جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: الأتراك ولعبة تسييس الشعائر المقدسة

-

استفزنى كمواطن مصرى ما ردده قلة لا تُعدُّ على أصابع اليد الواحدة من المعتمرين الأتراك داخل الحرم المكى «بالروح بالدم نفديك يا أقصى». فلا المكان ولا الطريقة التى ردد بها هؤلاء المندسون هتافاتهم مناسبان.. وموطن الاستفزاز هنا ليس التعبير عن دعم القضية الفلسطينية وإنما الطريقة التى تبدو لغير العارف، وكأن الأراضى الفلسطينية تم احتلالها منذ ساعات، ثم إن هؤلاء بالفعل يدعون التضامن مع مكان مقدس، بإقحام السياسة فى مكان مقدس آخر.

والحقيقة التى يعلمها الجميع أن هؤلاء موجهون مغيبون وغرضهم الأساسى ليس التضامن مع القضية الفلسطينية، وإنما استفزاز أمن الحرم المكى بشعارات سياسية ممنوعة داخل الحرم، ليظهروا فى وسائل التواصل الاجتماعى وكأن تركيا هى المدافع عن الدين والسعودية تمنع التضامن مع القدس والمسجد الأقصى.

والغريب أن هؤلاء الخونة للدين والذين يدعون رفع راية حماية المظلومين هم أنفسهم الذين قتلوا الأرمن فى مذابح لم يشهد مثلها التاريخ الإنسانى، فهم آخر من يجب أن يتحدث عن الأقصى والقدس التى للأسف الشديد أصبحت مباحة ومستباحة لكل من هب ودب كى يتاجر بها.. وهم من يتعاون مع إسرائيل منذ سنوات طويلة، وأعتقد أن السفينة «مرمرة» خير شاهد على التواطؤ والخنوع والذل التركى مع إسرائيل، بل إنها خير شاهد على النفاق أيضًا، حيث خرج علينا وقتها أردوغان، زعيم المنافقين، مهددًا وملوحًا بضرب إسرائيل وقطع العلاقات الدبلوماسية معها أمام الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى، وفى الخفاء كانت الاتفاقيات والصفقات العسكرية تتم مع الجانب الإسرائيلى بكل سلاسة.

وأخشى ما أخشاه، أن يتكرر هذا الموقف فى أطهر بقعة على ظهر الأرض، الكعبة المشرفة، فى مواسم العمرة القادمة، لتكون الخاتمة الكبرى فى موسم الحج، حتى يصوروا للعالم الإسلامى أن تركيا بلد يدافع عن الإسلام والمسلمين وأن السلطات السعودية قد باعت القضية، وهذا هو لب الموضوع، والغرض الخبيث من هذه الأفعال.

فالقضية الآن تحولت إلى استعراض مواقف بدون مواقف حقيقية، بعدما ساد الصمت فى عالمنا العربى والإسلامى، وتحول كل مدعٍ إلى مناضل وصاحب قضية، والجماهير تهتف لكل أفاق ونصاب.

وتخلينا نحن العرب والمسلمين عن جوهر القضية، حتى تجرأت أطماع نتنياهو الاستعمارية وأحلام ترامب النرجسية، على إعلان أحادى الجانب بعيد كل البعد عن تحقيق العدالة، إلا أنهم مهما حاولوا بادعاءات كاذبة غرضها الأساسى كسب أصوات المتطرفين اليمنيين، أن يفرضوا علينا دولة يهودية عاصمتها القدس ومركزها هيكل سليمان المزعوم، سيرجعون بخفى حنين، وسينقلبون على أعقابهم خاسرين، لأنهم أمام حقيقة أكثر خطورة من القنبلة النووية فى الأراضى المحتلة، وهى الخصوبة العالية التى يحظى بها الشعب الفلسطينى الشقيق، الذى تحول إلى خنجر فى ظهورهم، وأصبح عدد الشعب الذى وصل إلى قرابة 7 ملايين نسمة، قنبلة بشرية وتمثل هاجس إسرائيل الأخطر.. وأنا على ثقة بأن هذا الشعب الأبى هو من سيسترد القدس، وهو من سيؤمنا فى صلاة نرتحل إليها فى المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، رغم أنف ترامب والنتنياهو.

فالأيام دول تتغير أوضاعها وبوصلتها، وقوتها العسكرية والسياسية والاقتصادية تتقلب بتقلبات الزمن، فها نحن أولاء بعد عقود طويلة من احتلال الأراضى الفلسطينية والقدس، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يكسروا إرادة الشعب الفلطسينى وتمسكه بأرضه، وما فعلوه من مسرحية هزلية أمام العالم هو أضحوكة القرن، لأنهم لن يستطيعوا أن يغيروا أرض الواقع، ولن يستطيعوا أن يغيروا حقيقة أن القدس عربية الهوى شاء من شاء وأبى من أبى.

وإنى على ثقة بأن الأجيال القادمة فى فلسطين والأراضى العربية ستكون على قدر المسئولية وتعيد للشعوب العربية والإسلامية قدسها المحتلة، فى يوم الخلاص.

وأخيرًا.. مهما حاول الأتراك استفزاز السعودية وشعبها الذى يحظى بشرف خدمة بيت الله الحرام والمسجد النبوى الشريف، فإننا نحذرهم من أننا جميعًا نعلم أبعاد لعبتهم القذرة واستهتارهم بالشعائر المقدسة لبث النعرات التركية لاستعطاف المسلمين وتغيير بوصلتهم بادعاءات كاذبة، وهذه الأساليب القذرة لا تخرج إلا من أردوغان وتنظيمه الإخوانى، وهو فى الحقيقة جزء من المؤامرة على العالم العربى فى محاولة يائسة لزعزعة الاستقرار بالسعودية ومصر وسوريا والعراق، ولكن ثقتى فى الشعب المصرى والعربى بلا حدود، والشعوب العربية ستكون هى المحطم لآمال أردوغان وأى أردوغان آخر.