جريدة النهار المصرية

ثقافة

من فاروق حسني إلى نشوي الديب.. القصة الكاملة لمحاولات نقل مسرح البالون والسيرك القومي

-

حالة من الغليان تشهدها الساحة الثقافية مؤخرًا، عقب تقديم النائبة نشوى الديب، عضو مجلس النواب، اقتراحا لمجلس النواب، بنقل مسرح البالون من منطقة العجوزة، إلى مطار إمبابة، واستغلال الأرض المقام عليها الآن في مشروعات، أخرى، ولاقى الاقتراح رفضا تاما من قبل وزارة الثقافة والمثقفين، الذين هاجموا النائبة معللين ذلك بأنه دعاية انتخابية خاصة بالنائبة.

الثقافة تنفي نقل مسرح البالون
وفي هذا السياق أصدرت وزارة الثقافة بيانًا، نفت فيه ما أثير على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى حول نقل السيرك القومى ومسرح البالون بالعجوزة إلى أرض مطار إمبابة، مؤكدة، أن كل ما تم تداوله فى هذا الشأن غير صحيح مناشدة جميع أبناء الشعب المصرى تحرى الدقة فى تداول المعلومات.

تضمن البيان أيضًا الإشارة إلى أن السيرك القومى ومسرح البالون يمثلان جزءا هاما من تاريخ الإبداع فى مصر وشهدا أعمالا فنية أثرت الفكر والوجدان ويحملان صفة المعالم والرموز القومية.

المثقفون: نقل مسرح البالون تعد سافر على منارتين تنويريتين
بينما أصدر المثقفون والفنانون المصريون، بيانًا رفضوا فيه الاقتراح، معلنين أن المساس بهذين الصرحين الثقافيين هو مساس بجزء هام من تاريخ مصر الثقافي وتعدي سافر على منارتين تنويريتين كان لهما وما زال دور كبير في التصدي لمحاولات طيور الظلام الرجوع بمصر إلى عصور ما قبل التاريخ.

وذكر البيان أن وطننا مصر يتعرض ومنذ سنوات إلى مؤامرات خارجية تدعمها أياد وعقول داخلية من أجل تجريف العقل المصري بحرمانه من مصادر قوته الناعمة، وهاهي المؤامرة الجديدة تطال كيانين ثقافيين كبيرين كان لهما عبر فنانيهما عظيم الدور في التصدي لجماعة الإخوان المحظورة وطردها من فوق كرسي الحكم.

واستمرارا لهذا الدور في التصدي لكل محاولة تنال من ثقافة مصر وفنها يعلن مثقفو مصر أنهم سيقفون بكل ما أوتوا من عزم أمام محاولة هدم مسرح البالون والسيرك القومي وبيع أرضهما لوكلاء آكلي لحوم الأوطان.

وناشد مثقفو مصر، رئيس الجمهورية بسرعة التدخل لإيقاف هذه الصفقة المشبوهة التي تستهدف إثارة الفتنة وضرب سلامنا الاجتماعي.

الفنون الشعبية: اقتراح نقل البالون دعاية انتخابية
ومن جانبه قال الفنان عادل عبده، رئيس البيت الفني للفنون الشعبية المسئول عن مسرح البالون والسيرك القومي، إن ما تفعله النائبة، ما هو إلا دعاية انتخابية، على حساب صرح ثقافي، مؤكدًا أنهم لم يخرجوا من المكان مهما حدث.

ولفت إلى أن هذا الاقتراح لم يكن الأول من نوعه، فحدث ذلك في عهد الوزير فاروق حسني، وتم رفض الاقتراح، من قبل الوزير والعاملين بالوزارة، مؤكدًا أن الأرض ملك لوزارة الثقافة، ولا يحق لأي أحد الاستيلاء عليها.

