جريدة النهار المصرية

مقالات

وصايا تقرير اللجنة الدولية بشأن سد النهضة ..ورقة هامة بيد مصر

شعبان خليفة
-

 

بقلم : شعبان خليفة  

 فى مايو 2013 صدر واحداً  من أهم التقارير  عن سد النهضة ..إن لم يكن أهمها جميعاً  حيث كشف هذا التقرير عن مخاطر السد الأثيوبى على مصر و قد  حاولت مصر بكل الجهد على مدى 7 سنوات الوصول لإتفاق يمكن أن يمنع  أو يقلل من  حدوث هذه المخاطر لكن الجانب الاثيوبى ظل يرواغ و يتهرب من تنفيذ الحلول ليمضى فى طريقه الضار و الخطر بمصر و باثيوبيا نفسها كما سنكشف فى السطور التالية   التقرير الذى نتحدث عنه  صدر عن   لجنة الخبراء الدوليين التى  كان قد تم تشكيلها، بعد لقاء رئيسى وزراء مصر وإثيوبيا وإعلان أديس أبابا عن بناء سد النهضة، وتضمن التقرير جميع التفاصيل المتعلقة باللجنة، والتى تم الاتفاق على اختصاصات عملها بعد اجتماع وزراء المياه من الدول الثلاث مصر وإثيوبيا والسودان فى 29 نوفمبر 2011، ووقتها أعلنت مصر عن مخاوفها  من  مخاطر بناء السد، وتأثيره على حصتها من المياه ، وتم الاتفاق على دراسة تلك التأثيرات، واختيار 10 خبراء، اثنين من كل دولة - مصر والسودان وإثيوبيا - بالإضافة إلى أربعة خبراء دوليين لحسم الأمر

وبدأت الاجتماعات التى عقدها الخبراء، ووصل عددها إلى 6 اجتماعات، وانتهت من تقريرها فى مايو 2013، قام خلالها الخبراء المشاركون فيها بزيارة موقع السد عدة  مرات.

التقرير النهائى للجنة الثلاثية التى نقصده  صدر  فى 48 صفحة قام بالتوقيع عليه، جميع الخبراء المشاركين فيها، حيث تم الانتهاء منه فى 31 مايو 2013، وسلمت نُسخة إلى حكومات مصر والسودان وإثيوبيا، ومع ذلك ظل التقرير سريا وحبيس الأدراج، و قد ىن الآوان للكشف عنه  حيث قام الخبراء بتقيم جميع الدراسات التى تقدمت بها إثيوبيا للجنة، والتى بلغت 153 دراسة، منها 103 "رسومات" و"7 خرائط" و43 دراسة مكتوبة و دراستين عن الآثار البيئية ودراسة اجتماعية و7 دراسات عن هندسة السد و3 عن هيدرولوجيا المياه و16 دراسة جيولوجية .

و اثبت  التقرير النهائى  أن هذه الدراسات "الإثيوبية" لم تكن جميعها قادرة على تقييم آثار السد، فلم تكن جميعاً ذات صلة بالموضوع أو أنها قديمة، وخاصة الدراسات البيئية والاجتماعية التى لم تكن قادرة على إثبات تأثير السد على دول المصب "مصر والسودان".

و أكد التقرير  أن أثيوبيا لا تتبع قواعد القانون الدولى الذى ينظم التعامل مع الأنهار الدولية كنهر النيل الأزرق، ووجوب الإخطار المسبق والدراسة المشتركة لأى مشروع مائى لتقليل المخاطر على دولتى المصب (مصر والسودان)، كما أنها أعلنت صراحة عدم اعترافها بالاتفاقيات القائمة وعلى وجه الخصوص اتفاقية عام 1959 بين مصر والسودان، وبالتالى فهى لا تعترف بحصة مصر السنوية من مياه النيل أو الحقوق التاريخية المصرية .

وأوصى التقرير بأهمية وجود احتياطات إنشائية تسمح بتوفير الحد الأدنى من احتياجات دولتى المصب من المياه تحت الظروف الطارئة (توقف محطات توليد الكهرباء)، والتى لم يتم توضيحها فى الدراسات الإثيوبية والتصميمات المقدمة للجنة .

