جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: لمن الدستور اليوم؟!

أسامة شرشر
-

أصبح الدستور أبو القوانين في مصر حاليا، مباحا ومستباحا لأغراض سياسية واتجاهات حزبية، فأصبح دستور مصر العظيمة، للأسف الشديد مطية للأصوات العالية والتظاهرات غير المسئولة والعقول الموجهة والمليونيات المدمرة.وأصبحنا نبحث عن دستور نضعه لشعب آخر، غير الشعب المصري، المليء بالعقول والكفاءات المهنية والدستورية والسياسية والفقهية، فهل جاء زمان كنا نصدق فيه الأفكار ونقيم الدساتير في أغلب البلدان، واليوم نحن قاب قوسين أو أدني في أن يكون دستورنا مزادا للصوت الذي يعلو بلا موضوعية، ولا رؤية ولا منهج علمي.فمشهد الجمعة الماضي في ميدان التحرير، المسمي بجمعة فرض الشريعة، مشهد سيؤثر علي هذا البلد الذي يمتاز بالوسطية والاعتدال والتسامح والتعايش مع الآخر، فهي رسالة إلي من ينادون بالدولة المدنية أو العلمانية، وحقوق المواطنة والمساواة بين الرجل والمرأة، ولا فرق بين أغلبية وأقلية لأننا متساوون في دولة القانون في الحقوق والواجبات.فهذا المشهد جعلنا نتوقف كثيرا أمام هذه التوليفة الإسلامية المتعددة في التوجهات والاعتقادات والأهداف، فمجرد اللقاء حول تطبيق الشريعة الإسلامية كل في منظوره وتفسيره وأجندته وإيمانه، سيجعل من مصردويلات صغيرة في التفسيرات لأحكام الشريعة.ومن هنا سيتحول كل فريق إلي الإصرار علي تطبيق مفهومه وتفسيره ومن هنا يحدث الصدام الديني في التفسير والمذهب والهدف، وتضيع مصر أمام هذه العقليات التي لا تري إلا أجندتها الدينية علي حساب الوطن والشعب والأرض والدين.والظاهرة التي تدعو إلي القلق أيضا، هي اختيار لجنة الصياغة من بعض العناصر ذوي الميول الواحدة والمذهب والواحد والاتجاه الواحد، سواء كان حسين حامد الذي تم استيراده من قندهار خصيصا لوضع خارطة طريق إسلامية للإسلام السياسي، ويدعمه للأسف الشديد د.عاطف البنا ود. محسوب، وكأن قدر دستور مصر أن يسيطرعليه فكر واحد ورؤية واحدة رغم أن مصر مليئة بالكفاءات والعقليات التي تضع الدستور بشكل محايد في تفرد ومعايشة للمستقبل في أقل من شهر، وتعبر بنا من خندق الظلام إلي خندق النور والأمل فيما بعد ثورة 25 يناير إذا كانت هناك ثورة بالمفهوم الشامل.والنقطة الثالثة، التي تدعونا للتساؤل هي: لماذا هذا التسرع، والإصرار بوضع دستور مصر في فترة قصيرة جدا واستبعاد كل الكفاءات الوطنية واختيار الأشخاص ذوات الهوي الواحد.والإدعاء بأن سبب السرعة في وضع الدستور كان المجلس العسكري والإعلان الدستوري المكمل، غير صحيح، فها هو المجلس العسكري ذهب، بلا رجعة وألغي الإعلان الدستوري وأصبح د. مرسي صاحب القرار الأول والأخير، ولم تعد هناك ضغوط من أي فريق أو المجلس العسكري.فلماذا لا يؤجل الدستور المصري ويوضع دستور مؤقت لمدة سنة ويوضع دستور مصر ليكون للأجيال القادمة، ويتلافي كل الأخطاء والعورات والعيوب في الدساتير السابقة ويعبر عن كل المصريين بلا إقصاء أو استحواذ لأحد ويعبر عن هذا الشعب وهذا البلد العظيم.أعتقد أن ما يجري الآن تحت قبة اللجنة التأسيسية هو سلق لتاريخ مصر وأبنائها، وليس لدستورها فقط، فانتبهوا.. رياح التغيير سوف تهب في أي لحظة من كل فج عميق، فأفيقوا قبل أن تغرق السفينة ومعها المدعون بالوصاية علي دستور مصر، فكفانا عبثا بكرامة هذا الشعب، فالدساتير باقية لأنها تعبر دائما عن إرادة الشعوب وليس الحكام.فلمن الدستور اليوم.. للأعلي صوتا والأكثر تنظيما، أم الذين يحشدون المليونيات، أم من يلعبون بورقة الدين، أم النخب الفاسدة التي كانت سببا في الفساد السياسي والقانوني، أم إخراج الأغلبية الصامتة من الحسابات للأبد.