تحقيق| ”ميدالية مغلفة بالموت”.. النهار تكشف فى تحقيق استقصائي سر انتشار المنشطات فى بطولات السباحة للناشئين

تحقيق الميدالية الذهبية حُلم يرواد منام الكثيرين، من السباحين الصغار فى بطولات الناشئين للسباحة، وفى سبيل ذلك الحلم بذلوا الجهد والوقت والمال، ولكن البعض انحرفت وجهته فقرر اختصار الطريق، واتخذ من المنشطات سبيلًا غير مبالٍ بالمخاطر الكارثية التى تهددُ حياته.
فى هذا التحقيق، تسلط «جريدة النهار المصرية» الضوء على رويات صادمة لانتشار المنشطات فى مسابقات السباحة للناشئين، وسط غياب الدور الرقابي للجهات المسؤلة، وعدم وجود لجان لإجراء تحليل تعاطي المنشطات للناشئين قبل المسابقات المختلفة، وهو ما فتح الباب على مصرعيه لتعاطي تلك المواد، في تنافس غير شريف، هدفه الأول الفوز والتتويج باللقب، دون مراعاة للقواعد الأخلاقية وروح الرياضة، والمشاكل الصحية الخطيرة على المدى البعيد.
رواية صادمة
فى البطولات الكبرى يحرص الأباء والأمهات على دعم أبنائهم من منصات التشجيع، ولكن تلك المنصات أمنت لهم رؤية واضحة لما يدور خلف الكواليس، والذي شكل صدمة لهم صدمة غير متوقعة.
تروى "م.س" ربة منزل ووالدة أحد السباحين الناشئين فى "سباحة الزعانف" قصة شاهدة عليها؛ أثناء مشاركة نجلها فى البطولة الصيفية، وتقول، شاهدنا الكثير من المنشطات فى أيدي بعض المدربين، فتلك الأمور تحدث بشكل واضح فى البطولات، ولكن لا أحد يجروء على الحديث عنها.
وتتابع "م" والتى رفضت ذكر أسمها، بسبب الإصلاحات فى استاد القاهرة، المدربون يضطرون للجلوس فى مدرجات الدرجة الأولى، والجمهور فى الدرجة الثانية، وهو ما يمنحنا رؤية كافية لمشاهدة المواد التى بين أيديهم.
"بجوار "بسين" التسخين، فقد طفل الوعي، وحاولت والدته جاهدة إفاقته، حتى تدخل القائمين على البطولة"، تقول "م"، فى ذلك الوقت سمعنا المدرب يبرر لوالدة الطفل سبب فقدانه الوعي قائلًا: "هو خدها متأخر"، ما الذى تناوله بشكل متأخر؟ تسأل "م".
وكشفت "م"، أنه فى البطولة الصيفية الأخيرة، كانت تجلس بجوارها ربة منزل ووالدة أحد السباحين الناشئين، والتى تعمل ممرضة فى قطاع طبى هام داخل الدولة، لتؤكد له أن العبوة التى فى يد أحد الكابتن عبارة عن "بنج عمليات".
وأضافت "م" حديثها قائلة: "الموضوع مش مقتصر على منشطات، ولكن أحد الكباتن الكبار هاجم بعض المدربين بسبب أعطائهم للسباحين "الفياجرا" و"الريد بول" قبل البطولة، مشيرًا إلى مخاطر هذا الأمر الذي قد يؤدى إلى "السكتة القلبية".
"نحن نحاول بناء سباح قوى، وليس مجرد شخص يظهر فجاءة ويحرز بطولة ثم يختفى، بسبب ممارسات خاطئة" تختتم "م" حديثها، وتقول: "شفت حجات بعيني لكن مش هقدر أقول أسماء".
منشطات فى التسخين
القصص والحكايات لا تتوقف والشواهد عديدة، تحتاج لتحقيق، توجهت جريدة "النهار المصرية" بالسؤال لعدد من أولياء أمور السباحين الناشئين عن ما إذا تعرض أبنائهم لأمور مشابهة، وعن حقيقة انتشار المنشطات قبل البطولات والمسابقات المختلفة.
تقول "هبة نور"، أيوة بيحصل كتير جدًا في مختلف البطولات، وعقب المسابقات يؤكد أبنائي أن باقي المتسابقين يتناولون أشياء غريبة، وذلك أثناء عمليات التسخين، ويؤكد كلامها "أحمد أحمد"، ويضيف، بعض السباحين يتناولوا منشطات، وقبل البطولات بأسبوع أو أكثر تنتشر تلك المواد خاصة فى التمرين.
فيما تقول "هبة محمد": "أولياء الأمور هم المشكلة، لأنهم لا يهمهم سوى مكسب أبنائهم، رغم أنهم إذا فكروا فى الأمر بحيادية سيفهمون أن ذلك حدث بالغش، وهو أمر مخزى ولا يسعد أبدًا".
وتؤكد "رباب ناجي" ما سبق وقالته "م.س"، بشأن "بنج العمليات" وتقول، أنها شاهدت أنواع من "بنج العمليات"، وبعض أنواع المنشطات مع بعض الكابتن، مستنكرًة هذا الأمر قائلة: "مفيش حاجة في الدنيا تساوي صحة ابني، مهما كانت المغريات".
