جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: قراءة فى ملف الاتفاق السعودى الإيرانى

النائب أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
-

لا شك أن الاتفاق الذى تم بين السعودية وإيران، برعاية صينية، هو حدث يمثل زلزالًا سياسيًا بقوة مليون ريختر يغير شكل العلاقات فى منطقة الشرق الأوسط، بل سيحدث تغييرًا حقيقيًا فى موازين القوى العالمية بعد التدخل الصينى والرعاية الروسية.

وهذا جاء بعد القمة السعودية الصينية التى استطاع فيها الأمير محمد بن سلمان أن يوجه ضربة دبلوماسية للأمريكان، والتأكيد على أن السعودية لا تنتظر طويلًا للحفاظ على أمنها القومى الاستراتيجى فى المنطقة، وخاصة مع الجارة إيران، وكذلك بعد زيارة بايدن للرياض التى اعتبرها الكثير من المراقبين إعلان النهاية لعلاقة استراتيجية دامت لعقود، وأن المملكة بدأت تبحث عن مصلحتها فى اتجاهات أخرى.

والمؤكد أن السعودية لم تكن لتخطو هذه الخطوة، إلا بعد تأكدها من تماسك الجبهة الداخلية للمملكة، وتوحدها خلف قيادتها، فتماسك الجبهة الداخلية بنى عليه الأمير محمد بن سلمان التحرك الخارجى، وهو واثق من قراراته، خصوصًا بعد حالة الحراك الاجتماعى والثقافى والفنى الموجودة حاليًا داخل المملكة، فمن السماح للمرأة بقيادة السيارات، إلى بناء مشاريع عالمية عملاقة مثل مشروع نيوم، إلى الاعتماد على الشباب السعودى الذى تعلم فى الخارج، وهم أكثر من مليون شاب وفتاة، يتولون الآن المناصب القيادية فى الشركات وفى القطاع الحكومى وفى المشاريع التى أحدثت نقلة خطيرة فى تركيبة المجتمع السعودى، وصولًا إلى تحجيم مخصصات الأمراء وسلطاتهم فى إطار القانون والمساواة بين المواطنين السعوديين، وأخيرًا المواسم الفنية فى المملكة التى أصبحت قبلة لنجوم العالم، بل وصل الأمر إلى مجال الرياضة؛ حتى شاهدنا نجمًا كرويًا فى مستوى كريستيانو رونالدو يلعب فى الدورى السعودى.

فالدبلوماسية السعودية استطاعت أن توجه ضربة دبلوماسية عندما تم اتفاق إعلان النوايا بين السعودية وإيران فى هذا التوقيت الحساس برعاية صينية، وهذا حدث تاريخى لأنه لأول مرة تدخل الصين طرفًا فى قضايا الشرق الأوسط، وخاصة قضايا الدول العربية.

ولأول مرة فى تاريخ العلاقات السعودية الأمريكية والعربية الأمريكية يتم عقد اتفاق سلام فى المنطقة دون رعاية أمريكية، مع أن أمريكا كانت تدعى أنها حليف استراتيجى للسعودية، فأن يتم ملء الفراغ من الجانب الصينى دون الأمريكى، هى رسالة لأمريكا أن السعودية لن تدخل فى موضوع التطبيع أو اتفاقية أبراهام مع إسرائيل.

فلذلك نقول إن الدبلوماسية السعودية ووزير الخارجية فيصل بن فرحان، على مدار جولات وحوارات مكوكية، بدأت فى بغداد، وانتقلت إلى سلطنة عمان، ثم كان مسك الختام فى الصين- استطاعت أن تفاجئ الجميع، الأصدقاء قبل الأعداء، فى الوقت الذى كان فيه وزير الدفاع الأمريكى يزور منطقة الشرق الأوسط، برسالة أن السعودية اتخذت قرارات أحادية للحفاظ على أمنها القومى من أى هجمات مستقبلية سواء من الحوثيين أو غيرهم.

والتساؤل: هل هى بداية لمصالحة عربية إيرانية؟ وهل تكون مصر طرفًا قادمًا فى إعادة علاقاتها الدبلوماسية مع إيران أيضًا؟ على الطريقة العربية وليس الطريقة الأمريكية؟ لأن أوروبا وأمريكا تفاوضت مع إيران بخصوص برنامجها الدولى بعيدًا عن الدول العربية المهمة مثل السعودية ومصر.

ومن الناحية الأخرى، فإن هذا الاتفاق يخرج إيران من العزلة الدولية والحصار الأمريكى السياسى والاقتصادى لتفتح صفحة جديدة مع الدول العربية لإنعاش اقتصادها والقضاء على التظاهرات فى الداخل الإيرانى نتيجة الحصار الأمريكى الغربى عليها، فهو طوق النجاة للنظام الإيرانى.

وكما قلت خلال لقائى على التلفزيون المصرى يوم الأحد الماضى، إن العالم العربى أمامه فرصة تاريخية واستثنائية لإعادة رسم خريطة المنطقة بإعادة العلاقات العربية الإيرانية، ويجب علينا الاستفادة من المرحلة الفارقة والفرصة التاريخية النادرة لإتمام المصالحة العربية الشاملة والعمل على البناء على ما تحقق فى الاتفاق الإيرانى السعودى ووقف الحرب فورًا فى اليمن وإعادة انتخاب الرئيس اللبنانى وإحلال السلام فى سوريا والعراق وليبيا، لنتحول إلى قوة لا يستهان بها ورقم فاعل فى خريطة العلاقات الدولية الجديدة، خصوصًا أن أمريكا وإسرائيل سيحاولان بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة عرقلة هذا الاتفاق السعودى الإيرانى، أو على الأقل وقف توسعه ليصبح اتفاقًا عربيًا إيرانيًا، فمثل هذا الاتفاق سيكون البداية لحل القضية الفلسطينية، بل قد يكون البداية لنهاية إسرائيل.

أخيرًا أؤكد أن هذا الاتفاق السعودى الإيرانى برعاية دولة الصين الشعبية يعطى دلالة خطيرة أن العالم العربى سيكون له دور قوى فى المتغيرات العالمية التى تتشكل بقوة، وأنه سيكون له دور فاعل بعد أن أصبحت الصين وروسيا والهند ودول أخرى إحدى قوى العالم الجديد، فهل يتشكل تحالف جديد بين إيران والسعودية ومصر وتركيا والصين وروسيا؟ خصوصًا أن حقوق الشعب الفلسطينى فى خبر كان أمام الفيتو الأمريكى، وبعد أن أدرك الجميع أن «المتغطى بالأمريكان عريان».

ولا عزاء للأمريكان أو الإسرائيليين

وشكر الله سعيكم