جريدة النهار المصرية

ثقافة

شعبان خليفة يكتب  قراءة فى  مذكرات د. مصطفى الفقى: «الحلقة الأخيرة»

شعبان خليفة
-

 

أحمد عز وجمال مبارك من اسباب ثورة 25 يناير

مبارك كان من دعاة التطبيع مع إسرائيل ولم يكن يمانع فى زيارة تل أبيب وانتقم منى لرفضى زيارتها

توقعت أن يكون خروجى من القصر الرئاسى نهاية المطاف.. ولم يحدث هذا بل تحولت لشخصية عامة

البرلمان تجربة معقدة ولا يتم السماح باستجواب الحكومة إلا فى أضيق الحدود وبما لا يغير من وضعها

تميم وعمر البشير وقفا ضد ترشيحى لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية

 

 

فى هذه الحلقة الأخيرة من قراءتنا فى مذكرات د. مصطفى الفقة نرصد شهادة د. الفقى حول سياسات نظامى مبارك ومحمد مرسى سواء الداخلية أو الخارجية وما آلت إليه الأوضاع بسبب هذه السياسات التى قادت إلى ثورتى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، حيث يشن د. مصطفى الفقى هجوما على السنوات الخمس الأخيرة من حكم مبارك ويقول "وصل النظام إلى مرحلة العجز، وافتقد المستشارون القدرة على التحليل وقراءة المشهد بشكل جيد".. هذا إلى جانب شهادات على جنرالات ورؤساء حكومات والبرلمان الذى شارك فيه رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية فضلًا عن كشفه ما جرى بشأن غضب النظام عليه ومنعه من الظهور التليفزيونى وغير ذلك من أمور مهمة عندما رفض الذهاب لإسرائيل وعلاقاته برجال الأدب والفن والفكر.. تفاصيل مثيرة تجدونها فى السطور التالية.

نحن وإفريقيا

يكشف د. الفقى فى مذكراته بشأن السياسة الخارجية لمبارك أن علاقتنا بإفريقيا ظلت تتقدم وتتراجع حتى وصلت لأسوأ حالاتها فى عهده مقارنة بعهدى عبدالناصر والسادات مشيرًا إلى أن الرئيس السيسى عندما وصل للحكم سعى لمعالجة هذا الخلل بقوة فرفع درجة الاهتمام بالملف الإفريقى وكثف زيارته لدولها ورغم الخلاف الكبير مع أديس أبابا بشأن سد النهضة الذى يصفه بأنه مشروع كيدى يستهدف مصر بالدرجة الأولى إلا أن الرئيس السيسى زار اثيوبيا وتواصل معها بحثًا عن حل للأزمة.

التطبيع مع إسرائيل

ويفجر د. الفقى مفاجأة بشأن موقف الرئيس الراحل مبارك من التطبيع مع اسرائيل وموقفه من زيارتها حيث يصفه بأنه من دعاة التطبيع مع اسرائيل ولم يكن يمانع فى زيارتها والتعاون الاقتصادى معها وهذا ما تكشفه اتفاقية الكويز. ويروى الفقى أنه فى عام 2004 عندما كان عضوًا فى البرلمان ويرأس لجنة الشئون الخارجية ولجنة مصر والعالم فى الحزب الوطنى طلب منه الرئيس مبارك زيارة اسرائيل للمشاركة فى احتفالية بذكرى توقيع كامب ديفيد، وعندما رفض تم التنكيل منه من النظام وألغى جمال مبارك رئاسته لجنة مصر والعالم وصدر قرار بمنع ظهوره فى التلفزيون الرسمى ويقرر الفقى "أنه فى مصر إذا غضب عليك السلطان غضب عليك الجميع وإذا رضى عنك رضى عنك الجميع".

ويشيد الفقى بدور اللواء عمر سليمان فى السياسة الخارجية ويصفه بأنه كان يحظى باحترام ومهابة.

كما يشير الفقى لقضية انتحار سليمان خاطر الجندى المصرى الذى قتل عددًا من الإسرائيليين على الحدود وينفى ضلوع النظام فى تصفيته لكنه لا يستبعد دورا للموساد لا يعلمه ولا علم الدولة به طبعًا.

