جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: في زمن اللا حوار.. عدلى حسين ينسحب من الحوار الوطني

النائب والإعلامي أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
-

كارثة بكل المقاييس حدثت داخل أروقة الحوار الوطنى، وهى تمثل (تشرنوبل محلى)، عندما يتم دعوة الخبراء والمتخصصين وأساتذة القانون وشخصيات تنفيذية من الوزن الثقيل عاشوا ومارسوا ممارسة حقيقية العمل التنفيذى والمحلى بكل أبعاده ولوغاريتماته ودهاليزه التى تمثل الحكومة العميقة بكل مفرداتها وأبعادها ودهاليزها ، ولايتم الاستفادة من خبراتهم الكبيرة.

فما حدث مع المستشار عدلى حسين، الفقيه الدستورى وأفضل رجال السلطة التنفيذية على مدى عشرات السنوات، وأحد خبراء التنمية المحلية الذين لهم مؤلفات فى هذا المجال، بالإضافة لخبرته المحلية والدولية، ما حدث معه من أحد مساعدى المقرر الذى لا أعرفه ولا أريد أن أعرفه هو ردة فى الحوار الوطنى، فالولاءات لا تكون على حساب الكفاءات.. وهذه هى القضية الكبرى، بل أم الجرائم السياسية، (عندما يتولى صغارها مقاليد أمورها). وهذه هى إحدى علامات الساعة السياسية، وهذا عكس ما دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسى بأن يكون حوارًا شاملًا وفعالًا ودقيقًا ولا يتم استبعاد أحد منه، وبلا قيود أو خطوط حمراء أو مصادرة أفكار أحد.

فالمستبعدون من الحوار والمعذبون بأفكارهم وعشقهم لهذا الوطن الغالى، هم الذين يدفعون فاتورة الجهلاء، والمدعين الجدد، وبعض الأقزام السياسية، التى أكلت على كل الموائد، فى كل العصور.

فالتطهير السياسى لهؤلاء المدعين هو بداية العلاج الحقيقى لأن يكون هناك حوار، وأنا أعتقد أنه لا حوار فى الحوار، وأقولها بأعلى صوتى من أعلى مئذنة فى قاهرة المعز، أن الأكفاء غرباء فى هذا الحوار، وهذه هى النتائج المباشرة لهذا الحوار الوطنى الذى يتم فيه استبعاد وعدم الاستماع إلى أى صوت وطنى حقيقى يخالف آراءهم ومخططاتهم.

فهل هو حوار سياسى بالمفهوم الشامل بلا تحفظات أو قيود على الحوار مثل الاقتراب من الدستور أو السياسة الخارجية؟ لأن الحوار كما نعلمه وتعلمناه أن (كل شىء قابل للحوار، وحتى الحوار قابل للحوار)، وهذا مفهومى كصحفى ونائب، ولكن ما نراه ونتابعه هو بكل المعايير والمقاييس بعيد عن الحوار، فعندما تكون المدخلات غير مبشرة، تكون المخرجات غير مبشرة على الإطلاق.

فانسحاب المستشار عدلى حسين لم يأت من فراغ، لأنه عندما أعطاه رئيس لجنة المحليات فى الحوار الوطنى الكلمة، فوجئ بمساعد المقرر يوقفه ويعترض على كلامه قائلًا (مش عاوزين كلام وعاوزين نخلص!) فلا تعليق على هذه النكرات السياسية التى جاءت من المجهول السياسى، مع احترامنا للأشخاص ولكننا نختلف مع الأسلوب والعقليات، فلكل حوار أصوله وقواعده ومعاييره، فالرأى والرأى الآخر، هو سمة أى حوار حقيقى، وليس مصادرة أى خلاف أو اختلاف حول بعض القضايا، ولكن للأسف الشديد فاقد الشىء ليس عليه ذنب، ولكن الذنب الأكبر ذنب من اختاره.

فخرج المستشار عدلى حسين، ولولا المستشار محمود فوزى لما عاد مرة أخرى، ولكنه لم يحضر الجلسة الثانية للحوار الذى أعتقد كما قلنا من قبل أنه ليس حوارًا ولكنه مهرجان سياسى عندما يُدعى له كل من هب ودب، وللأسف الشديد من قام بالمقاطعة هو مقرر مساعد فى لجنة المحليات.

(فهل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟).

دعونا نقول إن أخطر ما فجّره المستشار عدلى حسين فى الحوار أنه كشف تكليف اللواء عادل لبيب، وزير الإدارة المحلية له فى عام 2014، بإعداد مشروع قانون للمحليات، وتم عرضه على مجلس الدولة الذى وافق عليه، وأقره مجلس الوزراء، وتم إرساله إلى مجلس النواب، وحتى الآن لم ير هذا المشروع بقانون النور.. لمصلحة من يتم ذلك؟!.

