النهار
جريدة النهار المصرية

مقالات

د. يسرى العزباوى يكتب: مصر المأزومة

-
إن السمة السائدة في النخبة السياسية الحاكمة في مصر الثورة هي التسرع في إصدار تشريعات وقوانين تزيد الأمور تعقيدًا وتأزمًا، بدءاً من الإعلانات الدستورية المتلاحقة وصولاً إلي قوانين أو مشروعات بقوانين يتم إصدارها وإلغاؤها ليلاً.

واستمرارًا لهذا النهج، تأتي حالة من حالات التخبط والإرتباك الناتجة عن العجلة في ضرورة سرعة إصدار قانون الانتخابات الجديد، خاصة وأن المادة 229 من الدستور تنص علي بدء إجراءات الاقتراع بحد أقصي 60 يوما من إقرار الدستور، فضلاً عن ضرورة الرقابة السابقة للمحكمة الدستورية العليا علي القوانين، ومن ثم فهناك 45 يومًا، الدورة الطبيعة لعرض القانون علي قضاة المحكمة، تأخذهم لكي تبدي رأيها النهائي في القانون، والذي ربما يأتي بأن القانون غير دستوري، ومن ثم وجب إعادة النظر فيه مرة ثانية، ومن ثم عودته إلي مجلس الشوري، وحتي إذا جاء تفسير المحكمة للقانون بأنه دستوري فإن هناك جملة من العقبات والإشكاليات القانونية، التي يجب أخذها في الاعتبار في القانون الجديد، في ظل التسريبات التي خرجت علينا من نصوص القانون الجديد، منها علي سبيل المثال ما يلي:

أولاً: الدوائر الانتخابية، فهناك ضرورة ملحة بضرورة إعادة النظر في القانون الخاص بتقسيم الدوائر الانتخابية، لأنها شاسعة جدًا وغير مترابطة جغرافيا، فعلي سبيل المثال دائرة أبو حماد في محافظة الشرقية، قوائم، تضم ثلاثة مراكز غير مترابطة جغرافيا، بالإضافة إلي أن إحدي هذه المراكز مكتظ بالسكان، ومن ثم فإن المرشح ليس فقط بحاجة إلي امكانيات مالية ضخمة لعمل الدعاية الانتخابية، ولكن بحاجة إلي طائرة حتي يستطيع أن ينجز مسيرة انتخابية. بالإضافة إلي أن هذه التقسيم يساعد أية قوي أو أحزاب سياسية شبه منظمة للسيطرة علي البرلمان، كما حدث في الانتخابات الماضية.

ثانيا، وضع المرأة في القوائم، فيحاول المشروع إلزام الأحزاب والمستقلين عند تشكيل القوائم بوضع سيدة واحدة علي الأقل في النصف الأول من القائمة، ما عدا الدوائر ذات الأربعة مقاعد، والتي ترك فيها الحرية الكاملة لعدم وضع المرأة من الأصل في القائمة، وبهذا سيأتي تمثيل المرأة في البرلمان أقل من المتوقع، أو كما كان في عهد النظام السابق، والذي كان يقوم بتعيين عدد من السيدات والقبطيات علي وجه التحديد حتي يرفع من نسبة تمثيل المرأة والمسيحيين، وأعتقد أن النظام الجديد يفعل نفس الأمر.

ثالثًا، وضع العمال والفلاحين، فهناك توجه بأن يكون نصف عدد المرشحين علي الأقل من العمال والفلاحين، تمامًا كما أجريت الانتخابات التشريعية الماضية. وذلك علي الرغم من مناداة الكثير بضرورة إلغاء هذه المادة، وهل تم وضعها خوفًا من ثورة اتحاد العمال، وليس العمال الحقيقيين في المصانع. بمعني آخر، هل الإبقاء علي هذه المادة هو ترضية مؤقتة خوفًا من مزيد من المصادمات السياسية بين الإخوان وبعض فئات المجتمع؟ وإذا كان وجود العمال والفلاحين لدورة برلمانية واحدة كما تنص علي ذلك المادة (236) من الدستور، فهل هذا يعني وجودهم لعام واحد فقط لا 5 سنوات، خاصة وأن نص المادة 97 تعرف المدة الكاملة للمجلس وقدرها 5 سنوات أو ما يعرف بالفصل التشريعي.

رابعًا: مسألة المراقبة الدولية علي الانتخابات، وهنا يجب أن نفرق بين مطالبة البعض بـ إشراف دولي علي الانتخابات ، ومطالبة البعض الأخر، بـ مراقبة دولية علي العملية الانتخابية. فالاختلاف بينهما كبير للغاية، فالإشراف الدولي، أمر مرفوض جملة وتفصيلاً، لأن الدولة المصرية بأجهزتها التنفيذية قادرة علي إجراء أية عملية انتخابية وحمايتها من محاولات العبث بها، والأصوات التي نادت بذلك في عهد المجلس الأعلي للقوات المسلحة، هي ذاتها التي أكدت فيما بعد بأنها أول انتخابات نزيهة تشهدها مصر، بالإضافة إلي أن الضامن الوحيد هو مشاركة المواطنين في العملية الانتخابية. أما الرقابة الدولية علي الانتخابات، فهي أمر طبيعي ومتبع في كل الدول الديمقراطية، كما سمح المجلس الأعلي للقوات المسلحة للمنظمات الدولية بالمتابعة والرقابة علي العملية الانتخابية الماضية. وبناء عليه يجب علي اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس الشوري حسم موضوع المراقبة الدولية بتقنينها في القانون الجديد.

ونافلة القول، يجب علي أعضاء مجلس الشوري التدقيق في نص مواد القانون الجديد لأنه إذا خرج بصورة متسرعة، وبدون توافق حقيقي حوله، فإنه ربما يزيد الأمور سوءاً خاصة ونحن مقبلون علي الذكري الثانية بثورة 25 يناير، والتي ربما لا تهدأ الأمور بعدها.