جريدة النهار المصرية

مقالات

الدكتور نادر نورالدين يكتب: الغلاء واستهداف أصحاب السيارات

الأستاذ الدكتور نادر نور الدين
-

هناك العديد من الأساسيات التى يتمتع بها المواطن فى جميع دول العالم بأن تكون فى متناول قدراته وتدخل ضمن قائمة الخدمات الأساسية التى تقدمها الدول لمواطنيها ولا تستهدف الربح. هذه الأساسيات تشمل بطاقة الرقم القومى الموحد وجواز السفر ورخصة القيادة التى يرتزق منها الكثير فى التاكسى والأجرة والدليفرى والباص والسياحة والموتوسيكلات، ومعها أيضا رخصة قيادة السيارات، حيث أكثر من 75% من الموجود منها فى مصر قديم متهالك ومر على إنتاجها أكثر من 15 سنة بما يعنى تكاليف صيانتها مرهقة طوال العام من أجل الحفاظ على وسيلة مواصلات شبه آدمية تخدم أسرة بكاملها وتتمتع ببعض الخصوصية. لكن للأسف ارتفعت رسوم استخراج هذه الخدمات الرئيسية بشكل كبير ومبالغ فيه، حيث ارتفعت رسوم استخراج الرقم القومى الموحد من 15 إلى 175 جنيهًا، وهى من الأمور التى لا ينبغى فيها التفرقة بين مواطن وآخر فى رسوم تقديم الخدمة ولا مدتها، وبالمثل ارتفعت رسوم استخراج جواز السفر من 75 جنيها إلى 650 جنيها بعد إضافة رسم تأمين صحى خارج نطاق شركات التأمين المختصة فقط بذلك، وهى أمثلة لأقل حقوق للمواطن فى رقم قومى موحد وجواز سفر.

وإذا نظرنا إلى السيارات وخدماتها ستجد استهدافا كبيرا لأصحاب السيارات جعلت من الأفضل التخلص من السيارة والتنقل بالتاكسيات وباقى وسائل المواصلات. فقد ضاعفت الحكومة رسوم انتظار السيارة فى جراجات الحكومة إلى 10 جنيهات فى الساعة بدلًا من خمسة جنيهات فقط دون سبب، وبالمثل ضاعفت رسوم المرور من جميع الطرق لأن الدولة افترضت أن أصحاب السيارات كلهم من المقتدرين والذين ينبغى التربح منهم، مع أنها لو ألغت الاستثناءات من دفع الرسوم لبعض الفئات لاستغنت عن هذه الزيادات. وقامت الدولة أيضا برفع رسوم استخراج رخصة القيادة المهمة للفقراء قبل الأغنياء من سائقى التاكسى والدليفرى والأجرة من 100 جنيه إلى 1700 جنيه، أى 170 ضعفًا وهى زيادة كبيرة للغاية وليس لها ما يبررها، فبعد أن كان طالب الرخصة يقدم شهادتين طبيتين للنظر والباطنة مستخرجتين من أى مستوصف خيرى أو عيادة بسيطة بتكاليف لا تزيد على 20 جنيها، وكشفًا حقيقيًا يتم على النظر والبطن، فإذا بالمالية تقدرها برسوم 1200 جنيه وكأنها ستقوم بإجراء أشعات مقطعية على المخ وعلى القلب أو أنها رسوم كشف للترشح إلى الانتخابات البرلمانية رغم عدم وجود مستشفيات أو وحدات طبية داخل أقسام المرور، لكنها جميعا شهادات صورية تمنح للجميع دون كشف حتى لو كان كفيفًا أو قعيدًا. هذه الزيادة الغشيمة المبالغ فيها لا تتناسب على الإطلاق مع متوسطات دخول المواطنين ونسب الفقراء والطبقات المتوسطة الحاملة والطالبة لرخص القيادة للاسترزاق.

ثم يأتى بعد ذلك رخصة السيارات والتى تضاعفت لأكثر من خمس مرات بقرار فوقى غير مقدر لظروف غالبية الشعب، فالسيارة التى كنا ننهى إجراءات ترخيصها لثلاث سنوات برسوم أقل من ألف جنيه ارتفعت إلى أكثر من ستة آلاف جنيه وكأننا أصبحنا نحتاج إلى ثروة لتجديد رخصة السيارة رغم أن مالك السيارة قد دفع نحو ضعف ثمنها جمارك للدولة عند شرائها، ولكن هذا لم يشفع له، فأصبح يشترى السيارة بأكثر من ضعف سعرها فى الخارج ثم يدفع رسومًا للتراخيص مبالغًا فيها وليس لها مثيل فى العالم.

ثم وجدت الحكومة والمحليات وسيلة جديدة لاستهداف السيارات وملاكها بفرض رسوم انتظار للسيارات تحت المنازل، كأن المواطن ليس له أى حقوق ولم تشفع له كل الرسوم التى يدفعها فى تراخيص القيادة والسيارة والجراجات العامة والصيانة وغيرها وأصبح عليه أن يسدد 3600 جنيه سنويًّا مقابل ترك سيارته فى العراء أو كأنه يمكنه حمل السيارة معه إلى شقته وهو يتقاعس عن ذلك، ولنا أن نتخيل إذا وضعت هذه الرسوم على تراخيص السيارة لمدة ثلاث سنوات فإن على المواطن أن يسدد نحو 11 ألف جنيه على رسوم تجديد رخصة السيارة مقابل الانتظار فى الشوارع العامة، وبذلك تصل رسوم تجديد السيارة كل ثلاث سنوات إلى نحو 20 ألف جنيه، ومن الأوفر لأصحاب السيارات التخلص منها بالبيع فورًا والتنقل بالتاكسيات والميكروباص وغيرها مقابل هذا الاستهداف غير المبرر، وكأنه لا يكفى وضع 60 لترًا من البنزين أسبوعيا وهو ما يكلف مالك السيارة 500 جنيه بعد أن كان يكلفه 60 جنيها فقط فى الماضى القريب.

إذا كان المواطن المتوسط يقدر حاجة الدولة إلى الإصلاح الاقتصادى فعلى الدولة أيضا ألا تستهدف المواطنين وأن تفرق ما بين الخدمات غير المستهدفة للربح وبين غيرها التى يمكن أن تربح منها، ويكفى المواطنين تحملهم الارتفاعات الكبيرة فى أسعار الغاز الطبيعى والكهرباء بنسب وصلت إلى 20 ضعفا.

الطبقة المتوسطة تعانى حاليًّا بشدة؛ فهى تدفع ضرائب ولا تستفيد منها، فلا هى تعلم أولادها فى مدارس الحكومة ولا تعالجهم فى مستشفيات الحكومة ولا تستخدم وسائل المواصلات العامة ومع ذلك نجد أنها أصبحت مستهدفة وبشدة فى وقت ينبغى فيه التهدئة وتيسير الأمور على المواطنين.

أ.د نادر نور الدين

كلية الزراعة جامعة القاهرة