جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: أحمد السعدون رئيسًا لمجلس الأمة الكويتى

الكاتب الصحفي أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
-

قراءة متأنية ومحايدة فى مشهد الانتخابات البرلمانية فى دولة الكويت الشقيقة، والتي جرت منذ أيام ، ومن خلال المتابعة لأحداثها، أعتقد بشكل مهنى وحيادى أن البرلمان الكويتى أصبح من أقوى البرلمانات العربية من ناحية الأداء البرلمانى وتفعيل الأدوات الرقابية وأخطرها الاستجوابات التى قد تسببت فى حل عدد من الحكومات الكويتية.

وأصبحت الدواوين الكويتية هى المقهى السياسى لإفراز نواب يعبرون عن نبض الشعب الكويتى بمختلف الاتجاهات والتكوينات كأحزاب ومستقلين رغم وجود القبلية فى الكويت، وهى أحد العناصر الشعبية الهامة.. وما زالت هناك بقايا للإخوان والسلفيين فى المشهد البرلمانى والانتخابى فى دولة الكويت الشقيقة؛ لكنهم ليسوا القوى المؤثرة فى سير أعماله وتوجهاته.

النقطة التى لفتت نظرى كمراقب برلمانى محايد هى عدم التدخل الحكومى لا من قريب ولا من بعيد رغم أن عدد الأعضاء المحترمين فى مجلس الأمة الكويتى 50 عضوًا، حسب التركيبة السكانية لدولة الكويت، ولكن كل عضو فى البرلمان الكويتى يمثل حزبًا وتيارًا وفكرًا وكأن عددهم الحقيقى يتجاوز 500 عضو من خلال أفضل أداء برلمانى.. وقد شاهدته عن قرب داخل مجلس الأمة الكويتى.

والجديد فى نتائج الانتخابات البرلمانية الكويتية هو نجاح امرأتين بالانتخابات وليس من خلال كوتة مثلما هو الحال عندنا فى التقسيمة التى تم الموافقة عليها بمنح 25% من عدد المقاعد للمرأة، وهى أكبر من الكوتة فى الكونجرس الأمريكى، وهو أمر بكل المعايير السياسية والدستورية يمثل نوعًا من أنواع التمييز والعوار الدستورى.

فهاتان المرأتان اللتان نجحتا من خلال إرادة شعبية حقيقية وانتخابات وبلا كوتة تمثلان إفرازًا طبيعيًا لانتخابات حرة ونزيهة.

وما لفت نظرى هو عودة أحد فرسان البرلمان الكويتى بعد غياب عن الساحة السياسية لمدة 10 سنوات وهو رئيس مجلس الأمة الأسبق أحمد السعدون الذى نجح مستقلًا بإجماع شعبى حقيقى رغم أن عمره- أطال الله فيه- يبلغ 86 عامًا، وهذه ظاهرة برلمانية خطيرة يجب أن تُدرَّس فى الأكاديميات البرلمانية.

والأخطر، وهو رسالة إلى كل البرلمانات فى العالم العربى، هو نجاح اثنين من المرشحين من داخل سجنهما وهى سابقة تُعد الأولى من نوعها فى تاريخ الحياة البرلمانية فى العالم، لأنه لم يصدر حكم نهائى بحقهما فى القضية المقامة ضدهما نتيجة قيامهما بعمل انتخابات قبلية مجرّمة وفقًا للقانون الكويتى.. ورغم ذلك لعبت الإرادة الشعبية والحس السياسى للشعب دورًا كبيرًا فى تحدى الحكومة التى لم تتدخل، ونجح العضوان، مرزوق الخليفة الشمرى وحامد البذالى، من داخل محبسهما بالفوز بحصانة الشعب قبل حصانة البرلمان.

وهذه هى قمة الديمقراطية البرلمانية، وهكذا تكون المجالس التى تعتبر صوت الشعب تحت القبة، والتى تشرِّع القوانين وتراقب الحكومة، وما أحوجنا الآن إلى برلمان يمثل كل الأطياف السياسية ولا يستبعد المستقلين (ليعبر عن الإرادة الجمعية للشعب المصرى ويكون عونًا للحاكم وليس عبئًا على الدولة والنظام فى مصر!).

