النهار
جريدة النهار المصرية

«فورت ديتريك» أم «ووهان».. قضية منشأ كورونا تشعل الحرب مجددًا بين الصين والولايات المتحدة

-

تحولت قضية تتبع منشأ فيروس كورونا، إلى منصة جديدة للتراشق والاتهامات بين الولايات المتحدة والصين خلال الأسابيع الماضية، وهي القضية التي يعتبرها المتابعون معقدة للغاية نظرًا لتداخلها مع رهانات جيوسياسية بين بكين وواشنطن لا سيما وأن كليهما ألقى باللوم على الآخر منذ بداية تفشي الوباء حتى الآن.

التدخلات السياسية في قضية تتبع منشأ كورونا، شكت منها منظمة الصحة العالمية منذ بداية ظهور الفيروس وإدارتها للأزمة وكيفية مكافحته وتشجيع الدول على إنتاج اللقاحات المضادة ومساعدة الدول الفقيرة على تطعيم مواطنيها، وكانت التوترات السياسية بين الصين وأمريكا بطل المشهد، كامتداد للحرب التجارية التي نشبت بينهما في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي أكد في ربيع عام 2020 أن الفيروس تسرب من مختبر بمدينة ووهان الصينية، وردت بكين بهجوم مضاد قائلة إنه تسرب من مختبر أمريكي.

وفي يناير 2021 ، قبل رحيل ترامب، لم تستبعد أفريل هاينز مديرة الاستخبارات الأمريكية، فرضية ضلوع "مختبر ووهان" في الأزمة دون ذكر أي دليل على ذلك أو متى وكيف وأين انتقل الفيروس، قبل أن يمهل الرئيس جو بايدن في يونيو الماضي الجهاز 3 أشهر للتوصل إلى نتائج، رغم أن عديد من الخبراء يرون أن لا شيء يشير إلى أننا سنجد الإجابة، فضلًا عن ذلك، قالت منظمة الصحة العالمية إن "كيفية دخول فيروس جديد إلى المجتمع البشري هو أحد أكبر الألغاز التي يمكن أن يأمل أي عالم أوبئة في حلها".

نبرة الاتهامات لم تتعال مع انتهاء فريق منظمة الصحة من التحقيق الميداني في ووهان، وخروجه "خاوي الوفاض" من أي نتيجة، لكنها تزايدت عندما اقترحت المنظمة مواصلة التحقيق في مختبرات صينية، وأولها "معهد ووهان لعلم الفيروسات" الذي افترضت واشنطن تورطه في الأزمة من قبل، مؤكدة أنه يدرس فيروسات كورونا في الخفافيش منذ أكثر من عقد، وأنه يقع على بعد كيلومترات قليلة من سوق ووهان للحوم، حيث ظهرت أولى الإصابات بالمرض في المدينة، رغم أن تقرير فريق المنظمة خلص إلى أن نظرية التسرب من المختبر "مستبعدة إلى حد بعيد".

واستنكرت الصين ذلك التوجه، واصفة إياه بأنه ينم عن "عدم احترام" و"غطرسة إزاء العلم"، فيما دعا وزير الخارجية الصيني وانج يي، لاتباع الأساليب العلمية في تتبع منشأ كورونا والابتعاد عما وصفه بـ "التلاعب السياسي" في هذا الأمر، الذي يحتاج إلى "التعاون بدلا من الوصم"، و"الحقيقة بدلا من الأكاذيب" وإلى "احترام العلم بدلا من التلاعب السياسي". وردت جين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض قائلة إن واشنطن تشعر بخيبة أمل من رفض الصين المشاركة في المرحلة الثانية من تحقيق منظمة الصحة العالمية.

شبكة تليفزيون الصين الدولية (CGTN)، أجرت استطلاعًا للرأي عبر الإنترنت، قالت إنه عكس استياء الرأي العام العالمي من تسييس الولايات المتحدة لمسألة تتبع منشأ كورونا، حسبما قال تشاو لي جيان المتحدث باسم الخارجية الصينية، الذي أضاف أن تسييس القضية هو إستراتيجية الولايات المتحدة لاحتواء تنمية الصين وتشويه سمعة البلدان الأخرى وقمعها لأغراض سياسية، الأمر الذي يقوض بشكل خطير روح العلم والاستجابة العالمية للوباء.

