جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

من جنيف إلى برلين.. السيسى كابوس أردوغان

-

تتعرض مصر لحرب شرسة على كل المحاور والاتجاهات، وخاصة على المحور الخارجى، لكنها تقود المواجهة بجدارة وببسالة، فقبل سفر الرئيس السيسى لبرلين للمشاركة فى قمة مجموعة العشرين وإفريقيا سرت شائعات عبر جماعة الإخوان الإرهابية عن عدم سفر الرئيس لبرلين رغم أن مصر لاعب رئيسى فى هذا المؤتمر لأسباب منطقية وواقعية، أهمها أن لعبة المصالح هى التى تجمع بين شعوب العالم، وليس الشعارات، فضلا عن رئاستها الاتحاد الإفريقى فى دورته الحالية.

لقد نجحت مصر نجاحاً فاق كل التوقعات والتصورات فى ملفات عديدة فى إطار هذه المواجهة الشرسة، منها ملف الهجرة غير الشرعية الذى كان كابوساً يؤرق دول أوروبا، وخاصة ألمانيا وإيطاليا، خشية أن يكون ذلك باباً خلفياً لتصدير الإرهاب بكل صوره إليها، من خلال ميليشيات إخوانية وداعشية تم تدريبها على التفجيرات فى أى دولة فى العالم، والخوف الأكبر لهذه الدول أن هذه الجماعات ولاء أفرادها لأفكارهم الدموية وليس لدين أو وطن.

وحضور الرئيس السيسى ولقاءاته المتنوعة مع ميركل والقادة الأوروبيين فى مؤتمر برلين الذى يعتبر الأخطر على مستوى العالم لأنه يتم فيه الاتفاق على كيفية مواجهة الإرهاب الإلكترونى والإرهاب المادى، ومصر لها تجربتها الخاصة والقوية فى هذا المجال فهى تعمل على جميع الأصعدة للارتقاء بالوطن وتنميته بالإضافة إلى عقد صفقات وتنويع مصادر التسليح منذ أصبح السيسى رئيساً لمصر بما يحمى هذه التنمية ويردع الساعين لتعطيل مسيرتها.

وهذا يعطى دلالة كبيرة أن مصر لا تعتمد على مصدر واحد أو دولة واحدة فى تزويد القوات المسلحة بالسلاح وأن الخلاف والاختلاف مع الإدارة الأمريكية حول صفقة طائرات «سوخوى- 35» يكشف هذه الحقيقة بأن مصر دولة ذات سيادة تتعامل فى هذا المجال مع دول عديدة منها فرنسا وألمانيا وروسيا والصين، وهذا يعطى مؤشراً حقيقياً عن استقلال القرار الوطنى المصرى وعدم التبعية بالمفهوم الشامل.

وكذلك من أخطر الملفات التى تخوض مصر حربا شرسة فيها ملف حقوق الإنسان والحريات والتعذيب وكل الأكاذيب التى ترددها المنظمات الحقوقية التى تعمل وتمول من جهات بعينها ودول بأسمائها لتكون شماعة يعلقون عليها فشلهم، وخصوصا بعد نجاح مصر أمام العالم فى الرد على كل الادعاءات التى طرحت فى هذا الملف فى جنيف أمام المؤتمر الدولى لحقوق الإنسان، واستطاعت أن تحظى بموافقة كل الدول الـ133 تقريبا، التى أشادت بالملف المصرى، بعدما نجحت المجموعة المتنوعة من النيابة العامة وحقوق الإنسان والمجلس الأعلى للمرأة وخبراء مصريين فى هذا المجال بقيادة المستشار عمر مروان، فى تفنيد وفضح هذه الأكاذيب والادعاءات والأوهام التى لا محل لها من الإعراب إلا فى عقول بعض الدول التى تعمل على محاولات إسقاط الدولة المصرية والقيادة السياسية وتشويه سمعة المؤسسة العسكرية الوطنية والمؤسسة الأمنية.

ومن العجائب فى هذا المؤتمر أن الدول التى تدعى أن مصر لا تهتم بحقوق الإنسان بمفهومها الشامل هى أولى الدول التى تخترق حقوق الإنسان والحيوان، وعلى رأسها تركيا وقطر.

