جريدة النهار المصرية

مقالات

أشرف القاضى يكتب: رؤية مبشّرة لمستقبل اقتصاد ما بعد كورونا

أشرف القاضي- رئيس مجلس إدارة المصرف المتحد
-

** فرص عظيمة تنتظر الصناعة المصرية.. وأمل يدقّ أبواب المشروعات الصغيرة والمتوسطة



أزمة كورونا العالمية أزاحت الستار عن ملامح واقع جديد فرَض عدة حقائق وسياسات عالميا على الصعيد السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والتكنولوجي.

المستقبل السياسي- أبرز انعكاسات وتغيرات كبيرة في خريطة العلاقات بين الدول، وكيفية إدارة الدول الكبرى لملف الأزمة، وأكد ضرورة التكامل والشراكة الاستراتيجية بين البلدان، وليس الاعتماد على تكتل واحد بعينه.

المستقبل الاقتصادي- رسم ملامح جديدة لضرورة تنامي الإنتاج القومي للدول بالتحديد زراعيا وصناعيا، واستثمار الموارد الطبيعية والبشرية للدول بذكاء، ليكون اقتصادها رابحا، وقادرا على إدارة أي أزمة أو قرارات سيادية بالانغلاق المفاجأ.

المستقبل الاجتماعي والثقافي- أوضح أن الثورة التكنولوجية أحدثت تغيّرا ضخما في البناء الاجتماعي والثقافي والتعليمي للشعوب، وأصبح الاعتماد الأكبر على القطاع التكنولوجي في مناحى الحياة المختلفة من: إعلام، وثقافة، وفنون، وتعليم، والبحث العلمي، وموارد بشرية، وجميع هذه المجالات تشهد رواجا كبيرا في ظل هذه الأزمة، ومن المتوقع زيادة في معدلات النمو، وتدفق الاستثمارات بها.

المستقبل التكنولوجي- وهو الحصان الأسود في مستقبل ما بعد كورونا. البنية التحتية والتكنولوجية وخدمات الأنترنت اصبحت أمنا قوميا لبلدان العالم، فضلا عن دوره الرئيسي في استمرارية الأعمال لعدد من القطاعات والمؤسسات الحيوية بالدول وقت الأزمة؛ منها: قطاع المال والأعمال والبنوك والبورصة - قطاع الخدمات المالية - قطاع الخدمات الصحية - وقطاع تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات - والقطاع السياحي خاصة مع ظهور مصطلح السياحة الافتراضية، بالإضافة إلى دوره المكتشف في التنمية البشرية كالعمل عن بُعد التوظيف، والتدريب عن بعد؛ مما أظهر الحاجة إلى مواصفات جديدة لعدد من الوظائف، وأيضا أطر قانونية لها.

المستقبل للصناعات الصغيرة والمتوسطة: أكدت أزمة انتشار وباء كورونا ضرورة تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة ببلدان العالم المختلفة، وذلك لعدة أسباب؛ أهمها اعتماد هذه الصناعات على المنتج المحلي، وتوظيف جيد للعمالة الوطنية؛ مما يسهم في القضاء علي البطالة، فضلا عن ارتفاع العائد على الاستثمارات بها، الأمر الذي جعل المؤسسات الدولية تتوجة إلى ضرورة دعم هذا المجال الواعد. فمثلا المفوضية الأوروبية قررت ضخّ مليار يورو لدعم حوالي 100 الف شركة صغيرة، في حين دعّم الكونجرس الأمريكي بـ 60 مليار دولار الشركات الصغيرة والمتوسطة.

مصر في قلب العالم

والحديث عن مستقبل الاقتصاد المصري في واقع ما بعد كورونا مبشّرٌ للغاية. فالاستراتيجية القومية الموحدة التي أدارت بها القيادة المصرية الأزمة تعدّ نموذجا في التعامل علي الصعيد الدولي لتستعيد به مكانتها، ودورها العالمي. كذلك على الصعيد الداخلي من خلال إدارة أجهزة الدولة المختلفة لملف الأزمة بحرفية، وبالتحديد وزارات الصحة والإعلام والتعليم، والاقتصاد، والتضامن الاجتماعي.

ومن هنا، يبرز دور العمل على استمرارية وتنمية مكتسبات برامج الإصلاح الاقتصادي، التي أشادت بها مؤسسات عالمية مثل البنك الدولي، ومؤسسة موديز، وكانت شهادة ثقة جديدة للسياسات الإصلاحية التي تنتهجها مصر؛ مما جعل البنك الدولي يوافق علي منح تمويل جديد لمصر للحفاظ على المكتسبات الاقتصادية.

ومن وجهة نظري، إن هناك أربعة ملفات هامة لمستقبل الاقتصاد المصري:

الملف الأول: تشجيع الاستثمارات المحلية والعالمية في مجال المشروعات الكبرى، سواء الصناعية أو الزراعية أو التكنولوجية، وأيضا الطرق والبنية التحتية، والبناء العمراني هام للغاية؛ لبناء قلعة صناعية وطنية معاصرة، ودخول مصر في الثورة الصناعية الرابعة.

الملف الثاني: دفع الصادرات المصرية للأسواق العالمية خاصة الأسواق الأوروبية والإفريقية. فالصناعة المصرية تتمتع بمميزات خاصة في مجال المنتجات الزراعية والصناعات الغذائية، وصناعة الجلود، ومواد البناء والصناعات اليدوية. كذلك زيادة الحِزم التشجيعية والتحفيزية للمستثمرين لزيادة الإنتاجية، وتحسين جودة المنتج المحلي، وتأهيله للمنافسة عالميا، وتعظيم مساهمة الصادرات المصرية في الدخل القومي.

الملف الثالث: زيادة حزم الدعم والتحفيز لتنمية قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، والشركات الناشئة، ورواد الأعمال، وذلك بهدف استكمال منظومة تعظيم مساهمة الصناعة الوطنية في خطط التنمية الشاملة، والتحول لمجتمع منتج.

وقد أدار البنك المركزي المصري بهذا الملف بحرفية عالية وسياسة حكيمة تُرجمت في سلسلة المبادرات الاستثنائية من تخفيض سعر العائد على تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومبادرة رئيس الجمهورية 100 مليار جنيه لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، كذلك مبادرة إنهاء ملف المتعثرين، وعودتهم للعمل والإنتاج مرة أخرى، فضلا عن مبادرة تأخير سداد للأقساط لمدة 6 شهور للأفراد والشركات. كذلك مبادرة رواد النيل، ودعم الشركات الناشئة.

الملف الرابع: الخطوات الجادّة نحو التحول لمجتمع غير نقدي؛ تمهيدا لتحول مصر لمركز لصناعة المال والأعمال بالشرق الأوسط.

وقد برزت أهمية هذا التوجّه الاستراتيجي في ظل اندلاع هذه الأزمة، وسياسة الإغلاق الاقتصادي للدول.

كان لانتشار الخدمات الرقمية بقطاع البنوك ومؤسسات المال والأعمال والبورصة دور رئيسي في استمرارية الأعمال، ومنح المواطنين حرية الحركة المالية بدون توقف باستخدام تكنولوجيا المدفوعات والتحولات البنكية الرقمية؛ مما أسهم بشكل كبير في عدم توقف حركة التجارة العالمية ونمو التجارة الإلكترونية.

بقلم: أشرف القاضي- رئيس مجلس إدارة المصرف المتحد


نقلا عن بوابة بنوك مصر ..