محمد حبيب يكتب: انتخابات الرئاسة

-
أظن أن هناك توجها عاما لدي الجماعة الوطنية علي ضرورة إجراء انتخابات الرئاسة قبل صياغة الدستور والاستفتاء عليه، وذلك بخلاف ما ارتآه وقرره المجلس العسكري..صحيح كنا نتمني أن نبدأ بعد تنحية مبارك مباشرة باختيار جمعية تأسيسية لكتابة دستور دائم للبلاد كما فعل إخواننا في تونس الشقيقة صاحبة الثورة الملهمة والموحية لكل الثورات في المنطقة العربية..لكن قدر الله وما شاء فعل..أما وقد وصلنا إلي هذا الحال السيء والمتردي الذي وضعنا فيه المجلس العسكري، فإن الأمر يستلزم توافر جميع الجهود والدفع نحو تسليم السلطة إلي سلطة مدنية في موعد أقصاه 30 يونيو القادم كما أعلن المجلس العسكري عن ذلك مضطرا عقب مذبحة محمد محمود وكما قرر أنه ملتزم به مهما كانت الظروف..إن الفترة المتبقية يستحيل معها كتابة دستور وإجراء حوار مجتمعي عام ثم استفتاء عليه..هذا يتطلب وقتا وجهدا، حيث من الضروري والمهم أن يعرف الشعب ماهية وطبيعة الدستور الذي يستفتي عليه، اللهم إلا إذا كنا نريد أن يتم سلق الدستور، فيخرج إلي الدنيا كوليد مشوه.من المهم أن يتحرك المرشحون للرئاسة في هذه الفترة القصيرة في كل اتجاه وعلي كل المستويات وفي كل المجالات والميادين، وأن يديروا حوارات مع الناس في النجوع والكفور والقري والأحياء والمناطق والمدن الصغيرة والكبيرة، وألا يكتفوا بالمناظرات التي تجري عبر القنوات الفضائية..الناس يحبون أن يلتقوا بالمرشح للرئاسة وجها لوجه وأن يتحدثوا معه وأن يحملوا إليه همومهم وأحزانهم، وأن يشعروا بأنه يستمع إليهم ويتجاوب معهم، علي الأقل من الناحية العاطفية والوجدانية..الناس يريدون من المرشح للرئاسة أن يكون قريبا إليهم، جزءا منهم، وأنه غير متعال عليهم..في الوقت ذاته يريدون أن يروا فيه رجل الدولة القوي، الشجاع، القادر علي الإمساك بزمام الأمور، الأمين علي حياتهم وأمنهم واستقرارهم، الذي يكفل لهم أمور معاشهم من مسكن ومأكل وملبس وتعليم وصحة، الذي يحقق العدل بين الناس، لا فرق عنده بين غني وفقير أوبين وزير وخفير.الناس يريدون حاكما يشعرون معه بآدميتهم وإنسانيتهم..فقد مضت عليهم عقود طويلة ذاقوا خلالها من القهر والقمع والبطش والتنكيل أشكالا وألوانا مما تقشعر منه الجلود والأبدان، وآن لهم أن يستردوا حريتهم وعزتهم وكرامتهم..هم لا يريدون أن يستبدلوا استبدادا باستبداد، وفسادا بفساد..الناس يريدون حاكما لهم لا عليهم..حاكما يحرص علي المال العام، يعمل لخدمة الوطن والشعب، لا لخدمة عائلته وأفراد أسرته..حاكما يحنو علي الناس، لا أن يقسو عليهم، أو يكون فظا غليظ القلب لا يرحم..حاكما لا يتتبع عورات الناس، ولا يتحسس معايبهم.أعتقد أن الناس يرغبون في أن يكون الرئيس القادم رئيسا لهم، وليس رئيسا للحزب أو للجماعة التي رشحته وأيدته وساندته ودعمته، ماديا وأدبيا ومعنويا..أعلم أن أي رئيس سوف يكون متعاطفا بشكل ما أو آخر لحزبه أو لجماعته، ولو من باب الوفاء لها..هذا أمر طبيعي وبدهي، لكن ما نطلبه هو أن يكون الرئيس علي مسافة واحدة من كل المصريين، فهذا من تمام العدل..ما نطلبه هو ألا يكون هناك تغليب لأهل الثقة علي أهل الكفاءة، وأن يضع الرئيس في تصوره أن مصر هي وطن لكل المصريين، وأن لكل مواطن حقه في أن يتولي ما يناسبه من منصب أو موقع، طالما لا يوجد مانع جوهري يحول دونه.ولأننا في أمس الحاجة لبناء دولة القانون والمؤسسات، فإننا نريد أن يكون الرئيس القادم محترما للقانون، ملتزما بالفصل والتوازن بين السلطات، وأن يكون قادرا علي تحقيق الاستقرار المنشود للوطن، وبالتالي تقدمه ورقيه وازدهاره..وأظن أن الشعب الذي سوف يذهب إلي صناديق الاقتراع، سوف يختار هذه النوعية من الرؤساء..أتصور أيضا أن هذا الرئيس لابد أن تكون لديه رؤية واضحة ومحددة علي المستوي الاستراتيجي فيما يتعلق بمجموعة من القضايا المهمة، يأتي علي رأسها: الأمن والأمن القومي، الاقتصاد والتنمية، التعليم والبحث العلمي وتوطين التكنولوجيا، الصحة، والسياسة الخارجية.