فلذلك نجحت مصر فى فضح هذه الدول التى حاولت أن تلعب بورقة الحريات وتبث الأكاذيب تارة عن الاختفاء القسرى، وتارة أخرى عن تعذيب ممنهج فى السجون، وهى الشماعة التى راهن عليها التنظيم الدولى للإخوان والميليشيات الإعلامية فى الداخل وفى الخارج لعمل حرب نفسية قبل بداية المؤتمر على الدولة المصرية.. وسقط كل هذا التخطيط فى مستنقع الفشل الذريع بل اختفت كل هذه الحملات عندما نجحت مصر من خلال قراءة جيدة للملف وعقد لقاءات مع المجموعة العربية والإسلامية والإفريقية لشرح كل الملابسات وتوضيح الحقائق بالأدلة والمستندات؛ مما جعل إيران تعترف بقيام مصر بخطوات عملية فى ملف حقوق الإنسان؛ وهذه كانت مفاجأة اختفت بعدها قطر وتركيا اللتان حاولتا عمل لقطة لفتح ملف وفاة الرئيس السابق محمد مرسى، إلا أن الرد كان حاسماً وحازماً وقاطعاً بأن النيابة العامة لا تزال تحقق فى هذا الملف؛ لأنه ليس هناك شىء نخفيه لأن أردوغان عنده استعداد للتحالف مع الشيطان وليس مجرد المتاجرة بالأموات، من أجل تشويه صورة الرئيس السيسى والدولة المصرية، وهذه عقدة نفسية أصبحت فاضحة له فى كل المحافل واللقاءات؛ حتى أصبح السيسى يمثل كابوساً لأردوغان فى كل المحافل الدولية نظراً للمكانة وحفاوة الاستقبال التى يحظى بها الرئيس السيسى من كل قادة العالم الكبار.

دعونا إذن نعترف بأن ملف الخارج أجادت فيه مصر إجادة تامة فى كل الاتجاهات ومع كل الدول، وهى تقرأ خريطة التوازنات الدولية برؤية واقعية، وقد ظهر ذلك جلياً عندما أشركت الخارجية المصرية البنك الدولى فى ملف سد النهضة، ليكون حاضراً فى مفاوضات العمليات الفنية الخاصة بملء وتخزين مياه السد، لأن له سابقة فى هذا المجال، وهو ما جعل هناك تراجعاً لأول مرة منذ 5 سنوات فى موقف الجانب الإثيوبى المتعنت، بسبب دخول البنك الدولى ووزير الخزانة الأمريكى طرفًا فى المفاوضات، لسبب بسيط أنهم هم من يقومون بتمويل سد النهضة الإثيوبى؛ فلا يستطيع الجانب الإثيوبى الذى تلاعب على مدار 5 سنوات أن يتلاعب مع البنك الدولى.

لقد ذهب السيسى إلى برلين والتقى ميركل وكذا لقاءاته مع مجلس الأمن الإيطالى لوضع تصور نهائى لإنهاء الصراع الدائر فى ليبيا وفى ملفات عديدة تخص قارة افريقيا ومصر .

وهناك الكثير من الملفات الأخرى التى سيناقشها مع المسئولين، وهذا يجعلنا نطمئن أننا فى الاتجاه الصحيح رغم الحملات المدفوعة الثمن على السوشيال ميديا، والتى تحاول أن تبث رسالة سلبية للرأى العام المصرى والعالمى أن مصر والسودان لن يستطيعا فعل أى شىء فى مشكلة مياه سد النهضة مع إثيوبيا.

فدعونا نتفاءل بحذر وأن تكون هناك سيناريوهات جاهزة فى حالة- لا قدر الله- فشلت المفاوضات مع الجانب الإثيوبى، وهذا احتمال بعيد ولكن دعونا نتعامل مع تضاريس الواقع ومفاجآته، لأن كل شىء الآن أصبح قابلاً للتفاوض، وحتى التفاوض نفسه قابل للتفاوض.