والقنبلة الأخرى فجرها المستشار عدلى حسين، عندما كشف أمام اللجنة أن حل المجالس المحلية عام 2011 باطل دستوريًّا وقانونيًّا، بمعنى أنه منذ عام 2011 حتى عام 2023، يعتبر حل المجالس الشعبية المحلية التى هى العصب الحقيقى والمكمل الدستورى والقانونى والتشريعى للإدارة التنفيذية غير دستورى، وهذا الأمر لم نجد تفسيرًا له حتى الآن من الحكومة، لأن المجالس المحلية هى المكمل الدستورى والقانونى والتشريعى والشعبى للسلطة التنفيذية، وبدونها تكون الإدارة التنفيذية بلا جناح رقابى، والذى يمثله المجالس المحلية.

والتساؤل الذى يثير تساؤلات أخرى وعلامات استفهام: لماذا لم تجر انتخابات المحليات حتى الآن؟ ولماذا يتم تعطيلها؟ خاصة أنها تمثل الرئة الشعبية والبرلمان الحقيقى فيما يتعلق بمشاكل المواطنين والجماهير فى كل نجع أو قرية أو مدينة أو محافظة، لأن دورنا كنوابٍ فى البرلمان أن نشرّع القوانين ونراقب السلطة التنفيذية والموازنة العامة ونحاسب الحكومة من خلال إحدى الأدوات الرقابية كالبيان العاجل أو طلب الإحاطة أو الاستجواب الذى يسقط الحكومات، ولكننا نتناساه كأنه من زمن ولّى، بينما المجالس المحلية هى البرلمان الحقيقى الذى يتعامل مع تفاصيل التفاصيل فيما يتعلق بمشاكل المواطن اليومية لدى السلطة فى المحافظات ومجالس المدن.

إن هذا الفراغ المحلى الذى نعيش فيه الآن بدون قانون المحليات أو تحديد موعد لإجراء الانتخابات المحلية، هو أم الجرائم السياسية.

ولا أدرى لماذا تخرج علينا بعض الأصوات التى لا أعرف بأى مرجعية فكرية أو سياسية أو أيديولوجية تتحدث، لتطالب للأسف الشديد بأن تجرى الانتخابات سواء المحليات أو مجلسى النواب والشيوخ بنظام القائمة المطلقة التى أثبتت بحكم التجربة والواقع السياسية فشلها سياسيًّا بمرتبة الامتياز، وقد يرد علينا البعض أن الدستور ينص على أن هناك كوتة للمرأة والبرلمان، والإجابة بشكل بسيط أننا قمنا كنواب بتعديل بعض مواد الدستور، فلماذا لا يتم تعديل هذه المادة كى لا يكون هناك عوار دستورى أو تشريعى؟!.. ولا توجد دولة فى العالم تطبق القائمة المطلقة، ولكن هذه بدعة سياسية لإدخال بعض العناصر على حياتنا البرلمانية والمحلية، وأعتقد أن ما نشاهده اليوم هو دليل على هذه النقطة.

ونحن نتابع ونشاهد المشهد الانتخابى فى تركيا، ونرى نتائج الانتخابات البرلمانية التى جرت بالقائمة النسبية، ومثلت فيها كل الأحزاب الصغيرة قبل الكبيرة وكل الاتجاهات السياسية والمستقلين، لأنها تعبر وتحترم آراء المواطنين وتوجهاتهم السياسية وأصبحت كل الأحزاب التركية مشاركة بنسب فى البرلمان التركى حسب الصندوق الانتخابى، لأنه هو الفيصل، وهو المحك الحقيقى لإثبات فشل أو نجاح أى تجربة انتخابية فى العالم، وذلك تحت إشراف قضائى كامل وبدون تدخل من الحكومة، وما نشهده اليوم من انتخابات الإعادة بين أردوغان وأوغلو زعيم المعارضة، على مقعد رئيس الجمهورية، والتى انتهت جولتها الأولى بنسبة بسيطة فى فارق الأصوات بين أردوغان وأوغلو لا تتجاوز أكثر من 2.5 مليون صوت، نتمنى أن نشاهده فى مصرنا الحبيبة التى هى ثانى ديمقراطية فى العالم ولديها ثانى أعرق برلمان بعد البرلمان الإنجليزى، فالشعب التركى سيحدد يوم 28 مايو الجارى من هو الرئيس الذى سيتولى إدارة شئون تركيا فى الخمس سنوات القادمة.

هذه انتخابات ديمقراطية تجرى أمامنا الآن، فهل سنقوم من خلال الحوار الوطنى بإعداد توصيات بأن تجرى الانتخابات الشعبية والبرلمانية القادمة من خلال القائمة النسبية المفتوحة، والمستقلين، حتى تعبر عن الإرادة الجمعية للشعب المصرى؟!.