فلذلك كان نجاح الزميلين من داخل السجن نقطة مضيئة فى تاريخ الحياة البرلمانية الكويتية تُحسب لأمير الكويت الخلوق المحترم الأمير نواف الأحمد وولى العهد الشيخ مشعل الأحمد، وكذلك للحكومة التى احترمت الدستور والقانون ولم تتدخل فى إسقاط العضوين طالما لم يصدر ضدهما حكم قضائى نهائى وباتّ، وأصبح للزميلين النائبين بحكم الحصانة البرلمانية الحق فى ممارسة دورهما الرقابى والتشريعى تحت قبة مجلس الأمة الذى يُعتبر من أخطر البرلمانات العربية.

وأنا كنائب برلمانى مستقل ومحايد لا أنتمى لأى حزب، وإعلامى أتحرى الدقة والموضوعية، أسعد بأى تجربة برلمانية حقيقية، وشاهدت بنفسى جلسة لمدة 12 ساعة ضد وزير من آل الصباح وتم إسقاط الحكومة استجابة للإرادة البرلمانية والشعبية.. وهكذا يكون دور البرلمان الذى افتقدناه كثيرًا وطويلًا فى ظل ظروف غامضة.

ما أحوجنا اليوم إلى إعادة ترتيب البيت المصرى البرلمانى حتى يكون صوتًا للشعب وللحق والحقيقة بعدما فقد بوصلته البرلمانية! وهذا بحسب آراء الخبراء والمختصين والرأى العام المصرى، خاصة أنه فى كثير من المواقف اضطر الرئيس السيسى للتدخل لضبط البوصلة تجاه الإرادة الشعبية، وآخرها أزمة الشهر العقارى وقانون تسجيل العقارات، الذى كاد يتسبب فى ورطة شعبية وسياسية لولا إصدار الرئيس قرارًا بتأجيل مناقشة القانون ومنح فرصة مناسبة للمواطنين لتسجيل العقارات.

ولا بد أن نتذكر- لأن المواقف لا تموت والأحداث تعيش وتنقلها الأجيال بعد الأجيال- أن مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة الكويتى السابق هو صاحب الواقعة البرلمانية الخطيرة التى تحدثت عنها وسائل الإعلام فى العالم، والتى حدثت داخل أروقة البرلمان الدولى، عندما وقف الغانم أمام رئيس البرلمان الإسرائيلى ومزق الورقة وألقاها فى وجهه أثناء مناقشة العدوان الإسرائيلى على غزة، وكان موقفًا أحدث ارتياحًا حقيقيًا لدى الشعب العربى من المحيط إلى الخليج، وهذا للأسف الشديد فى وجود الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب المصرى السابق.

وأتوقع أنه خلال الساعات القادمة ومع إعلان بداية الدورة البرلمانية الجديدة، سيكون أحمد السعدون رئيسًا لمجلس الأمة الكويتى الذى أصبح أيقونة برلمانية فى سماء العالم العربى، الذى تراجع فيه الدور البرلمانى كثيرًا سواء فى المحافل الإقليمية أو المحافل العالمية (البرلمان الدولى).

فتهنئة خالصة للشعب الكويتى الشقيق الذى استطاع أن يفرز العناصر الوطنية الصالحة والمستقلة بعيدًا عن عناصر الكرتونات والأحزاب والمال السياسى الذى كان يطغى على المشهد الانتخابى فى مجلس الأمة.

وتهنئة من القلب لزملائى أعضاء مجلس الأمة الجديد.

وتحية واجبة لوجه الله، إلى أمير دولة الكويت وولى العهد والحكومة التى نأت بنفسها وأجهزتها عن التدخل من قريب أو بعيد فى المشهد الانتخابى الكويتى، واستجابت لإرادة الجماهير احترامًا للدستور وللقانون؛ لأنه فى النهاية لا يصح إلا الصحيح، والإرادة للشعب صاحب القرار وصاحب الطلقة الأولى للبرلمان.