وفيما يتعلق بدراسات تقييم الآثار البيئية والاجتماعية على دولتى المصب، أوضح التقرير أن الجانب الإثيوبى لم يقم بعمل دراسات متعمقة تسمح للجنة بوضع رؤية علمية عن حجم الآثار ومدى خطورتها على دولتى المصب.

وأكد التقرير على وجود قصور شديد فى الدراسات والتصميمات الخاصة بالسد المساعد (السد الذى يرفع السعة التخزينية من 14.5 إلى 74 مليار م3)، والذى لم تقم الحكومة الإثيوبية بتقديم المستندات التصميمية الخاصة به للجنة بشكل يسمح لها بالتقييم .

وأشار التقرير أيضاً إلى أنه لا يوجد تحليل اقتصادى من واقع الدراسات المقدمة من الجانب الإثيوبى، فيما يخص حجم السد وارتفاعه والقدرة التصميمية لمحطة الكهرباء، حيث أكد الجانب الإثيوبى أن قرار إنشاء السد بهذه المواصفات خاص بالحكومة الإثيوبية، وليس من اختصاص اللجنة.

وأشار التقرير النهائى إلى أنه بالرغم من أن الدراسات الإثيوبية تشير إلى أن ملء السد فى فترات الفيضان العالية والمتوسطة، سيكون له تأثير على الكهرباء المولدة من السد العالى فقط، فقد أوضحت الدراسات أيضا أنه فى حال ملء الخزان فى فترات الجفاف، فإن منسوب السد العالى يصل إلى أقل منسوب تشغيل له لمدة أربع سنوات متتالية مما سيكون له تأثير بالغ على توفر المياه اللازمة للرى، وعدم القدرة على توليد الكهرباء لفترات طويلة.

بالرغم من أن التقرير النهائى احتوى على إيجابيات السد من واقع نتائج الدراسات المقدمة من الجانب الإثيوبى، إلا أنه تضمن أيضا تأكيد الخبراء على عدم إمكانية الاعتماد على تلك النتائج، حيث إنها مبنية على بيانات وطريقة تحليل غير محققة ونموذج محاكاة مبسط، وتحتاج إلى دراسات معمقة لتعتمد على نماذج رياضية أكثر تمثيلا لواقع النظام الهيدرولوجى لنهر النيل، وظروف التشغيل تحت السيناريوهات المختلفة.

وتضمن الجزء الخاص بتصميمات السد مجموعة كبيرة من المشاكل الإنشائية والجيولوجية، خاصة فيما يتعلق بأسس تصميم مكونات السد (السد الرئيسى، الأكتاف، المفيض، محطة الكهرباء، المواد المستخدمة فى الإنشاء)، وكذلك الدراسات وطرق التصميم المستخدمة لهذه المكونات.

وأشار التقرير النهائى إلى وجود بعض التأثيرات البيئية والاجتماعية، والتى تتمثل فى الإضرار بالثروة السمكية والمرتبطة بتدهور نوعية المياه نتيجة تحلل الزراعات الموجودة بمنطقة بحيرة السد، بالإضافة إلى تأثر صناعة الطوب بالسودان نتيجة تقليل كمية الترسيبات الواردة مع المياه، فضلا عن تدهور خصوبة التربة الزراعية بالسودان.

وذكر التقرير أن دراسات تقييم الأثر البيئى لم تقدم رؤية حول ندرة الأوكسجين الناجم عن إغراق النباتات والكائنات الحية فى محيط السد، كما أنه لم يقدم أى رؤية حول كيفية السد سيؤثر على البيئة فى دول المصب، فى ظل توقعات بأن من شأنه أن يضر الزراعة فى المنطقة والغابات النهرية على النيل الأزرق، فضلا عن إمدادات المياه الجوفية الضرر على طول النيل الأزرق .