مع الأمريكان

أما بشان العلاقة مع الأمريكان فإن الرئيس مبارك عاصر خمسة رؤساء امريكان وكانت العلاقات مقبولة لكنها تأثرت بشدة بعد حادث "أكيلى لاورو" السفينة الامريكية التى اختطفها فلسطينيون واحتجزوها بميناء بورسعيد وقاموا بعمل لا إنسانى بإلقاء قعيد على كرسى متحرك فى الماء وبعد تحرير السفينة واستسلامهم طلبت امريكا تسلمهم لكن مصر ارسلتهم بطائرة لتونس، حيث يقيم ياسر عرفات فاعترضت امريكا الطائرة وأجبرتها على النزول فى فرنسا واحدثت الواقعة شرخًا عميقًا فى العلاقات بين البلدين، ثم ساءت أكثر بسبب حبس سعد الدين ابراهيم ووصلت لقمة تدهورها عندما زار اوباما مصر وكان الرئيس مبارك متأثرًا بوفاة حفيده ولم يقابل اوباما وأسرَّها أوباما فى نفسه وظهرت خلال موقفه ضد مبارك فى ثورة يناير ومقولته الشهيرة «فليغادر الآن، والآن تعنى الآن».

الخروج من مصر

ويروى د. الفقى قصة خروجه من القصر الرئاسى فى فصل خاص يشير فيه إلى أنه من خارج القصر الرئاسى شاهد المسرح السياسى على نحو أفضل بكل كواليسه ودهاليزه، ويوضح أن مكالمة تليفونية مع لوسى آرتين السيدة الأرمنية التى كانت لها أزمة مع زوجها وتريد أطفالها وكانت على علاقة بالمشير ابوغزالة هى ما تسببت فى خروجه من القصر فلم يكن يدرك خطورة السيدة ولا موضوعها، حيث كانت تعرف بعض اسرار القصر الرئاسى عن طريق من تتصل بهم وهو أمر خطير، ويقرر الفقى أن محنة مصر تكمن فى الصراع على السلطة وأن من يخدم الرئيس يتم تسليط الأضواء عليه ومن لا يفعل يتخلصون منه.

يقول الفقى "لقد توقعت أن يكون خروجى من القصر الرئاسى نهاية المطاف ولم يحدث هذا بل تحولت لشخصية عامة".

ملوك ورؤساء

ويروى د. الفقى فى الفصل العاشر علاقاته بملوك ورؤساء عرب مثل الملك سلمان والسفير القطان والملك حسين وحافظ الأسد وصدام حسين الذى يقول د. الفقى إن الرئيس السادات عندما شاهده وهو نائب للرئيس العراقى قال "إن هذا الولد سيخرب العالم فهو متهور ومغامر" وقد كان.

كما يشير الفقى إلى أن الرئيس مبارك حاول ترويض الرئيس القذافى دون جدوى.

ويتناول فى الفصل الحادى عشر مراكز السلطة ويتحدث عن الجنرالات الأربعة أبو غزالة الذى عندما قرر مبارك التخلص منه ابلغ الفقى أسامة الباز بخطر ذلك لشعبية ابوغزالة فكان رد الباز عليه بأنه غلبان لأن مصر ليس فيها سوى فرعون واحد.

كما يتناول اللواء عمر سليمان الذى ترأس المخابرات العامة وهو الجهاز الذى يمثل المطبخ الذى تعد فيه سياسات الدولة ويعرض للمشير طنطاوى الذى كان يفهم الرئيس مبارك وكان محل ثقته وكذلك أحمد شفيق الذى هو تلميذ لمبارك ومقرب منه ومن الجنرالات لرؤساء الوزراء وكيفية اختيارهم من عاطف صدقى لكمال الجنزورى لعاطف عبيد لأحمد نظيف وكذا يعرض لعصمت عبدالمجيد وحافظ اسماعيل مستشار الأمن القومى ثم حبيب العادلى الذى عرفه لأول مرة حين كان ضابطا شابا بأمن الدولة يسعى للسفر للخارج لعمل عملية قلب مفتوح وقد أجراها وتعافى واصبح وزيرًا للداخلية ويصفه بأنه "لا يخلو من اعتزاز بالنفس يختلط ببعض الاستعلاء أحيانًا".