ودعونا ننظر إلى برلمان 2015 الذى أثبت نجاح التجربة الانتخابية بلا تدخل حكومى على الإطلاق، فأسفر عن نسبة كبيرة من المستقلين، لأننا لا بد أن نعترف بأن النموذج الفردى فى مصر يناسب مزاج والتركيبة الشعبية للمواطن المصرى، وهذا موروث انتخابى وسياسى قديم ما زال مسيطرًا على عقلية المواطنين فى الريف والقرى وصعيد مصر العظيم، بينما تجربة القوائم المطلقة التى أجريت بها انتخابات 2020 أثبتت الانفصال التام بين البرلمان والناس وجعلت البرلمان فى وادٍ والمواطن فى وادٍ آخر، حتى أصبح الأداء البرلمانى معروفًا للجميع؛ مما أدى فى بعض الأحيان إلى تدخل الرئيس السيسى بسلطاته الدستورية مثلما فعل فى قانون الشهر العقارى بعد أن فشل البرلمان فى الاستجابة لأصوات الشعب.

وهذه حقيقة مُرة أننا لا بد أن نعالج السلبيات حتى لا يكون هناك كمين سياسى آخر، ونكرر هذا المشهد الانتخابى السابق الذى لعبت فيه الكراتين والمال السياسى عنصرًا حاسمًا على حساب الأكفاء والمستقلين والشرفاء فى هذا الوطن العظيم.

فهل تريدون أن تعود القائمة المطلقة بأسمائها غير المعروفة حتى يتكرر هذا المشهد فى البرلمان مرة أخرى، ونلغى صوت الشعب المصرى، الأسطورى والتاريخى الذى يعى ويفهم ما بين السطور والحروف نظرًا لجيناته ومفرداته الخطيرة؟!.
أتمنى أن يكون لدينا نظام انتخابى يفرز عناصر تعبر عن الجماهير بآمالها وآلامها، لنخفف المسئولية عن رئيس الدولة وأن يتم مراقبة ومحاسبة الحكومة وتفعيل الآليات البرلمانية بإسقاط الحكومات من البرلمان تنفيذًا لنبض وآراء المواطنين.

والتساؤل الثانى:
هل تم عمل استطلاعات رأى حقيقية أو استبيانات عن دور 106 أحزاب فى الشارع المصرى، حتى يكون المعيار علميًّا وموضوعيًّا وبحثيًّا وواقعيًّا؟.

فأنا فى دائرتى فى منوف وسرس الليان لا وجود على الإطلاق للأحزاب أو الكتل السياسية فى الشارع المنوفى، وهذه ليست مبالغة ولكنها تشخيص وتوصيف للواقع السياسى الحقيقى.
ولكن هالنى وأزعجنى وأفزعنى ما حدث مع المستشار عدلى حسين، فلم أصدق ما حدث إلا بعد عودتى للمصادر الحقيقية والتأكد من صحة ما نُشر، ومقاطعته أثناء كلمته وانسحابه من الجلسة الثانية.

وهنا أطرح للمرة المليون التساؤل: هل هذا حوار وطنى أم مهرجان سياسى كبير يذكرنا بما كان يدور من فعاليات سياسية للحزب الوطنى التى كانت مخرجاتها بلا طعم أو لون رائحة سياسية؟ رغم أن عدد أعضائه كان أكثر من 5 ملايين عضو، وعندما هبت رياح الثورة تبخرت كل هذه الأسماء؛ لأنها لا تعمل بهدف فكرى أو سياسى ولكن من أجل مصالحها الشخصية الضيقة، وهذه هى الطامة الكبرى والحقيقة التى يجب أن نعترف بها حتى نعبر بمصرنا الحبيبة إلى بر الأمان السياسى.

فلا صلاح اقتصادى إلا من خلال إصلاح سياسى وتشريعات حقيقية واقعية تعالج كل الثغرات والسلبيات حتى تعبر تعبيرًا واقعيًّا وعمليًّا عن المعوقات التى تمنع نهضة هذا الشعب العظيم.

أخيرًا.. أقولها لوجه الله..
حاسبوهم أو حاسبونا.. فكل ما نتمناه أن يكون الحوار الوطنى حقيقيًّا وليس مزادًا سياسيًّا، وأن يتم اختيار الأشخاص المشاركين فيه بعناية ودقة، والعناصر الوطنية والمستقلة بعناية ودقة أكثر، لأننا نرسم للمستقبل خارطة طريق لمصر فى المرحلة القادمة.

وأؤكد للمرة الثانية لصديقى العزيز الدكتور ضياء رشوان، الأمين العام للحوار، ومعه نائبه النشط المستشار محمود فوزى، على ضرورة أن يتم مراجعة قرار عدم الاقتراب من الدستور أو السياسة الخارجية لأنها إحدى مفردات وأدوات عدم نجاح الحوار الوطنى.. وهذا عكس ما نتمناه.

ارحموا من في الأرض

يرحمكم من السماء.

وشكر الله سعيكم .