جريدة النهار المصرية

ثقافة

انطولوجيا القصة القصيرة اللبنانية(2)

د.زينب العسال تكتب ..تانجو من نافذة بيروت

زينب عيسى -

إن الكاتبة اللبنانية مثلها مثل كل الكاتبات العربيات، بل كاتبات العالم، تهتم بقضية الوطن وهمومه، والانتماء والهوية والذات

المرأة اللبنانية – بالطبع - هى أول من عانى ويلات الحرب الأهلية التى امتدت لسنوات منذ 1975، ثم تلاها الاجتياح الإسرايئلى للبنان، ومذابح صابر وشاتيلا، وما عاناه اللبنانيون والفلسطينيون من الاحتلال، إثر ذلك ظهر جيل من الكاتبات لجأن إلى المنافى، سواء فى الوطن العربى أو فرنسا أو بلاد المهجر التى تعيش فيها الأسر اللبنانية منذ بداية القرن الماضى.

موضوع علاقة الذات اللبنانية فى الداخل والخارج وما يدور حولها من قضايا وهموم خاصة وعامة هو الخط المشترك بين الجميع وإن تفاوت وضوحاً أو خفوتاً فى ابداع المرأة.

تحت عنوان دراسات وأطروحات، يؤكد الباحث أن الكتابات التى تناولت منجز المرأة الابداعى قليل، إلا أنه تبقى الكتابة عن الكتابة أحد أهم العوامل التى يرتكن إليها البحث النقدى، وهذا ما أقدم عليه ناقدنا إلا أننى كنت أتمنى أن يرجع إلى بعض المراجع المهمة مثل ما كتبته الناقدة السورية د. بثينة شعبان، وكتاب "فى بناء السرد القصصى" للناقد اللبنانى دكتور عبد المجيد زراقط، حيث قدم قراءة نقدية دقيقة للمشهد القصصى للكاتبات اللبنانيات.

ثمة أطروحات للماجستير والدكتوراة تناولت فترة الإرهاصات، منها كتابات د. محمد يوسف نجم، وكان أحتفاؤه بكاتبتين هما لبيبة هاشم وزينب فواز العاملى، كان من المفروض أن تكون البداية بما كتبته مى زيادة، فهى الرائدة التى لم يناقش إبداعها قدر ما تناولته سيرتها الذاتية سواء فى مصر أم لبنان علاقاتها برموز الحياة الثقافية المصرية أنذاك لطفى السيد و طه حسين والعقاد والرافعى و إبراهيم ناجى، وخطاباتها المتبادلة مع جبران خليل جبران، أما إبداعها الأدبى من قصص ومقالات وكتاب نقدى يعد الأول من نوعه عن باحثة البادية، فللأسف لم يلق الاهتمام من قبل النقاد!.

يذكر المؤلف أسماء لم تلق من الشهرة بقدر ما لاقته كل من لبيبة هاشم وزينب فواز   هن: " نورا نويهض جلوانى ولورين الريحانى وهدى خزرى وبلقيس الحومانى وسونيا بيروتى وعواطف سنو ولوريس الراعى وصوفى أرقش وعايدة الصعيدى وغيرهن. ومن الدراسات التى تناولت القصة اللبنانية فى النصف الأول من القرن العشرين ما كتبه د. عبد المجيد ترحينى، وأصدرت د. يمنى العيد " دراسة وببليوجرافيا مصاحبة لها عن واقع القصة القصيرة النسوية فى لبنان ضمن موسوعة الكاتبة العربية ( ذاكرة المستقبل ) فى الجزء الخاص بلبنان وسوريا".

البواكير:

تحت هذا العنوان يتحدث الكاتب عن رائدتين هما لبيبة هاشم وزينب فواز العاملى، تنشر لبيبة هاشم عدداً من القصص فى مجلة "الضياء"، وهى إرهاصات للكتابة الابداعية، بالإضافة إلى نشاطها فى ترجمة عدد غير قليل من القصص نشرتها فى مجلتها " فتاة الشرق"  كانت توقعها بأسماء مستعارة، ويذكر أن المجلات النسائية بلغت أكثر من ثلاثين مجلة تناولت الأدب والثقافة والاجتماعيات وغيرها من المجالات التى تهم المرأة.

يذكر شوقى بدر يوسف أن الساحة الابداعية لم تقتصر على هاتين الرائدتين، فثمة أسماء أخرى، مثل وردة اليازجى وأليس بطرس البستانى وحنة كسبانى وأنيسة الشرتونى وعفيفة صعبو وحبوبة حداد ومارى ينى وسلمى الصايغ، إضافة إلى أسماء أخرى، نحن إذن أمام حركة أدبية فرخت أسماء كثيرة، وإن احتفظت الذاكرة الثقافية والنقدية بكاتبتين هما لبيبة هاشم وزينب فواز العاملى، وأرى أن هجرتهن للقاهرة عاصمة الثقافة- آنذاك- كان لها دور فى لمعان اسميهما وانتشار ابداعهما وتناوله بالنقد.

هل كان من الممكن لفتاة أشبه بخادمة لدى أسرة ثرية، أن تصعد ويصير لها ما لها لولا استقرارها بالقاهرة، فزينب الطفلة الصغيرة كانت تتسلل إلى مجالس سمر الرجال تسمع الحكايات والشعر وتتعلم، ثم شاركت بعد أن شجعها من تبناها أدبيا، وساعدها فى السفر لمصر لتحفر لنفسها مكاناً بجوار الكتاب المصريين، بل ولتقدم للثقافة العربية والإنسانية أهم موسوعة عن المرأة، وهى " الدر المنثور فى طبقات ربات الخدور" ، وأرخت فيها لأكثر من 450 امرأة من نساء الشرق والغرب.

إن البداية الفعلية التى تؤكد على دور الكتابة اللبنانية تأتى مع ظهور وداد سكاكينى وروز غريب، الأولى كتبت عن مى زيادة بالإضافة إلى الإبداع القصصى والنصوص النقدية.

كتبت سكاكينى خمس مجموعات قصصية هى "مرايا الناس"1945، " بين النيل والنخيل" 1947، " الستار المرفوع" 1955، " نفوس تتكلم"1962، " أقوى من السنين" 1980 يذكر الكتاب ما كتبه عميد الأدب العربى طه حسين عن سكاكينى " اقرأ هذه الكاتبة بروية، فهى مجلية فى البحث وأدب السيرة..." وقالت عنها أمينة السعيد: " حين يرد ذكر وداد سكاكينى يعتبرها كل شعب عربى واحدة منه، فاللبنانيون يعتزون بجنسيتها، والسوريون يتمسكون بتوطينها وهويتها، والمصريون يرون فى إنتاجها أصدق صورة للعقلية الأدبية المصرية، والحقيقة أنهم جميعاً مصيبون، ويعقب شوقى بدر يوسف بقوله: من السمات الهامة فى أعمال وداد سكاكينى القصصية أنها كانت تهتم بالصورة القصصية الحاملة لمفردات البيئة التى تعبر عنها والتقاليد والعادات الشعبية المتناثرة فى كثير من أعمالها القصصية المبكرة والمتأخرة" ص 25

ويرى الكاتب أن قصتى " وساوس" لسكاكينى و" فندق الجبل الأخضر" لروز غريب  محورهما الرئيسى عالم المرأة، وهناك شبه تناص بين ما يدور فى مخيلة الشخوص الرئيسية فى النصين، تعتمد الكاتبتان على تيمة واحدة فالهواجس الذاتية