وتضمن التقرير النهائى المخاوف المصرية والتأثيرات السلبية المتوقعة من هذا السد، حيث ذكر التقرير ملاحظات الجانب المصرى، وهى أن إقامة سد النهضة على النيل الأزرق بارتفاع 145 مترا وسعة تخزينية 74 مليار م3 وتشغيله بشكل منفرد لا يراعى مصالح دول المصب، سيمكن إثيوبيا من التحكم الكامل فى إيراد النيل الأزرق، وما سيتبع ذلك من تأثيرات سلبية على الحصة المائية المصرية ونقص الكهرباء المولدة من السد العالى، والذى يمكن أن يصل إلى حد توقف محطة توليد السد العالى تماماً لعدد من السنوات، والتى تزيد فى فترات الجفاف بصورة كبيرة.

كما أن نقص المياه المتاحة لقطاعات الرى والزراعة والشرب فى مصر أثناء فترة الملء وخاصة فى حالة الملء أثناء فترات الفيضان تحت المتوسط أو الضعيف، وهو ما له تأثيرات اجتماعية واقتصادية كبيرة، قد تؤدى إلى عدم القدرة على زراعة ملايين الأفدنة وفقدان الدخل لملايين المصريين المعتمدين على الزراعة فى دخلهم السنوى، بالإضافة للتأثيرات الاقتصادية نتيجة خسارة شبكة الطاقة فى مصر لجزء كبير من الطاقة المولدة من السد العالى، وهو ما يعنى أعباء اقتصادية لتعويض هذا النقص، بالإضافة إلى أن غمر الغابات والأشجار عند ملء بحيرة سد النهضة، مما سيقلل نسبة الأكسجين المذاب، والذى يؤثر على نوعية المياه المنطلقة خلف السد، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على نهر النيل فى السودان وليس فى مصر.

وقال التقرير إنه بناء على التصميمات الهندسية المتوفرة من الجانب الأثيوبى، وخاصة فيما يتعلق بالسد الجانبى، اتضح وجود عوامل كثيرة قد تؤثر بشكل كبير على أمان السد على المدى الطويل، وهو ما يشير إلى زيادة احتمالات انهيار السد، وستكون هناك تأثيرات كارثية على السودان بداية من انهيار كل السدود على النيل الأزرق وارتفاع منسوب المياه فى الخرطوم بدرجة كبيرة، وهو ما يمثل دمارا تاماً للسودان

و قد اقترح الجانب المصرى، الرجوع إلى الأبعاد الخاصة بسد الحدود ذى السعة التصميمية 14.5 مليارم3 وارتفاع 90 مترا، والسابق دراسته فى مشروع تجارة الطاقة بالنيل الشرقى، مع الاتفاق على شروط الملء التى تمنع حدوث أى آثار سلبية على مصر بالإضافة إلى الاتفاق على كيفية التغلب على  التأثيرات السلبية على مصر على المدى الطويل، والمتمثلة فى زيادة العجز المائى فى فترات الجفاف، وتقليل إنتاج الطاقة من السد العالى، وكذا التنسيق التام والتوافق مع الجانب الإثيوبى على قواعد الملء والتشغيل والتوصل إلى آلية قانونية وفنية تسمح بالمشاركة الكاملة فى الملء والتشغيل والإدارة، بحيث لا يكون هناك أى إضرار بالمصالح المائية المصرية.

و ادان التقرير العمل الاثيوبى المنفرد المخالف للقانون الدولى وللاتفقيات الخاصة بالأنهار  ما يجعل جميع الخيارات مفتوحة أمام مصر للتعامل مع التعنت الواضح من جانب أديس أبابا، خاصة فيما يتعلق بإصرارها على عدم الالتزام بكافة التعهدات الرسمية سواء بتنفيذ بنود إعلان المبادئ أو مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين عام 1993 بالإضافة إلى عدم الالتزام بالقوانين الدولية المنظمة للأنهار العابرة للحدود، وبالتالى يعطى لمصر الحق فى اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية للحفاظ على أمنها المائى وحقها التاريخى فى مياه النيل باستخدام قواعد القوانين الدولية التى تلتزم بها وتحترمها دول العالم ولم تلتزم بها إثيوبيا. و يعد التقرير ورقة مهمة فى يد مصر فى المرحلة المقبلة بعد  أن وصلت المفاوضات لطريق مسدود  حيث يخول لها ممارسة كافة الإجراءات الكفيلة بحماية حقوقها فى ماء النهر