وفي الاستطلاع وقع ما يزيد على 10 ملايين مستخدم إنترنت صيني على رسالة مفتوحة إلى منظمة الصحة العالمية، يطالبون فيها بالتحقيق في مختبرات فورت ديتريك بالولايات المتحدة في المرحلة التالية من تتبع منشأ كورونا، وأكدت الشبكة الصينية أن تحقيقات فريق منظمة الصحة توصل لاستنتاج مفاده أن مصدر الفيروس ليس "معهد ووهان لعلم الفيروسات"، ورغم ذلك "لا تزال واشنطن تشوه الحقائق"، مضيفة أن المستخدمين قالوا إنه إذا كان الفيروس قد أتى بالفعل من مختبر، فإن مختبر فورت ديتريك بالولايات المتحدة هو المكان الذي يحتاج إلى تحقيق شامل لأن المختبر لا يحتوي فقط على عدد كبير من البكتيريا شديدة الخطورة مثل فيروسي سارس وإيبولا، بل يجري أيضا تجارب فيروسية خطيرة.

وفقًا للمراسل السابق لصحيفة "نيويورك تايمز" ببكين ستيفن كينزر الباحث البارز في معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة جامعة براون، فإن فورت ديتريك هو مجمع ضخم كان مركز علم الأحياء والبحوث العسكرية الأمريكية لعقود من الزمان، مؤكدًا أن العديد من الأشياء التي تحدث هناك سرية، وأن الناس دأبوا على تنظيم احتجاجات أمام أبوابه ضد مشاريع لا يعرفونها لفترة طويلة، مضيفًا أنه لدى مختبر فورت ديتريك البيولوجي في الولايات المتحدة "تاريخ مظلم"، أطراف تنتمي لدول المحور بالحرب العالمية الثانية، ولا يزال مركز أبحاث الحرب البيولوجية الأمريكية.

ويضيف أن باحثي فورت ديتريك اعتقدوا مع نهاية الحرب العالمية الثانية، أن فيروس حمى الوادي المتصدع كان مناسبا لصنع أسلحة كيميائية حيوية. وقيم الرئيس الأمريكي آنذاك دوايت أيزنهاور هذه الفكرة بأنها "فكرة ذكية للغاية" وقدم لها الدعم المالي. في مختبرات مثل معهد البحوث العلمية الثالث التابع للقوات البحرية، ثم نشر الجيش الأمريكي أكثر من 200 مختبر حول العالم.

فيما شدد المتحدث باسم الخارجية الصينية تشاو لي جيان، على أن "التحقيق في فورت ديتريك هو صوت شعوب جميع الدول، بما في ذلك الشعب الصيني، وهو سؤال يجب على الولايات المتحدة الإجابة عليه في تتبع منشأ الفيروس"، مضيفًا أنه "في يوليو 2019، أرسلت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها خطاب إنهاء إلى قاعدة فورت ديتريك، طالبت فيه بإنهاء معظم العمليات. وفي الشهر نفسه، بدأت أمراض الجهاز التنفسي غير المبررة بالظهور في شمال ولاية فيرجينيا الأمريكية، واندلع الالتهاب الرئوي الغامض في السجائر الإلكترونية في ولاية ويسكونسن".

وأكد أنه "في نهاية الشهر نفسه، أصيب رواد دار رعاية مسنين بالقرب من فورت ديتريك بمرض تنفسي تسبب في التهاب رئوي لسبب غير معروف، وفي سبتمبر ذكرت ولاية ماريلاند حيث يقع المختبر أن عدد المرضى الذين يعانون من "مرض السجائر الإلكترونية" قد تضاعف، ومع ذلك، ما زالت الولايات المتحدة ترفض الإعلان عن إغلاقه لأسباب تتعلق بالأمن القومي".

وأشار إلى أن خطة منظمة الصحة للجزء الثاني من التحقيقات حول منشأ كورونا، كانت من جانب واحد دون موافقة جميع الدول الأعضاء، مضيفًا أن المنظمة تقودها الدول الأعضاء، لذلك فإن "مسودة الخطة سيتم مناقشتها مع الحق في إجراء تعديلات بعد مشاورات كاملة والتوصل إلى توافق ولا يحق لها اتخاذ القرار بمفردها".

