدي الذكي، وبصمة لا تمحى في زمن الفن الجميل.
من الأزهر إلى الأضواء
وُلد عبد السلام النابلسي عام 1899 في طرابلس (لبنان) لأصول فلسطينية شامية، وتربى في أسرة دينية أرسلته إلى القاهرة ليلتحق بالأزهر، حيث أتم حفظ القرآن وتلقى علوم اللغة والدين. لكن قلبه مال إلى الفن، فانضم إلى فرقة جورج أبيض المسرحية، ثم فرقة رمسيس مع يوسف وهبي، وبدأ يشق طريقه وسط كبار ذلك العصر.
خفيف الظل وأرستقراطي الروح
لمع النابلسي على الشاشة بداية من فيلم "غادة الصحراء" (1929)، ولفت الأنظار بدوره في "وخز الضمير" (1931). ومع الوقت، خلق لنفسه قالبًا خاصًا: شخصية الأرستقراطي المغرور لكن خفيف الظل، المفعم بالثرثرة الظريفة، والردود الذكية التي جعلته محبوبًا في أدوار السنيد، وفي بعض الأحيان سر نجاح الفيلم كله.
أطلق عليه يوسف وهبي لقب "الكونت دي نابلس"، إعجابًا بأناقته وأسلوبه، بينما شكّل ثنائيات شهيرة مع عبد الحليم حافظ، فريد الأطرش، إسماعيل ياسين، شادية، وصباح بالإضافة انه كان ملك الإفيهات الخالدة.
ومن أشهر عباراته:
"ابسطها يا رب ابسطها"
"يا أيتها السماء صُبّي غضبك على الأغبياء"
"حسب الله السابع عشر"
"زيزو حلاق السيدات"
لذلك لم تكن مجرد جُمل، بل كانت جزءًا من نسيج شخصياته، وروح أعماله، وبصمة جعلته يُلقّب بـ"ملك الإفيهات" و"صوت الكوميديا الرشيقة". شارك في أكثر من 120 فيلمًا، وكان أحد أعمدة "الضحك النظيف" الذي لم يسقط في فخ الابتذال، بل حافظ على خفّة دم تخاطب القلب والعقل معًا.
الرحيل في صمت... ومفارقة النهاية
رغم شهرته الواسعة ونجاحه الفني، انتهت حياة عبد السلام النابلسي بنهاية مؤلمة. بعدما طاردته الضرائب في مصر، اضطر لمغادرة القاهرة عام 1961 ليستقر في بيروت. هناك، عمل في مجال الإنتاج وشارك في عدد من الأفلام اللبنانية، لكن المرض، والوحدة، وقلة الدخل أكلت من رصيده النفسي والإنساني.
ورغم أنه كان نجمًا ضاحكًا على الشاشة، إلا أنه رحل مفلسًا تمامًا. لم يكن يملك ثمن جنازته، ورفضت المستشفى تسليم جثمانه حتى تُسدد الفاتورة. حينها، تدخل صديقه الفنان فريد الأطرش، وتكفّل بكل التكاليف، في موقف نبيل يُلخص معنى الصداقة في الزمن الجميل.
توفي في سيارة إسعاف في بيروت يوم 5 يوليو 1968 إثر أزمة قلبية، وغاب جسده، لكن بقيت ضحكته تعيش معنا حتى اليوم.
عبد السلام النابلسي.. "إرث من البهجة لا يموت"
عبد السلام النابلسي لم يكن مجرد فنان كوميدي، بل كان مهندسًا للضحك الراقي، ورمزًا لعصر اعتبر الضحكة جزءًا من الذوق العام. هو الفنان الذي أضحك الملايين، لكنه مات وحيدًا وفقيرًا ومع ذلك، لم يُعرف عنه سوى الرضا، والمرح، وخفة الروح، تركا لنا إرث فنى ضخم وضحك حقيقي لا يُنسى ولا يُستبدل.