وأكد أنه لم يتلق أى قرار رسمى بنقل مسرح البالون والسيرك القومى إلى أرض مطار إمبابة، مؤكدًا أن «هذا الأمر من الصعب تنفيذه في يوم وليلة»، موضحًا أن الدولة حريصة على المؤسسات الثقافية والفنية، وأن مثل هذه الأمور تم تداولها منذ أكثر من ٢٠ عامًا، في عهد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، وكان هناك توجه لنقل مسرح البالون إلى أكتوبر ولم يحدث ذلك، مشددًا على أن مثل هذه الأمور حينما يتم ذكرها بين الحين والآخر فالرد الوحيد هو توفير مكان أفضل وهذا المكان يحتاج لسنوات طويلة حتى يتم تنفيذه بشكل يشرف الثقافة والفن المصري.

تاريح مسرح البالون
ولمسرح البالون قصة تاريخية شهيرة، حيث كان لممثل إيطالي يدعى فيتيريو جاسمان، مسرح على شكل بالونة وكان يدور به ليعرض به مسرحياته متنقلًا في عدة أماكن ودول، فقدم عرضًا بهذه البالونة أو الخيمة في العجوزة فأعجب بها يوسف بك وهبى وعرض عليه شراءها منه، فصار هذا المكان قديمًا مقرًا لفرقة "رمسيس"، واستمر به حتى أفلس يوسف وهبى، واشترت منه الدولة تلك البالونة وخصصت لفرقة "رضا" ثم "القومية"، حتى تطورت الفرق وكثرت إلى ما وصلت عليه الآن.

ويرتبط هذا المكان بتاريخ مصر وحضارتها، حيث أقيمت به أهم عروض مثل: "القاهرة في ألف عام"، وشارك في التمثيل الفنان محيي إسماعيل، والفنان صلاح السعدني، كما قدمت خلاله عروض كثيرة من بينها "رسالة أبوالعلاء المعري" لفؤاد الجزايرلي، وغيرها، فهذا المكان يحمل تاريخ وعبق وذكريات مصر، حيث قدم فيه المخرج أحمد زكي الفنانين: هاني شاكر، مدحت صالح، محمد الحلو، على الحجار، فايزة أحمد في أوبريت "بحلم يا مصر".

محاولات نقل مسرح البالون في الماضي
وفي التسعينيات ظهرت محاولة لبيع أرض مسرح السامر القائم في نفس المنطقة أو المربع المزمع بيعه، ورفض الوزير فاروق حسني، والفنانون والمسرحيون، الاقتراح.

والوزارة بالتأكيد ستكون حريصة على حماية هذا الصرح الثقافي المهم، ولن تفرط فيه بسهولة، والأوراق التي نشرتها النائبة بخصوص هذا الموضوع جاءت بعيدًا عن الوزارة تمامًا، ولذلك فإن الأمر لن يتم طالما وُجدت المقاومة، ووجد الإيمان بأن تراثنا الثقافي والتاريخي ليس معروضًا للبيع، كما سبق لوزارة المالية أن تحدثت عنها عام 2017 حين صرح وزيرها بأن الوزارة تعتزم تفعيل خطة بيع بعض أراضي الدولة خلال عام 2018، وأنها ستبدأ إجراءات طرحها للمستثمرين، ومنها أرض المعارض بمدينة نصر ومربع مسرح البالون بنيل العجوزة، وذلك لتوفير مبلغ قدرته الوزارة - وقتها - بخمسة مليارات جنيه.

ورفض المثقفون والأدباء والمسرحيون، الاقتراح المقدم من النائبة، مثلما رفضوا من قبل عدة مرات، مؤكدين أن ما تفعله لعبة انتخابية، تجيء على حساب مقدراتنا الثقافية والتاريخية، وأن المثقفين المصريين وكل الشرفاء يرفضون مثل هذه التصرفات التي تطعن فكرة الانتماء في الصميم، لأننا كلنا ننتمي إلى تراثنا الثقافي على مر العصور، الفرعوني منه والمعاصر، وهذا التراث، يُعد مظهرًا من مظاهر هذا الانتماء.