وأوضح أنه منذ تفشي المرض، أولت الصين أهمية كبرى للدراسات المتعلقة بمنشأ الفيروس، وشاركت بفاعلية في التعاون العالمي في هذا المجال بموقف منفتح ومستند إلى العلم، ودعت خبراء منظمة الصحة العالمية إلى الصين مرتين للمشاركة في البحث بشأن تتبع المنشأ، وقال: "بذلنا جهودا هائلة وحققنا نتائج هامة وتوصلنا إلى استنتاجات موثوقة"، مضيفًا أن "60 دولة خاطبت المدير العام لمنظمة الصحة العالمية للتعبير عن ترحيبها بتقرير الدراسة المشتركة بين منظمة الصحة العالمية والصين ورفض تسييس دراسات تتبع المنشأ.. هذا هو النداء المشروع وصوت العدالة من المجتمع الدولي".

وبينما كان كبير المستشارين الطبيين للرئيس بايدن أنتوني فاوتشي، يرى العام الماضي أن الفيروس انتشر من الحيوانات إلى البشر، عاد ليؤكد احتمال ضلوع مختبر ووهان في الأمر، مؤكدًا أنه "يؤيد تماما إجراء تحقيق كامل فيما إذا كان ذلك قد حدث"، وأنه "غير مقتنع" بأنه نشأ بشكل طبيعي. وهو ما وصفه متحدث الخارجية الصينية، بأنه ممارسة "إرهاب تعقب المنشأ"، وأنه منذ أن صاغت إدارة ترامب مصطلح "الفيروس الصيني"، لم تتوقف عن محاولة وصم الصين، في محاولة لربط أصل الفيروس بالصين وحتى الدول الآسيوية في مجموعها، ما تسبب في تصاعد المشاعر المعادية لأصحاب الأصول الآسيوية في الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى، حيث يعاني الكثيرون منهم من التمييز والقمع وحتى التهديد الجسدي على حد قوله، مضيفًا أن تتبع الفيروسات السياسية لا يقل أهمية عن تعقب كورونا، لأنها تستغل الوباء في إلقاء اللوم على الآخرين، والانخراط بشكل صارخ في أعمال التمييز والإكراه.

وبعيدًا عن التراشق بين بكين وواشنطن، استقر رأي مجموعة من خبراء الفيروسات على أن جائحة كورونا نشأت بشكل شبه مؤكد من حيوان، ربما في سوق لبيع الحيوانات البرية في الصين، وليس من تسرب معمل، وفقًا لتقرير نشرته شبكة " CNN" الأمريكية، والذي أكد أن المجموعة التي ضمت 20 من كبار الخبراء من أمريكا وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وأماكن أخرى أن النظريات المتعلقة بالتسرب في المختبر تستند جميعها تقريبًا إلى الصدفة وليس على أدلة دامغة.

واستند هؤلاء على تحقيقاتهم الخاصة لمعرفة الأصل المحتمل لفيروس كورونا، قائلين: "نحن ندعي أن هناك مجموعة كبيرة من الأدلة العلمية التي تدعم أصل حيواني المنشأ لـSARS-CoV-2"، مضيفين أنه "لا يوجد دليل حاليًا على أنه له أصل مخبري. ولا يوجد دليل على أن أي من الحالات المبكرة لها أي صلة بمعهد ووهان لأبحاث الفيروسات، على عكس الروابط الوبائية الواضحة بأسواق الحيوانات في ووهان. ولا يوجد دليل على أن معهد ووهان لأبحاث الفيروسات قد امتلك أو عمل على أحد أسلاف SARS-CoV-2 قبل الوباء".

وأشار الخبراء إلى أنه ليس من المستغرب أن يظهر فيروس جديد في ووهان، وكتبوا: "ووهان هي أكبر مدينة في وسط الصين، تعج بأسواق حيوانات متعددة، وهي مركز رئيسي للسفر والتجارة، وترتبط جيدًا بمناطق أخرى داخل الصين وعلى الصعيد الدولي".