جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

أســامة شرشر يكتب: انتفاضة مصر

الكاتب الصحفي أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
-

لا شك فى أن مصر استعادت دورها العربى والإقليمى من خلال خطوات ورؤى ومواقف ثابتة فى القضية الفلسطينية، وأن انتفاضة الشعب الفلسطينى التى حركها المقدسيون فى الشيخ جرّاح، كانت المحرك الأساسى للموقف الفلسطينى لأن الشارع الفلسطينى أصبح عنصر المواجهة أمام العدو الصهيونى للدفاع عن المقدسات والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة دون أن يطلقوا رصاصة واحدة.

وكان لتأثير صورة المقدسيين فى المسجد الأقصى فعل السحر فى الشارع العربى وفى الشارع الأوروبى والعالمى، لأننا تعلمنا أن الصورة أكثر تعبيرًا وتأثيرًا من مليون كلمة.

فلذلك كان للتحرك المصرى بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى والأجهزة الأمنية المصرية التى تفوقت على نفسها، دور كبير فى كشف الأقنعة والعورات عن بعض الدول التى كانت تريد أن تسحب البساط من مصر والتأثير على الموقف المصرى عبر التطبيع المجانى مع العدو الصهيونى، ولكن هذا فشل فشلًا ذريعًا.

وكانت الأحداث الأخيرة خير كاشف لكل شىء بالأفعال وليس بالكلمات، فمصر التى ضحت على مدار عشرات السنوات بدماء أبنائها وبالغالى والنفيس ابتداءً من حرب 1948 وحتى اليوم هى المدافع الأول عن القضية الفلسطينية بدماء شهدائها من ضباط الجيش المصرى خير أجناد الأرض، وبأرواحهم التى لا تعوضها كنوز وأموال الدنيا.

وجاءت الانتفاضة المصرية مفاجئة للأصدقاء قبل الأعداء، من خلال التدخل السريع على كل المستويات، وخصوصًا وزارة الخارجية التى لعبت دورًا محوريًّا، والأجهزة الأمنية التى تحركت فى رام الله وغزة وتل أبيب لوقف الاجتياح البرى للقطاع حتى لا تحدث كارثة إنسانية.

وأمام الصمت الدولى المخزى ومنع مجلس الأمن الدولى بالأمم المتحدة لثلاث مرات أن يصدر إدانة للعدو الصهيونى، كان الرئيس السيسى يتواصل مع كل اللاعبين الدوليين؛ حتى وصلنا للنقطة غير المتوقعة باتصال الرئيس الأمريكى بايدن بالرئيس عبد الفتاح السيسى ليثنى على الموقف المصرى والدور الذى قامت به مصر فى وقف نزيف الأرواح ودماء الأطفال والنساء وكأنها حرب إبادة بشرية.

وأتساءل ويتساءل معى كل الأحرار فى العالم:

أين منظمات حقوق الإنسان والحيوان التى صدعتنا بهجومها المنظم على مصر؟ ولماذا لم يتم إطلاق إدانة واحدة من هذه المنظمات التى تدعى رفع راية حقوق الإنسان واحترام القوانين والأعراف الدولية بحق إسرائيل؟

فلذلك كان الموقف المصرى كاشفًا لهذه الأدوات التى تعمل لصالح الصهيونية العالمية والأمريكية.

وكان قرار مصر بدعم إعادة إعمار غزة والأراضى المحتلة بـ500 مليون دولار، من خلال الشركات المصرية، بمثابة صاروخ سياسى تعدى كل الدفاعات الدولية، وكان مفاجأة للعدو الإسرائيلى وحتى للدول العربية والإسلامية التى تدعى الدفاع عن المسجد الأقصى، وخرجت بعدها الدعوات من الأمم المتحدة بإعادة إعمار غزة التى تعرضت لحرب إبادة وجرائم حرب، حسب توصيفها فى القانون الدولى.

أعتقد أن الانتفاضة المصرية فى هذا الموقف وفى هذا التوقيت هى رسالة للعالم بأن مصر عادت بقوة للاشتباك مع كل الملفات العربية والإقليمية، كما أنها رسالة لعل الآخرين يستوعبونها أن مصر بجيشها وشعبها ورئيسها لن تسمح على الإطلاق بالتفريط فى نقطة مياه واحدة بكل الطرق الدبلوماسية أو اللوجستية المباشرة وغير المباشرة. وأعتقد أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستعيد قراءة المشهد فى الشرق الأوسط من منطلق عودة مصر إلى وضعها الطبيعى، ومن منطلق عودة القضية الفلسطينية للواجهة الإقليمية والدولية.

وأظن أن أخطر ما حدث فى الأيام الأخيرة، هو اتحاد الشارع الفلسطينى، وأتمنى أن يستمر هذا الاتحاد والاتفاق بين كل الفصائل الفلسطينية، وأن يتم استغلال هذا الظرف الاستثنائى وحالة الدعم غير المحدود والتى كشفتها التظاهرات فى كل دول العالم ودعم المشاهير من كل مكان، وحتى الفنانين فى هوليوود تضامنوا فى فضح الوجه القبيح للعدو الصهيونى.

الكرة الآن فى الملعب الفلسطينى، ليتحد الفلسطينيون ويكونوا على قلب رجل واحد فى أى مفاوضات قادمة، حتى لا يستغل العدو الصهيونى كعادته الخلافات الداخلية للتسلل وتضييع الحقوق العربية.. فهذه فرصة استثنائية وتاريخية جاءت بعد 73 عامًا ليتحد الشعب الفلسطينى بكل مكوناته وكياناته، وخاصة عرب 48، فالفرص السياسية لا تتكرر كثيرًا فى التاريخ.

فانتبهوا أيها الإخوة الفلسطينيون حتى لا تبعدنا نشوة إطلاق الصواريخ على إسرائيل سواء من حماس أو الجهاد الإسلامى أو أى فصيل آخر عن النصر الحقيقى، وهو وحدة الموقف والقرار الفلسطينى، وهذا هو الاختبار الحقيقى فى المرحلة القادمة.

إن وقف إطلاق النار بعد 11 يومًا من الحرب هو شهادة ميلاد جديدة لوضع مصر إقليميًّا وعالميًّا، واستعادة لمكانة مصر ودورها بالأفعال وليس بالشعارات والأقوال بعيدًا عن أى مزايدات، وستظل مصر هى خط الدفاع الأول عن قضايا وهموم الشعب العربى والإسلامى، وهى من يدفع فاتورة الدفاع عن الأمن القومى العربى بشهدائها من ضباط الجيش المصرى العظيم.

وأخيرًا فإن مصر لا تحتاج إلى شكر، لأن هذا هو قدَرُها وقَدْرها على مر التاريخ.

اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.