جريدة النهار المصرية

المحافظات

مؤتمر ”الثقافة والمثقفون” بمكتبة الإسكندرية يوصي الاهتمام بالبعد الإفريقي إلى جانب العربي والأوروبي

هالة ياقوت -

اختتمت مكتبة الإسكندرية برئاسة الدكتور أحمد زايد؛ مدير المكتبة، مؤتمر "الثقافة والمثقفون .. آفاق جديدة"، والذي امتد على مدار يومين، بحضور عدد من المثقفين والمفكرين وكبار المسئولين.

وعبّر الدكتور أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية، عن سعادته بانعقاد مؤتمر للثقافة والمثقفين في مصر داخل المكتبة، وقال إن المؤتمر عكس معاني التعددية بكل ما تضمنه من مناقشات وحتى الاختلافات في الآراء، مشيرا إلى أن ذلك المجال العام يخلق نوعا من الرابطة التي تعتمد على الحوار والتدبر العقلي والتفكير العملي الذي يؤدي إلى بناء أفكار تفيد المجتمع، مشيرا إلى أن فكرة الحوار تقوم على الاستماع الجيد واحترام كل الأفكار وكل الآراء مهما كانت درجة الاختلاف.

وشهدت الجلسة الختامية لمؤتمر "الثقافة والمثقفون.. آفاق جديدة" المنعقد بمكتبة الإسكندرية، عددا من التوصيات التي أثمرت عنها الجلسات المتوازية التي ناقشت قضايا الأدب والفن، والإنتاج الفكري والفلسفي، وحماية التراث المادي وغير المادي، إلى جانب الثقافة المصرية في أبعادها الإقليمية والدولية.

وتحدث الدكتور أنور مغيث، أستاذ الفلسفة المعاصرة، عن ملخص وتوصيات جلسة "الثقافة والإنتاج الفكري والفلسفي"، قائلا: إن المناقشات ركزت على أهمية الإنتاج الفكري بوصفه مؤشر على ثلاثة أشياء ضرورية للمجتمع، أولها أن الإنتاج الفكري وازدهاره علامة على حيوية المجتمع وقواه الحية، فعندما يكون هناك جمود أو ثبات أو فكرا واحدا مسيطرا يكون المجتمع خامل وتقريبا ينزوي.

وأشار إلى أن الإنتاج الفكري يبين هل المجتمع يعيش مشاكل عصره أم يعيش مشكلات عصر سابق، ومن خلال ذلك يمكن معرفة هل المجتمع يدرك مشكلاته الحقيقية أم مستغرقا في حل مشكلات زائفة، بالإضافة إلى أنه يعطي مؤشر حول وعي المجتمع بالعصر وإلى أين تذهب البشرية، كما يمكن للإنتاج الفكري أن يدلنا على وعينا بالمستقبل وهل سنجد الاستجابات الملائمة للتحديات التي يطرحها المستقبل.

وأكد مغيث ضرورة الاهتمام بالتفكير الفلسفي قائلا إن الفلسفة اكتسبت أهمية كبيرة في العقود الأخيرة، لاسيما مع اليقين بأن العلوم والتكنولوجيا بات لديها حلولا لكل شيء بل قد تكون سببا في بعض المشكلات مثل التلوث البيئي والسلاح النووي وكلها أشياء ناتجة عن العلم، مشيرا إلى أنه لم يكن هناك حلا أمام ذلك إلا في الفلسفة وزاد الأمر بعد مشكلة انتشار الأوبئة والإدارة العالمية لها، معتبرا أن التحديات المطروحة على أي بلد هي تحديات كوكبية بطبيعتها، وبالتالي فإن الاستجابة لها يجب أن تكون إنسانية عامة غير منطلقة من التراث أو الثقافة الدينية، وهي الفلسفة التي تتسم بكونها فكرا إنسانيا يصل إلى الثقافات البشرية.

وأشار مغيث إلى توصية الجلسة بفكرة طرحها الدكتور أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية، بشأن تلخيص الكتب الفلسفية بشكل مبسط يطرح موضوع الكتاب، ونشر الفكرة لتشمل ما يتعلق بتراث الفكر الإنساني، بما يتيح للشباب الاطلاع عليها لتصبح الفلسفة جزءا من ثقافتهم العامة الضرورية.