ويعرض الفقى لمعرفته بالمفكرين والأدباء كالعقاد وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ والشيخ سلطان القاسمى الذى يصفه بالرجل المحب لمصر.

وعن تجربته البرلمانية عام 2005 وعلاقته بالإخوان يتحدث د. الفقى موضحًا أنها تجربة معقدة وقد تبين له أنه لا يتم السماح باستجواب الحكومة إلا فى اضيق الحدود وبما لا يؤدى لإحراجها أو إحداث تغيير بها.

استخفاق

ثم ينقلنا د. مصطفى الفقى لأحداث يناير وهو يرى أن "نظام مبارك تعامل مع أحداث يناير باستخفاف"، مضيفا أن رجل الأعمال المصرى أحمد عز ونجل الرئيس الأسبق جمال مبارك هما اللذان قادا الحزب الوطنى الحاكم فى مصر قبل سقوطه، وكانا "يفتقدان القدرة على التواصل مع الناس".

ويشير الفقى فى مذكراته إلى أنه أحبّ "مبارك الشخص"، مضيفًا "لكن لم أكن شديد الاقتناع بالرئيس، وذلك بسبب إهدار الفرص وتجريف الكفاءات وغياب الرؤية".

وفى الفصل الذى يحمل عنوان "على أعتاب الجامعة العربية"، يتحدث الفقى عن سعيه لتولى منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية عقب ثورة 25 يناير 2011 خلفًا لعمرو موسى، ووقوف كل من قطر والسودان ضد ترشيح مصر له، ودفعهما إلى سحب ذلك الترشيح، وتقديم مرشح آخر. يستهل الفقى هذا الفصل بقول للداعية الراحل محمد متولى الشعراوى "لا تخش من تدابير البشر فأقصى ما يستطيعون فعله هو تنفيذ إرادة الله"، وهو قول على بعده الدينى الواضح، يمهد لتفسير تآمرى قدمه الفقى لتبرير عدم اختياره لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية. فقطر رفضته وضغطت من أجل سحب ترشيحه، لأنه كما يقول دأب على انتقاد حكومتها، وينطبق الشىء ذاته على تفسيره لموقف حكومة عمر البشير فى السودان فى ذلك الوقت، بما أنه كان ينتقدها أيضًا فى مقالاته.

أما المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى كان يحكم مصر آنذاك، فلم يتمكن من الإصرار على ترشيح الفقى للمنصب الدبلوماسى الرفيع، لانشغاله- بحسب قول الفقى- بمواجهة تداعيات "أحداث" يناير 2011، وأبرزها تصدر جماعة الإخوان المسلمين واجهة العمل السياسى فى البلاد، وتعاظم طموحها فى حكم مصر للمرة الأولى منذ تأسيسها فى 1928.

حلم وضاع

والحقيقة التى يكشفها الفقى هنا هى أن حلم توليه منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية يرجع إلى فترة حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وهى الفترة التى شهدت سطوع نجمه عبر توليه منصب سكرتير الرئيس للمعلومات بين عامى 1985 و1992. لكن تشكك مبارك فى مدى ولاء الفقى لنظام حكمه حرمه من بلوغ المنصب الذى لطالما حلم بتوليه.

يقول الفقى فى هذا الصدد: "كانت المعارضة تحسبنى على النظام، وكان النظام يحسبنى على المعارضة"، ولذلك لم ترق لنظام مبارك أصلًا فكرة ترشيحه لتولى منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، بحسب ما أورده الفقى فى مذكراته، ويتهم الفقى الأمين العام الأسبق للجامعة العربية عمرو موسى بأنه لم يكن متحمسًا لأن يخلفه، وإن أظهر أمامه خلاف ذلك، ومن ثم ذهب المنصب إلى دبلوماسى مصرى آخر هو نبيل العربى.