عرض وطلب
المدربون جزء من اللعبة، إذًا فالسؤال من الجاني ومن المجني عليه؟ وإين الرقابة.. بعض المدربون قالوا أن اللاعبين يطلبون تناول المنشطات صراحةً، وأخرين كشفوا عن أن بعض المدربين يعرضونها على اللاعبين بحجة زيادة الكفاءة، ورفع قوة التحمل.
يقول كابتن إبراهيم هلال، مدرب السباحة ولأعب كمال الأجسام، أن هناك بالفعل حالات تعاطي منشطات بين اللاعبين والمدربين، خاصة قبل البطولات الهامة، وبعض اللاعبين يطلبونها صراحةً من المدرب، وأحيانًا يعرضها المدرب من تلقاء نفسه، رغم مخاطرها الكبيرة.
وبسؤاله عن لجان كشف المنشطات للسباحين تحت السن الـ15 قال كابتن "هلال": "للأسف في مصر مفيش أي لجان للكشف على المنشطات للناشئين، مفيش حد مسؤل عن ده، ولا إي رقابة"، كما كشف أن الأمر لا يقتصر على رياضة السباحة، بل يمتد لألعاب أخرى ومنها الملاكمة، والعاب القوي والمصارعة.
وتحدث "هلال"، عن أضرار هذه المنشطات قائلًا: "بتبان علي المدي البعيد"، ومن هذه الأضرار، انخفاض عدد الحيوانات المنوية، والعقم، وانكماش الخصيتين، والضعف الجنسي لدي الرجال، والصلع، وزيادة حجم الثدي، وزيادة خطر الإصابة بسرطان البروستاتا، ونمو حب الشباب بكثرة"، مستكملًا حديثه قائلا: هناك أيضًا أضرار نفسية كثيرة منها، السلوك العدواني، تقلب المزاج، جنون العظمة، سلوك جنوني، الهلوسة والأوهام".
مفيش رقابة
وفى ذات السياق يؤكد سامح رأفت كابتن السباحة، أن هناك صعوبة كبيرة في عملية ضبط ومراقبة المنشطات في المراكز والأندية، وهناك حالات وفاة حدثت نتيجة المنشطات، فهي مواد غير قانونية يعاقب متعاطوها بالاستبعاد من البطولات الرياضية، لما تحمله من مخاطر صحية كبيرة علي جسم الرياضي، خصوصا في سن الناشئين.
وأشار "رأفت"، إلي أن المنشطات ذات الأصل الهرموني يتعاطها الرياضيون لغايات تحسين أدائهم البدني خاصة قبل البطولات، لزيادة قدرتهم علي التحمل وتأدية أداء أفضل، ولكنها مواد غير قانونية بيتم معاقبة من يستخدمها بعقوبات تصل للإيقاف مدي الحياة.
وعن حقيقة "بنج العمليات" الذى تحدث عنه أولياء أمور الناشئين، قال "رأفت"، هو ليس "بنج عمليات"، ولكنه "بنج" مشابه لما يستخدمه لاعبي كرة القدم، يستعين به السباحين لتخفيف آلام الإصابات، وعلاج التشنجات قبل التمرين، وهو لا يعتبر من المنشطات، أو غير قانوني.
وفى نفس الإطار يشرح "مينا أشرف" مدرب وكابتن سباحة أليات التعامل مع اللاعبين قبل البطولات قائلًا، قبل كل بطولة بيطلب من السباح كارنيه الاتحاد، والذي يُصدر للاعب بعد أربع "استارات" (مستويات)، وعقب إجرائه التحاليل اللازمة، وبعدها لا يُطلب من اللاعب أى شيء أخر سوى الكارنيه، لا من قبل النادي ولا الاتحاد، وهذا يفتح المجال لتعاطيه المنشطات قبل السباقات.
وتابع "مينا" قائلًا: "الموضوع بيبان وسهل يتعرف" متابعًا، رؤساء أجهزة الأندية من حقهم تقديم طلب للحكم خلال المسابقات فى حالة تشككوا فى أن أحد المتنافسين متعاطي لمنشطات، وقتها يتم إجراء تحليل، وإذا ثبت يكون المدرب واللاعب عرضة للإيقاف.
الموت المفاجئ
الرأى الطبى حذر من مخاطر تلك المنشطات على المدي القريب والبعيد، فهي أن كانت تؤمن البطولة واللقب، فهي تفتح الباب لأمراض خطيرة تقود الناشئين إلى الموت البطيئ.
المنشطات خطيرة جدًا، وتؤثر على صحة القلب، يقول الدكتور جمال شعبان مدير معهد القلب السابق، أتذكر حالة لشاب لم يتجاوز العشرين من عمره، جاء لي بمشاكل فى القلب ويحتاج لتركيب دعامة، وكان السبب المنشطات التي تعاطاها لفترة طويلة قبل التمرين.