وتابع أن الجلسة أوصت بطرح قضايا العصر من خلال مبادرات للتفكير المشترك وليس تفكير فردي، وأن يكون هناك مجموعة تفكر في قضية واحدة من خلال الحوار بما يسمح بالتحول من النقل إلى النقد.

وتحدث عن ضرورة الاهتمام بالقضايا الرئيسية للفكر الفلسفي في القرن الحادي والعشرين، مشيرا إلى وجود موضوعات لم يكن يتم طرحها من قبل وأصبحت تطرح الآن وبشكل ملح، مثل فلسفة البيئة وفلسفة الجينوم البشري، والفلسفة النسوية، وهي كلها قضايا جديدة مطروحة على محور البحث الفلسفي.

وتطرق مغيث عن أهمية الفلسفة في عصر ما بعد كورونا حيث تحول كل شيء نص قابل للتأويل حتى الظواهر المادية والاجتماعية والصحية والطبية، فجميعها يحتاج إلى تأويل وامتلاك المنهج الفلسفي في فكرة التأويل، فضلا عن طرح فكرة تسويق الفلسفة من خلال اقتحام الوسائط التعددية وإدراج الفلسفة كعنصر فاعل في العالم الافتراضي التفاعلي، بحيث تكون متاحة لأكبر قدر من الجمهور.

كما أوصت الجلسة بتقديم تجارب مبتكرة وملهمة لفهم الكتابة الفلسفية من خلال عروض مسرحية لنصوص فلسفية برؤية درامية يمكن أن يستخدم فيها الحوار والموسيقى والعرض المسرحي، باعتبارها وسيلة تجمع بين وسائط وفنون مختلفة لتقديم الأفكار الفلسفية، فضلا عن التأكيد على الاهتمام بنشر كيفية التفكير المنطقي والعقلاني كمدخل لإمكانية التعامل مع النص الفلسفي بعد ذلك.

وأشار أستاذ الفلسفة المعاصرة إلى التوصية بطرح مبادرة بعدم الاقتصار على شرح المذاهب الفلسفية وإنما العمل على صياغة فلسفة للحياة بحيث يتم التعامل مع مفاهيم مثل الأخلاق واحترام المهنة والعلاقة مع الوطن والعالم الخارجي انطلاقا من القيم الفلسفية المؤثرة في حياتنا، بالإضافة إلى إقامة صالونات للحوار والنقاش الفلسفي بين المختصين في قضايا بعينها.

وأكد ضرورة العمل على تبسيط الإنتاج العلمي الجديد باعتباره ثقافة ضرورية لكل إنسان في هذا العصر وثقافة ملهمة للتفكير الفلسفي، بحيث يكون هناك تبسيط للعلوم وإتاحتها للناس، فضلا عن إمكانية إصدار مجلة فلسفية مشيرا إلى أن فرنسا يصدر بها نحو 30 مجلة فلسفية، بينما يصدر في مصر مجلتين أو ثلاث، إلى جانب ضرورة الاهتمام باستضافة مفكرين وفلاسفة عالميين في مكتبة الإسكندرية لتقديم قضايا ومناقشات مع أساتذة مختصين باعتبارهم نجوم في عالم الفلسفة واهتمام العالم بكلماتهم.

من جانبه تحدث الدكتور حسين حمودة؛ أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة، في الجلسة الختامية للمؤتمر عن ملخص وتوصيات الجلسة النقاشية الموازية التي حملت بعنوان "الأدب والفن: آفاق المستقبل"، مشيرا إلى أن الوسائل الحديثة انتجت أنواع جديدة من الكتابة ومنها "القصة التويترية" على سبيل المثال.

وتحدث عن ضرورة مواجهة بعض التضليلات التي كانت هناك محاولات لإشاعتها في بعض الفترات مثل تعبير الرواية الإسلامية وغيرها من التعبيرات التي اتصلت بتوصيف كتاب بأنهم يدعون للرذيلة، فضلا عن مناقشة قضايا تراجع الثقافة السمعية وحلول الثقافة البصرية بأشكال متعددة جدا.

