شعبان خليفة يكتب : فى حضرة ” كوتسيكا” العبسى

الإبداع الحقيقى حلم يقدمه المبدع الحقيقى ، ولا يخلو من رموز يقدمها المبدع بوعى أو بلا وعى ، ووظيفة الناقد فكها ،وكشف دلالتها وطلاسمها - إن وجدت - على غرارالبقرات السِّمان تعنى سنوات رخاء و السنوات العجاف تعنى سنوات جفاف ، و قد حضرت اليوم مناقشة رواية " كوتسيكا " للروائية الطبيبة غادة العبسى و التى تمثل أعمالها الروائية تجربة إبداعية جديدة ومتجددة ، و هى التجربة التى أثمرت - حتى الآن - رغم مشاعل مهنتها الطب، وهويتها الفنية «الغناء» فضلًا عن الأسرة، ثمانية أعمال أدبية 5 روايات و3 مجموعات قصصية.. بدأت بـ «حشيشة الملاك 2013م ثم بأولاد الحور 2014» ثم مجموعة «بيت اللوز 2018م» أما الروايات فهى «الفيشاوى 2014، الإسكافى الأخضر 2017م، ليلة يلدا 2018م، وصولًا إلى سدرة و كوتسيكا على التوالى وكلتاهما 2021م».
ومن رواية لرواية تلقى غادة العبسى حجراً فى ماءٍ ما بين الحركة والركود ، ومع هذا فأن حجرها يزيده حركه ، و يطرح علامات استفهام حول غياب السينما عن هذا الإنتاج و غيبوبة النقد عن رصد هذه الأعمال
فى " كوتسيكا" يبدو العنوان كما لو كان يستكشف لنا تاريخ المنطقة التى تقع بين طرة والمعادى وسر أسمها الذى يقودنا لتاريخ يعود للقرن الثامن عشر لكن الرموز ، ودلالاتها فى الرواية تحمل رسالة أعمق من هذا بكثير فعادة المبدع عندما يستدعى تاريخ وشخوص هو يرسل رسالة بوعى أولا وعى هذه الرسالة يستشعرها القارىء العادى و يكشف عنها الناقد
فعلاقة الخواجات بمصر واستثماراتهم " نوعيتها وطبيعتها " رمز له دلالته .. كيف يخطط الخواجات للفتن و متى ولماذا وما أدواتهم ؟
كلها رموز مهمة لفهم الحاضر و استشراف المستقبل ..العلاقات الإجتماعية وتعقدها وتشابكها وتدخل خيال المبدع فيها أمر مهم يقودنا للقيمة الحقيقة للإبداع التى تتجاوز التسلية والإمتاع
بغض النظر عن الطريقة أو اللحظة التى جعلت غادة تضع يدها على هذا الخيط الذى قادها للبحث عن كنز خفى لا يهتم به ربما حتى المؤرخين من المشتغلين بالتأريخ فأنها وقعت على كنز ثرى من المعلومات و الحكايات التى ساهمت فى نسجها رواية حافلة بالصراع بين المصرى و الخواجات .. بين الإنسان و لحظات ضعفه
كان النقاش ثرياً بحضور معقول فى زمن كورونا بمكتبة ولاد البلد بشارع محمد محمود و قد قدم الناقد الكبير سيد محمود الصحفى بالأهرام قراءة ، ومقاربة جيدة للرواية ، وعناصرها سواء "الشخصيات.. الأماكن.. الأزمنة.. الحبكة"
اللقاء الذى انتهى من دقائق معدودة لن يكون الأخير حول هذه الرواية التى حظيت باحتفاء عربى ومقالات ادلى فيها كلٍ بدلوه من زواية من زواياها ستحظى بنقاشات أخرى فخلفها مبدعة واسعة الثقافة حفرت أسمها فى صخر الإبداع الروائى ليبقى و لزمن طويل بين قامات هذا المجال و بين رموزه الشامخة .