النهار
جريدة النهار المصرية

مقالات

محمد حبب يكتب: الرقابة الدولية .. والسيادة

الدكتور محمد حبيب
-
جاءت المادة 28 من الإعلان الدستوري لتلقي بظلالها السلبية علي المشهد السياسي كله..وأعتقد أن ما نعاني منه الآن من تخبط وارتباك وإرباك فيما يتعلق بمرشحي الرئاسة هو أحد أهم تجليات هذه الظلال..فاليوم عدد المرشحين إثنا عشر، وغدا ثلاثة عشر..إذ بعد استبعاد الفريق أحمد شفيق،أحد المرشحين للرئاسة، عقب تصديق المجلس العسكري علي قانون مباشرة الحقوق السياسية ونشره في الجريدة الرسمية، إذ باللجنة العليا لانتخابات الرئاسة تعيده إلي قائمة المرشحين مرة أخري، تحصينا (!) للعملية الإنتخابية من الطعون، علي مظنة أن القانون ربما يكون غير دستوري، وأرسلت للمحكمة الدستورية العليا لاستطلاع رأيها ـ رغم أنه لا حق للجنة في ذلك ـ ونسيت اللجنة أن المحكمة الدستورية ربما تحكم بدستورية القانون المذكور، وقد ينجح ومن ثم نكون قد وقعنا أو أوقعنا في مشكلة كبيرة.إن قرارات اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة نافذة ولا يمكن الطعن عليها، رغم أنها لجنة إدارية، وما تصدره من قرارات هي بالتالي إدارية..لكن المادة المصونة جري الاستفتاء عليها ضمن التعديلات الدستورية في 19 مارس 2011 ومن ثم اكتسبت مشروعيتها من الشعب، بخلاف باقي مواد الإعلان الدستوري الذي لم يتم الاستفتاء عليه..صحيح أن مجلس الشعب أدخل علي قانون انتخابات الرئاسة تعديلا يقضي بأن يكون فرز صناديق الاقتراع في اللجان الفرعية في حضور مندوبين عن المرشحين وإعلان نتيجة فرز كل لجنة، لكن يجب ألا ننسي أننا أمام حوالي 54 ألف لجنة علي مستوي الجمهورية، وهو ما يلقي بعبء كبير علي هؤلاء المندوبين، خاصة أثناء عملية الفرز..وما بين اللجان الفرعية واللجان العامة في المحافظات ثم اللجنة العليا في القاهرة، يمكن أن يحدث مالا يحمد عقباه.إزاء ذلك، أعتقد أن معظم الحركات والقوي السياسية والوطنية، وقطاعات واسعة من الشعب المصري أصبحت راغبة وبإلحاح في أن تكون هناك مراقبة دولية للانتخابات الرئاسية، علي اعتبار أن هذه المراقبة ضرورية لمصداقية ونزاهة الانتخابات ومنعا أو تقليصا لوقوع أية خروقات أو انتهاكات..وأعتقد أيضا أن هذه الرغبة تقلل إلي حد بعيد من مصداقية الزعم بأن الرأي العام المصري رافض للمراقبة الدولية، ويجعل من العسير إقناع المجتمع الدولي بأن المراقبين الدوليين غير مرغوبين وغير مرحب بهم في مصر، وتعرف المراقبة الدولية للانتخابات علي أنها الجمع المنظم والشامل والدقيق للمعلومات المتعلقة بالقوانين، والأسلوب والمباديء التي تتعلق بإدارة العملية الانتخابية، والعوامل التي ترتبط ببيئة الانتخابات بصفة عامة، والتحليل المتخصص وغير المنحاز لتلك المعلومات، ووضع الخلاصة حول طبيعة العملية الانتخابية، اعتمادا علي معايير دقة المعلومات وعدم انحيازية التحليلات..وتقوم بالمراقبة الدولية للانتخابات منظمات دولية غير حكومية أو جمعيات مجتمع مدني دولية، ويمكن إيجاز الأهداف الرئيسية لمراقبة الانتخابات التي حددتها مختلف المنظمات الدولية المعنية بهذه العملية في الأمور الآتية: 1) العمل علي تقوية احترام الحقوق الأساسية الإنسانية والسياسية لمواطني الدول، خاصة تلك التي تبدأ خطواتها الأولي نحو الديمقراطية . 2) إدارة تقويم شامل للعملية الانتخابية طبقا للمعايير الدولية. 3) تعزيز الثقة الشعبية في العملية الانتخابية وكيف أنها تمثل أحد أهم مرتكزات الديمقراطية. 4) الخروج بتقويم شامل للعملية الانتخابية برمتها، وإصدارتوصيات مفيدة وبناءة.وتختلف عملية الإشراف علي الانتخابات عن المراقبة في أن هناك جهات خارجية، حكومية أو غير حكومية، تشارك في تسيير العملية الانتخابية، أو في أي مرحلة من مراحلها، وتمتلك قدرة علي التأثير في سيرها..هذا النوع يمثل بالقطع مساسا بالسيادة الوطنية للدول. هناك حديث تردد حول السماح فقط للمنظمات الحقوقية في مصر، دون المراقبين الدوليين، بمتابعة انتخابات الرئاسة..ويقال في هذا الصدد أن وجود مراقبة دولية يخل بمبدأ سيادة الدولة، علي الرغم من أن الدول الكبري لا تمانع في استقدام مراقبين دوليين أثناء إجراء الانتخابات لديها، سواء كانت برلمانية أو رئاسية..ليس هذا فقط، وإنما كثيرا ما يشارك ممثلون مصريون في مراقبة تلك الانتخابات، ولم يقل أحد أن ذلك يخل بسيادة تلك الدول.