جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: النيل نجاشى!

الكاتب الصحفي أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
-

ليس من باب التشاؤم، ولكن من باب الحذر، أؤكد للمرة المليون أن مفاوضات الكونغو لا فائدة منها، حيث إن السيناريو الإثيوبى معد ومتفق عليه داخليًّا وخارجيًّا، بعدم إعطاء مصر والسودان حقهما التاريخى من مياه النيل.. فإثيوبيا تريد أن تحتكر النيل وتبيع المياه كما باعت الوهم فى المفاوضات، لأن السيكولوجية والمخزون النفسى أخطر من مخزون المياه لدى إثيوبيا.. فالخلاص من التفوق المصرى هو الهدف، وإذلال الشعبين المصرى والسوادنى هو الغاية.

قضية سد النهضة ليست قضية ملء وتشغيل فقط، إنما أخطر من ذلك بكثير، خاصة بعدما كشفت إثيوبيا عن وجهها الحقيقى أنها تريد أن تبيع المياه للمصريين، وللسودانيين بصفة خاصة، وما يحدث من مفاوضات هو مضيعة للوقت، لأنها تريد أن تحرم مصر من مياه النيل، كما منعت مصر إثيوبيا من بناء سد النهضة على مدار عشرات السنوات. القضية هى تصفية مواقف وخلافات لوجستية قديمة، وجد الإثيوبيون الفرصة لرد الصاع صاعين، وإرسال الرسائل، فى كل الاتجاهات أن «المياه مياهنا» وليس لدول المصب أن تتدخل أو تفكر أو تناقش أو تفاوض فى حق أصيل من حقوقها التاريخية.

فهى لم تعترف بإعلان المبادئ، والمعاهدات والاتفاقيات الخاصة بالأنهار، وهو ما جاء على لسان متحدث الخارجية الإثيوبى دينا مفتى، الذى تظهر عليه علامات الكراهية والحقد الدفين لمصر، ووصل الأمر إلى أنه أشاع أن مصر تهدد ولن تفعل شيئًا.

القضية فى مجملها هى محاولات إثيوبية لفرض إرادتها، والثأر التاريخى من الشعب المصرى، وإظهار الهيمنة والسيطرة على القارة الإفريقية، من خلال تمسكها بالاتحاد الإفريقى أن يكون المظلة الوحيدة فى المفاوضات، مما يعطى رسالة واضحة لا تحتاج إلى تفسير أو تحليل أنها تسيطر على القارة الإفريقية جمعاء.. فالكونغو لن تكون أقوى من جنوب إفريقيا.

فلذلك هى تماطل وتراوغ حتى تفرض سياسات الأمر الواقع، وهى متأكدة أنه لن يحدث أى تدخل عسكرى أو اتفاق للوصول إلى صيغة تفاهم مشتركة للحفاظ على حياة المصريين والسودانيين.

لقد ظهر وجه إثيوبيا الحقيقى البشع.. فهل من المعقول خلال 5 سنوات لم تصل إلى اتفاق وخلال 85 يومًا فقط ستتفق على ما لا يمكن أن تتفق عليه؟!

هى تستشعر الندية والفوقية والثأرية من مصر بصفة خاصة.

فلذلك لا بد أن تكون هناك سيناريوهات للرد على هذا الموقف الإثيوبى باستخدام كل أوراق الضغط المشروعة وغير المشروعة، لأن لغة القوة هى التى تفرض وجودها وحضورها القوى، فالأمن المائى هو الوجه الآخر للأمن القومى، وكلاهما تحدده معايير القوة، وأذكركم حتى لاننسى أن البرلمان الإثيوبي استقبل وصفق لمدة 4 دقائق لرئيس الوزراء الإسرائيلي!

فآن الأوان أن ننتبه إلى أن إثيوبيا لن تتراجع، ولن تتفق، بل هى تريد أن تماطل حتى تصل إلى غايتها، وتتحكم فى نهر النيل، كأن نهر النيل ملكية خاصة، وكأن الأمطار إثيوبية وليست ربانية، وكأن دول المصب لا حق لها فى المطالبة بالحصص المائية المشروعة، أو التدخل فى بناء سد النهضة، والمشكلة أن هذا السد سيتبعه بناء سدود أخرى، للهيمنة على المياه والنيل، الذى هو لغة الحياة والماضى والحاضر والمستقبل.

انتبهوا

آبى أحمد أباد جزءًا من شعبه فى إقليم تيجراى.. بل وصل الأمر إلى الاستعانة بإريتريا بعد خلافات وحروب دامت 20 سنة ليقوم باغتصاب شعبه، فهل من المعقول ألا يغتصب النيل والمياه ليحقق السيادة الإثيوبية على شريان الحياة؟!.. ويردد مقولة أحمد شوقى إن النيل نجاشى أو إثيوبى.

لابد أن ننتبه إلى أن لغة الحوار على الطريقة الإثيوبية ترجمتها لغة الضعف، ولكن القوة هى التى تجبر الجميع على التنازل والرضوخ والاتفاق، وأمام هذا الصمت العربى والدولى، أصبحت إثيوبيا فاعلة وليست مفعولًا به، والأيام قادمة.

فالشعوب تبقى وآبى أحمد فى مستنقع النيل والتاريخ.

وأخيرًا لا تحاولوا أن تستفزوا الشعب المصرى، وجيش مصر، لأن العائد والمردود سيكون وبالًا ودمارًا للمنطقة بأسرها.

وأحذركم ليس بالكلام ولا بالشعارات من أن أجناد مصر خير أجناد الأرض، سواء اتفقتم أم أبيتم يا آبى أحمد.

وتلك الأيام نداولها بين الناس.