ويتابع "شعبان"، إن هناك العديد من المنشطات الممنوعة علي الرياضيين واللاعبين ومن أشهرها هرمون الإريثروبويتين، وهو هرمون يحفز الجسم على إنتاج المزيد من خلايا الدم الحمراء التي تحمل الأكسجين، مما يزيد من قدرة الجسم على التحمل، مشيرًا إلى صعوبة اكتشاف هرمونات النمو البشري في الدم، بما في ذلك الأنسولين وأدوية سرطان الثدي، وأدوية الخصوبة.
وأوضح "شعبان"، أنه يمكن أن يسبب تعاطي المنشطات مشاكل صحية خطيرة ودائمة، مثل مشاكل الكلى أوتليف الكبد والأورام، وتضخم القلب، وارتفاع ضغط الدم، وتغيرات فى نسبة الكوليسترول، وكلها عوامل تزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية والنوبات القلبية، حتى عند الشباب، وزيادة خطر الإصابة بجلطات الدم.
وتابع "شعبان"، المنشطات قد تؤدي إلي بناء سريع لشكل العضلات، ولذلك تستخدم في رياضات كمال الأجسام، إلا أنها علي المدي القريب والبعيد تدمر صحة الجسم، وتؤدي إلي ارتفاع ضغط الدم، ومرض السكرى من النوع الثاني، وزيادة مقاومة الانسولين، وتضخم عضلة القلب، وتصلب الشرايين التاجية، وشرايين المخ، وشرايين الكلي، مما قد يؤدي إلي أزمة قلبية، واختلال في كهرباء القلب، وتوقف قلبي مفاجئ، ربما ينتهي بفشل قلبي وكلوي وتنفسي.
مكملات غذائية قاتلة
الدكتورة "ريهام صفوت" استشاري التغذية العلاجية تقول، أن الأولاد وفي أعمار صغيرة جدًا يتناولوا العديد من المواد المضرة تحت مسمي "المكملات الغذائية"، والحقيقة أن هذه المواد غير مسموح بها إلا تحت إشراف طبيب، وفي أضيق الحدود، وبما يتناسب مع المرحلة العمرية لمتعاطي تلك المواد.
وتضيف "ريهام" استشاري تغذية الرياضيين: "في مصر هنا أي حد بياخد أي حاجة بناءًا علي توصيات المدرب"، وتتابع، لأبد أن نفرق بين "المكملات: و"المنبهات" و"المنشطات"، وماذا تعني المنشطات فى الأساس، وهذا ما يجهله الجميع.
وتكشف "ريهام" فى تصريحات ل"النهار"، لأبد أن نعرف أن هناك أدوية متوفرة فى الصيدليات، من الممكن أن تكون إيجابية فى تحليل المنشطات، ولذلك فالأمر يحتاج لتوعية، ونسعي جاهدين لتحقيق ذلك، عن طريق اتحاد أولياء الأمور والمدربين والسباحين.
وتؤكد "ريهام" فى ختام حديثها، أن "الريد بول" ليس منشط ولكنه ضار لاحتوائه علي نسبة عالية من الكافيين، وذلك من الممكن أن يتسبب في أضرار جسيمة علي صحة السباحين الناشئين، وهو غير مصرح بتناوله أقل من 18 عام.
القانون يحارب المنشطات
يحظر على الرياضيين تعاطى المواد المنشطة، ولا يجوز مخالفة قواعد الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات فى مجال الرياضة، يقول "كريم محي" المحامي والخبير القانوني، يحظر على المدربين والأطباء المعتمدين وغيرهم من العاملين فى مجال الرياضة وفقًا لقانون الرياصة، إعطاء المواد المنشطة للرياضيين، أو مطالبتهم أو تحريضهم على تعاطيها، أو تطبيق وسائل محظورة وفقا لقواعد المنظمة الدولية لمكافحة المنشطات.
الحبس والغرامة عقوبات نص عليها قانون الرياضة رقم 71 لسنة 2017، يتابع "محي"، أن المادة (86) من قانون الرياضة نصت على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تزيد على 20 ألفا، أو باحدى هاتين العقوبتين، للمتهمين بحيازة المواد المخدرة وتعاطيها وما فى حكمها.
وتابع، أن المادة حددت صراحةً على من توقع العقوبة، ونصت على إنها تشمل كل من دخل إلى مكان النشاط الرياضى أو أى هيئة أو منشآة رياضية ولو فى غير ممارسة نشاط رياضى وهو فى إحدى الحالات الآتية حائزا أو محرزا أو متعاطيا مسكرا أو مخدرا.
وكشف "محي"، أن هناك مناقشات تدور داخل لجنة الرياضة بمجلس النواب بشأن مشروع لتعديل قانون الرياضة يتضمن إضافة مادة جديدة هي المادة (91 مكرر 1) والتي تنص على: " يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أتجر أو تداول أو تعاطى أو حرض على تعاطي المنشطات والمكملات الغذائية المدرجة بالجدول المشار إليه في المادة (33) من هذا القانون.
وللمحكمة أن تقضي فضلاً عن العقوبات المقررة بالفقرة الأولى بغلق المنشأة وإيقاف الترخيص لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاثة سنوات. وفى جميع الأحوال تقضي المحكمة بمصادرة المضبوطات".