النهار
السبت 27 يوليو 2024 04:33 صـ 21 محرّم 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

المحافظات حوادث

الدكتور محمد خفاجى: حصانة الناخب داخل لجنة الاقتراع من حصانة القاضى

قال المفكر والمؤرخ القضائى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، إن الصوت الانتخابى في الانتخابات الرئاسية، له أهمية كبرى كإحدى ثمار المشاركة السياسية, ودعم هذا الحق العام لا يكون إلا بتيسير سبله وتمكين المواطنين من القيام به, من خلال الثقافة القانونية والوعى الانتخابى المسئول .

وبعد دراسة المفكر والمؤرخ القضائى القاضى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، عن "المشاركة الشعبية فى الانتخابات الرئاسية الطريق الاَمن لاستقرار الوطن وتنميته.. دراسة تحليلية فى ضوء العالم السياسى الجديد ودور قوى السيادة الاجتماعية فى حوار الجماهير"، أعد دراسة أخرى من سلسلة دراساته المتميزة للوعى العام بعنوان "الثقافة القانونية للناخب المصرى وصندق الاقتراع".

يقول الدكتور محمد خفاجى كفل الدستور المصرى حق الانتخاب وجعله من أهم صور المشاركة السياسية، كحق من الحقوق العامة، وقد أعاد المشرع المصرى هيبة الصندوق الانتخابى بضمانات تكفل سلامة العملية الانتخابية، ووفر الحماية الجنائية للناخب لتمكينه من الإدلاء بصوته فى سرية وحرية كاملتين دون معوقات.

ويضيف أن لقاعة الانتخاب حرمة توجب عقاب من يعتدى عليها، فهى أشبه من هذه الوجهة، بقاعة الجلسات فى المحاكم، وحمايتها من كل اعتداء أدبى أو مادى، لذا فإن حصانة الناخب مستمدة من حصانة القاضى داخل قاعة التصويت، كما أن إبداء صوته يكون سرياً كعمل القاضى فى المداولة، والانتخابات تسبغ حمايتها بسياج متين من الحماية القانونية والسياسية.

ويذكر أنه يقصد بجمعية الاقتراع المبنى الذى توجد به قاعة التصويت والفضاء الذى حولها ، ويحدد رئيس اللجنة الفرعية هذا الفضاء ، على النحو الذى يُسهل إدلاء الناخبين بأصواتهم ويضمن سيطرته الفعلية على جمعية الاقتراع ، حتى تتم عملية الاقتراع فى نزاهة وحياد دون تأثير من أحد على جمهور الناخبين.

ويشير إلى أن المشرع حظر على الناخب الحضور إلى جمعية الاقتراع حاملاً سلاحاً ، وإن كان مرخصاً ، أو ذخائر أو مفرقعات أو ألعاب نارية أو مواد حارقة أو غير ذلك من الأدوات أو المواد التى تعرض الأفراد أو المنشآت أو الممتلكات للضرر أو للخطر .

ويقول الدكتور محمد خفاجى أن المشرع لم يجز قبول إثبات شخصية الناخب سوى بطاقة الرقم القومى أو جواز السفر المتضمن الرقم القومى , ولا يقبل اثبات شخصيته بدون ما تقدم , فلا يكفى جواز السفر خالياً من بيان الرقم القومى . ويكون إدلاء الناخب بصوته فى الانتخاب بالتأشير على البطاقة المعدة لذلك .

ويضيف الدكتور أنه على رئيس اللجنة الفرعية التحقق بنفسه من شخصية الناخبة والناخب ، ثم يُسلم لأيهما البطاقة أو البطاقات التى تحددها الهيئة الوطنية للانتخابات ، حسب النظام الانتخابى ويجب أن تكون البطاقة ممهورة بخاتم اللجنة الفرعية أو توقيع رئيسها أو خاتمه ، وبتاريخ الانتخاب , وينتحى الناخب خلف الساتر المخصص لذلك فى قاعة الانتخابات , ويثبت رأيه فى بطاقة الانتخاب ، ثم يضعها فى الصندوق الخاص لوضع البطاقات ، وفقاً للإجراءات التى تحددها الهيئة الوطنية للانتخابات .

يقول الدكتور محمد خفاجى أن جماهير الشعب ستذهب إلى صناديق الانتخاب لتختار رئيساً للبلاد , ويطلق عليهم هيئة الناخبين وهى الدعامة التى يقوم عليها النظام الدستورى فى البلاد , وتقوم هيئة الناخبين على أساس مبدأ فردية الانتخاب فأعلى المواطنين مقاماً له صوت واحد يعادل أقل الناخبين مركزاً .

ويضيف كما تقوم هيئة الناخبين على مبدأ المساواة أمام الصندوق الانتخابى فلكل رجل أو إمرأة صوت واحد مهما علت شئونهم أو دنت مراكزهم , الكل يتساوى أمام الصندوق الانتخابى إن الأصوات " تعد ولا توزن " فالكل سواسية أمامه , العالم كالجاهل , والأثرياء كالفقراء , والغنى كالمعدم , والسيد كالمسود ورجال الأعمال كالعمال , والناخبين الأميين هم أصحاب السلطان الحقيقى فى كل انتخاب لتحقيق المصالح الاجتماعية مما يعطى قيمة سياسية لأصواتهم

ويشير من بين المبادئ التى تقوم عليها هيئة الناخبين مبدأ التصويت السرى بمعنى أن كل ناخب يبدى رأيه على بطاقة الانتخاب ليس عليها أية علامة أو إشارة قد تدل عليه , وسرية الأصوات نظام ضرورى لضمان استقلال الناخب الاستقلال المادى والأدبى الذى يسمح له بالاعراب عن رأيه الحقيقى دون خوف أو وجل فلا يعرف أحداً غير الله حقيقة الرأى الذى أبداه .