ويضيف الفقى: "عمرو موسى لم يساعدنى على الإطلاق، ولا أريد أن أذكر بعض الشواهد التى تأكد منها عدم حماسه لى خليفة له".

شهادات

ينقل الفقى حديثًا عن المشير محمد حسين طنطاوى الذى كان يتولى منصب وزير الدفاع فى السنوات الأخيرة من حكم مبارك "البلد ستغرق. لن يحكم أحمد عز (الأمين العام للحزب الحاكم وقتها) مصر إلا على جثة آخر جندى مصرى". ويؤكد الفقى فى مذكراته ما أسرَّ به طنطاوى إليه، وأدرك من خلاله أن الجيش لن يقبل مطلقًا أن يرث جمال مبارك الحكم، لأنه غير مؤهل له، فضلًا عن أن النظام الجمهورى لا يعرف توريث الحكم، كما أن مصر ليست سوريا، فى إشارة إلى تولى بشار الأسد الحكم خلفًا لوالده، بعد إجراء تعديل فى دستور هذا البلد، ورث الابن بمقتضاه منصب أبيه.

سيناريو ضخم

ويعتبر الفقى "الربيع العربى"، مجرد "سيناريو ضخم، لأحداث جرى تركيبها بشكل مفتعل، وإن كان هذا لا ينتقص من الدوافع الوطنية والضغوط الاقتصادية والاجتماعية، التى حرّكت الجماهير فى اتجاه استثمرته تدخلات أجنبية وقوى داخلية، لتغيير المسار وتحريك الأمر فى اتجاه مصالحها على حساب الأهداف العليا لشعارات الثورة وآمالها". ويضيف فى السياق ذاته: "إن هذه الأحداث قصة طويلة، كما أن الرواية لم تتم فصولها، وقد نكتشف ذات يوم أن صراعات مكتومة حول السلطة فى مصر حرّكت جزءًا من الأحداث، فى تلك الفترة التالية لتنحى مبارك، بعد إدارة بطيئة لمجريات الأمور فى الـ18 يومًا الفاصلة فى ثورة الشارع المصرى".

مكتبة الإسكندرية

أما مكتبة الإسكندرية التى يتولى الفقى إدارتها منذ عام 2017، فلا تزال فى حاجة إلى تحديث مبانيها وتجهيزاتها، ومعالجة الاختلالات فى رواتب موظفيها، وإصلاح التشعب فى هيكلها الإدارى.

ويرى الفقى أنه أحد المساهمين فى تأسيس هذا الصرح، بما أنه كان بحكم منصبه فى مؤسسة الرئاسة آنذاك، فقد كان همزة الوصل بين المشروع والمتبرعين الذين قرروا المساعدة ماديًا فى تحقيقه على أرض الواقع، استجابة لـ"إعلان أسوان" فى هذا الصدد والذى تبنته سوزان مبارك، وتحمست له اليونيسكو. ويذكر الفقى فى هذا الصدد واقعة يمكن اعتبارها طريفة، إذ إن رئيس دولة الإمارات الراحل الشيخ زايد آل نهيان كان صاحب أعلى تبرع، وعندما عرف الرئيس العراقى وقتها صدام حسين بهذا الأمر قرر أن يرفع مساهمة العراق فى المشروع، بحيث تكون هى الأعلى. ويذكر الفقى فى السياق ذاته أن مدير المكتبة السابق إسماعيل سراج الدين طلب منه أن يشهد لصالحه فى المحكمة التى كانت تتهمه بإهدار أموال تلك المؤسسة. وفى ذلك يقول الفقى: "إسماعيل سراج الدين نظيف اليد، بالتأكيد، ولكن هناك اتهامات لبعض معاونيه بإهدار أموال المكتبة. كانت لى ملاحظات على فترة إدارته التى أدت إلى أخطاء لم يكن هو طرفًا فيها".

انتهت المذكرات، ولكن مسيرة الفقى ودوره لا يزالان مستمرين.