وأشار إلى أن الجلسة أوصت بضرورة تجاوز الوقوف عند القضايا الراهنة إلى القضايا الخاصة بالمستقبل، مع ملاحظة أن الذهنية العربية مستهلكة ومتكلسة وأن الانتقال إلى المستقبل يرتبط بالتخلص من تلك الذهنية من خلال الخيال الإبداعي واعتماد العقل النقدي.

وتابع أن هناك ضرورة لمناقشة إشكالات الثقافة وضرورة توسيع هامش الثقافة الحرة، فضلا عن أهمية دعم الدولة وانفتاحها فيما يخص الفنون، خاصة وأن الأعمال الأدبية قدمت الكثير للسينما مثل تجارب طه حسين ونجيب محفوظ في الأفلام التي كانت قائمة على معالجة بعض الروايات لهم، ما يؤكد ضرورة الاهتمام بهذه العلاقة بين الأدب والسينما.

وتطرق حمودة إلى ملاحظة حول صعود ثقافة الصورة بشكل عام والمنتجات الإبداعية البصرية بشكل أشمل، وضرورة ترسيخ مفهوم العدالة الثقافية على كل المستويات، إلى جانب الإشارة إلى أن الحركة النقدية مفقودة ويجب أن تتم معالجة هذا الأمر وحضور كتابات بسيطة توصيلية الطابع كانت تؤدي وظائف نقدية مهمة.

وأوضح أن الجلسة أوصت بأن علاقة الأدب بالسينما في حاجة إلى نظرة جديدة، وهناك ما يمثل حلقة مفقودة في هذه العلاقة ويمكن أن تساهم مكتبة الإسكندرية في حل تلك المشكلة، ويتصل بهذا ضرورة إعادة التفكير في استعادة تجربة مؤسسة السينما مرة أخرى.

وتابع أن الجلسة أكدت ضرورة التخلص مما جرى وصفه بالاستعلاء الذي يحيط ببعض المثقفين الكتابيين في تعاملهم مع المثقف البسيط، فضلا عن التوصية بضرورة التخلص من عزلة المثقف وإتاحة مساحة للحرية تخص السينما واختيار الأعمال الأدبية المناسبة، فيما تطرق إلى ضرورة حل مشكلات الثقافة الجماهيرية على وجه الخصوص وقضية الحرية وقضية العدالة الاجتماعية الثقافية، مع طرح فكرة استعادة المسرح المتجول لما كان يقدمه من ثمار مهمة.

واستطرد أن الجلسة ناقشت ضرورة وجود حركة نقدية مصرية تتابع الأعمال الجديدة ولا تنعزل عنها، وضرورة وجود ما يسمى بالناقد الجسر الذي يحيط ويلتف به المبدعين الشباب ولا يتجاهلهم، فيما تطرقت المناقشات إلى ضرورة تقليص ظاهرة المركزية في التكوين المصري، بالإضافة إلى ضرورة اهتمام بعض الصحف المصرية بالأبواب الثقافية وتعزيز دور الدولة بإتاحة المزيد من الحرية وتقليل التكلفة للمبدعين المستقلين لتقديم نتاج مهم، كما جرى طرح اقتراح بعقد ملتقى لصناع ومبدعي الأدب والسينما ومد الجسور التي انكسرت فيما بينهم، حيث يرى بعض المفكرين أن السينما المصرية تمر بسنوات صعبة ويجب تدارك مثل هذا الوضع.

كما تحدث الدكتور مصطفى جاد، خبير في التراث اللامادي بمكتبة الإسكندرية وعميد المعهد العالي للفنون الشعبية، عن ملخص وتوصيات الجلسة التي حملت عنوان "حماية التراث المادي وغير المادي"، مشيرا إلى ضرورة توثيق وإتاحة التراث المادي وغير المادي في المؤسسات سواء الحكومية أو غيرها بصورة ممنهجة مرقمنة بحيث يكون من السهل الوصول إلى أي معلومات تخص التراث الثقافي لكل محافظات مصر بما يفيد النصوص الدرامية، مشيرا إلى أن بعض المثقفين ليس لديهم دراية بالجهات العاملة في حفظ التراث المصري من متاحف ومعارض وغيرها.