وتعتبر مصر من أقدم بلاد العالم التى عرفت مبدأ التصويت السرى منذ قانون انتخاب أول مايو 1883 , وقد أخذت به فرنسا منذ عام 1789 وانجلترا منذ 18 يوليو 1872 وروسيا عام 1920 .

ويقول الدكتور محمد خفاجى أنه وفقا لقانون مباشرة الحقوق السياسية يجب التأشير على بطاقة التصويت ، على نحو يضمن سريته ، و لا يجوز استعمال القلم الرصاص فى التأشير, ويعتبر الصوت باطلاً فى ست حالات هى الصوت المعلق على شرط أياً كان الشرط واقفاً كان أم فاسخاً، والصوت الذى يُعطى لأكثر أو لأقل من العدد المطلوب انتخابه، والصوت الذى يثبته الناخب برأيه على بطاقة غير التى سلمها إليه رئيس اللجنة الفرعية ، والصوت الذى يثبته الناخب على بطاقة عليها توقيع الناخب نفسه،والصوت الذى يثبته الناخب وعليه أية إشارة أو علامة أخرى تدل على شخصيته، والصوت الذى يخل بسرية التصويت بأية صورة من الصور بصفة عامة .

ويشير الدكتور محمد خفاجى الى أن الانتخابات تفرز الأصوات الانتقائية والانتقالية والانفعالية والانتقامية وما يهمنا هنا تناول الصورة الأخيرة من صور السيكولوجية النفسية للصوت والمزاج العام للناخب.

ويضيف الدكتور إن الصوت الانتخابى ليس رقماً فحسب بل يوزن فى الميزان الديمقراطى الصحيح ويعكس مدى تقدم ووعى ونضوج الشعب , ويجب أن يتسلح الناخب بتوافر قناعات جوهرية فى الادلاء بصوته سواء فى الداخل أو الخارج , ويرى أن عملية التصويت بمثابة دفتر أحوال الأمة وتعكس نظرة العالم لمصداقية المصريين لبناء ديمقراطية حقيقية يفرغ فيها الناخب رأيه الحر فى اختيار من يراه وفقاً لإرادته وقناعته الشخصية , لذا فإن الابطال العمدى للصوت الانتخابى وإن لم يجرمه القانون وليس له سلوك مادى وفقاً لنموذج التجريم بحسبان الصوت يُمارس فى نطاق السرية , ولا ينتج ثمة رابطة سببية , ويكون بين الناخب وضميره ولا لسلطان لأحد عليه, إلا أنه يدخل فى نطاق التصويت الانتقامى وهى جريمة معنوية مجازية بسبب سريتها فلا تمثل سلوكاً مادياً مجرماً لأنها فى نطاق حريته فى الاختيار ولا تنتج رابطة للسببية لكنها بالقطع لا تقل إثماً عن الخيانة للأمانة الديمقراطية ولا ريب أن ذلك يمس نزاهة الناخب.

ويذكر الدكتور محمد خفاجى يعتبر إبداء الصوت الانتخابى أقوى اللحظات في التمثيل الديمقراطى ، إذ يعد بشكل عام محدداً للمشاركة السياسية، وهو في الواقع يتطلب انخراطاً في المجموعة الوطنية ، ومن خلال النسبة المئوية لأصوات الناخبين الذين صوتوا لحظة الاقتراع يمكن قياس درجة اهتمام المواطنين بعملية الاقتراع , ومن ثم تحديد درجة الولاء والاندماج الاجتماعي للفرد داخل وطنه وانتمائه إليه. إن السلوك الانتخابى وقفة موضوعية تعكس يقظة ضمير وصحوة وجدان شعب ومجتمع يتطلع لبناء مستقبله , فالسلوك الانتخابي يعد من تجليات السلوك السياسي، وتعبيرا واقعيا للمشاركة السياسية فهو سلوك جماعي ذو أبعاد إحصائية.

ويقول الدكتور محمد خفاجى أن ما يردده خونة الأوطان بالدعوة للذهاب إلى هذا العرس الديمقراطى وترك بطاقة التصويت بيضاء , هى دعوة للعصيان على الديمقراطية , إن التصويت الانتقامى من وجهة نظرنا هو أردأ أنواع الممارسة السياسية لحق الانتخاب لأنه يخضع للهوى وليس لمصلحة الوطن , وهو أمر يمس نزاهة الناخب الذى ثقلته التجربة فمنحته الديمقراطية سلطة الضمير فى المفاضلة بين المرشحين برؤية موضوعية وقرار ينبع من داخله بالتمايز بين الجميع , وإذا وقع الناخب فى حبائل التأثير ممن لا يحبون الأوطان بإقناعه أن أفضل طريقة للتعبير عن سُخطه لأى موقف معين بإبطال صوته الانتخابى , فإنه يكون قد أهدر قيمة المواطنة وهى أرقى ما يمكن أن يفاخر به إنسان فى بلده.