جريدة النهار المصرية

مقالات

أسامة شرشر يكتب: جلال عوارة

-

كانت المعاناة والحقيقة هما القاسم المشترك في مواجهة التحديات والفساد والإفساد.

التقينا في خندق الوطن لنصرخ بأعلى صوتنا داخل البرلمان ولجانه وفي وسائل الإعلام: أوقفوا مذبحة الشرفاء وتحجيم المستقلين، وهذا العبث وهذه العشوائية اللذين واجهناهما معًا.

كنا نبحث معًا عن القيم والمواقف والمبادئ ونتقاسم معًا الأفكار والمضابط البرلمانية ولجان تقصى الحقائق؛ لأننا كنا وما زلنا لا نملك إلا كلمتنا ومواقفنا ومبادئنا وأخلاقنا، أمام طوفان الإغراءات، فكنا نضحك معًا، لأننا ومعنا الشرفاء، دخلنا المجلس وخرجنا وليس لنا بيزنس أو صفقات أو أراضٍ، ويشهد الله أننا لم نتربح على الإطلاق من النيابة أوالسياسة أو الإعلام أو الصحافة، وكنا أول من طالب بإلغاء الحصانة؛ لأنها لاتحمي إلا الفاسدين والمفسدين في الأرض.

وحقيقةً قمنا، ومعنا بعض الشرفاء في البرلمان، بجعل الحصانة البرلمانية أداةً لخدمة الفقراء الشرفاء من هذا الوطن، وصرخة حقيقية للمعذبين في الأرض، ليس على مستوى مصر، بل في العالم العربي، ولم نعبأ بأي تهديدات من ميليشيات الفساد والفاسدين، ولم نفكر في أنفسنا أو مصالحنا على الإطلاق.. وهذه شهادة أقسم بالله عليها أمام التاريخ والأجيال القادمة، ووصل الأمر بنا، ومعنا بعض الزملاء الشرفاء،إلى أننا نسينا أولادنا وبيوتنا وكنا نقف عاجزين أمام تساؤلات حبيبة وجهاد ابنتينا أننا لم يكن لدينا أرصدة مالية في البنوك في الداخل أو في الخارج أو فيلات أو عقارات، أو أي شىء من هذا القبيل الذى يتكالب عليه الآخرون.. ولكننا ارتضينا أمام ضمائرنا والله سبحانه وتعالى برصيد السمعة وطهارة اليد والضمير، وأن مواقفنا الوطنية المجردة هي ثروتنا وكرامتنا، فتركنا لأولادنا رصيدًا لا يضاهيه أي رصيد في الدنيا، وهو قضاء حوائج الناس لوجه الله.

وها هو يرحل ويتركني أواجه الذكريات والأيام، وكان خبر وفاته كالصاعقة والزلزال والصدمة الإنسانية.. وهذا ليس اعتراضًا على مشيئة الله، بل بالعكس يملؤنا اليقين ثم اليقين والتأكيد بأن الحياة كما قلت دائمًا دار غمّ وكرب وأكذوبة، (لم يخدموكي إلا ذئاب.. خذي مالكي واتركيني.. فأنا لا أقوى على العذاب).

فلتسترح يا جلال يا صديق العمر والأيام والليالي والمواقف، فلتسترح يا رفيق المعاناة السياسية والإنسانية والمادية والوصول إلى كبد الحقيقة وليس هناك حقيقة أخطر من الموت.. لقد تعبنا من تقلبات الزمان والمكان وانقلاب المواقف والأشخاص، وطعنات الأصدقاء قبل الأعداء، فما أصعب طعنة تأتى من القريب قبل البعيد!.. ولكن كان كل طموحنا أن نرى الفرحة والبسمة والرضا على وجوه هذا الشعب العظيم العبقري الذى لم يستطع أحد أن يفك شفراته وألغازه، لأننا كنا جزءًا من طين هذا الشعب وشفراته.. ولن يستطيع أحد أن يقترب من هذه الشفرات لأنها ستحرقه.

ونحن في النهاية أكثر يقينًا وثباتًا أمام الطعنات والخيانة والشماتة وكنا نردد ما قاله ياسر عرفات (يا جبل ما يهزك ريح)، وكان معنا في نفس الخندق ونفس المواقف والأزمات والطموحات النائب والصديق المشترك تامر عبد القادر، وكنا نلتقى لمجرد أن نحدد الخطوات المستقبلية داخل اللجان والبرلمان.. وكان هناك عهد غير مكتوب بيننا نحن الثلاثة، ليست وصية، ولكنها رسالة أقوى من الدستور، وهي ألا نفترق إلى أن يحين القضاء.. وكنا نقول معًا، نحن الثلاثة، سنكمل الطريق مستقلين في أفكارنا وأهدافنا ولن نستسلم لأي رياح سياسية أو أي أحزاب مهما كانت؛ لأننا كنا أحزابًا متنقلة، وكان هدفنا أن نرى هذا الشعب راضيًا قانعًا بلا غضب.

فأنا أرثي وأعزي نفسي أولًا في فقد أحد قناديل الحياة وشموع الأمل ويقظة الضمير، وهذا الفقدان لا تعوضه كنوز الدنيا أو المناصب الزائلة.

يا وجعي عندما سمعت الخبر، كان زلزالًا إنسانيًا صعبًا، وأنا لاأملك الآن إلا الدعوات لأخي وصديقي ورفيق دربي تحت قبة البرلمان، وصولاتنا ومواقفنا داخل لجنة الثقافة والإعلام بالبرلمان شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء.

فاسترح أيها الرفيق والصديق؛ فإن موعدنا قريب، وسأزف لك داخل البرزخ أن مصر عادت إلينا وعدنا إليها.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ونسألكم الدعاء والفاتحة على روحه

ولكل شرفاء هذا الوطن.

أسامة شرشر

صباح الأربعاء

31 -8 - 2022