وأضاف أن الجلسة أوصت بتيسير وصول المادة التراثية لأكبر قطاع من المثقفين وخاصة المبدعين، لافتا إلى أن إتاحة بعض القصص والمعلومات التراثية بصورة ميسرة تكون ملهمة لكثير من المبدعين، مستشهدا بمثال حكايات ألف ليلة وليلة التي أثرت في العالم وأثمرت عن إنتاج أفلام عالمية مثل علاء الدين، وأشار إلى وجود لجنة عليا للتراث الثقافي غير المادي برئاسة وزيرة الثقافة من أجل تلك المسألة.

وتحدث جاد عن مقترح بعمل جائزة كبرى تقدم من مكتبة الإسكندرية في مجال التراث الثقافي المادي وغير المادي للباحثين والممارسين على أن تكون جائزة تليق بالمكتبة وتأثيرها في المنطقة، على أن يكون ذلك بمثابة نوع من الاحتفال والتأكيد على دور العاملين في المجال سواء من الباحثين أو المبدعين، كما تطرق إلى توظيف التراث في مجالات التنمية وعقد مؤتمر قوي يسمح بتفعيل المنتج التراثي الذي قد ينتج عنه مكاسب بالملايين.

وأشار إلى أن التراث الغنائي الشعبي المصري غني جدا بصورة تتيح العمل على الاهتمام به وتصديره لوسائل الإعلام تحت إشراف متخصصين، وهي إحدى الحلول لمواجهة ما يسمى بموجة الفن الهابط، مع اقتراح عمل مختبر للموسيقى الشعبية والآلات الموسيقية الشعبية، مما سيكون له تأثيرا مباشرا على هذا المجال.

من جانبه تحدث الدكتور أحمد مجاهد عن توصيات الجلسة الرابعة بعنوان "الثقافة المصرية: الأبعاد الإقليمية والدولية"، مشيرا إلى مقترح بضرورة عودة وزارة الثقافة للمشاركة في اختيار من يتولى منصب الملحق الثقافي في السفارات المصرية بالخارج، باعتبار أنه سوف يؤدي دورا ثقافيا ما سيؤدي أيضا إلى دور أكبر في السياحة، مستشهدا بالفترة الزمنية التي تولى فيها الشاعر صلاح عبد الصبور منصب المستشار الثقافي المصري في الهند.

وأشار إلى ضرورة عدم اقتصار القوى الناعمة على الأدب والفنون فقط، لأن العاملين بالخارج يمثلون أيضا قوى ناعمة لمصر، فضلا عن التوصية بمراجعة العلاقات الثقافية المصرية الدولية خاصة مع أوروبا، لاسيما وأنها ترتكز حاليا على خمس دول تقريبا، هي إنجلترا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، ومراجعة بحث هذا الأمر مع الدول الأخرى.

وتطرق إلى مقترح بضرورة التواصل مع أبناء الجاليات المصرية في الخارج وبخاصة فيما يتعلق بتحديات اللغة التي تعد المدخل الأساسي للثقافة وبدونها سيتم فقد الاتصال الحقيقي بهؤلاء الأشخاص، فيما جرى طرح فكرة تطبيق مبادرة اتكلم عربي داخل مصر وليس خارجها فقط، خاصة مع تعدد أشكال التعليم ما قبل الجامعي.

وأشار إلى ضرورة الاهتمام بالمنظمات الشعبية الثقافية في العالم وتوضيح صورة مصر بها، لأن تلك المنظمات الشعبية تصل إليها صورة مغلوطة لا تؤخذ من مصر، ولكن قد تؤخذ من بعض من يجيدون التحدث باللغة العربية من دول أخرى، بصور تتطلب الحرص على تصحيح تلك الصورة.

وتحدث عن الاهتمام بالبعد الإفريقي إلى جانب البعد العربي والأوروبي، كما يجب عدم الاعتماد فقط على هذه الإنتاجات الجغرافية ولكن أيضا على ما يمكن أن يطلق عليه امتدادات التماثل الثقافي مثل أدب أمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى أهمية البحث عن صيغة تكاملية لمنظومات التعليم والثقافة والإعلام وغير ذلك، وتدعيم فكرة التعليم الدولي التعاوني عبر المنصات الإلكترونية، كما أشار إلى الحفاظ على المحور الإسلامي من خلال الاستفادة من طلاب إفريقيا وأسيا الذين يدرسون بالأزهر الشريف بوصفهم سفراء للثقافة المصرية.