جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: خلاص السوادن من زمن الإخوان

الكاتب الصحفي أسامة شرشر
-

عاد السودان بعد أن تم اختطافه في زمن الإخوان وتم المقايضة بشعبه وحصار مفكريه وأحزابه ليعيش عهدا استمر أكثر من 30 عاما ما بين انقلابات وانقسامات وخلافات كان اللاعب الرئيس الرئيسي فيه هو التنظيم الدولى للإخوان.

وحاول البشير القادم من المجهول الإخواني أن يلعب على كل الأطراف، ويستغل كل الأحداث ويتفنن في الأكل على كل الموائد العربية والإقليمية وكانت مصر هي هدفه في مرحلة من المراحل بين شد وجذب ولقاء وبعاد من خلال أيديولوجية وخطوط ترسم له من خلال الترابي وشركاه.

فكانت انتفاضة الشعب بكل طوائفه وفئاته، في كل مدن السودان، بداية لعودة السودان إلى الشعب، وكان الجيش السوداني الأصيل هو الحاضنة الحقيقية لقوى الحرية والتغيير.. ولعبت المرأة السودانية دورا هز العالم كله بمشاركتها وإرادتها لتثبت أنها من نبت النيل ومن طمى الأرض السودانية، التى تم تلويثها وتفتيتها وبيعها للأتراك والقطريين والإيرانيين وكل من يدفع لنظام البشير.

وأعجبتنى خلال تتويج الشعب انتفاضته ضد الإخوان بتوقيع الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكرى الحاكم فى السودان وقوى إعلان الحرية والتغيير الرسائل التى أرسلها هذا الشاب من قوى الحرية والتغيير محمد ناجي الأصم، أخطر ما فيها أنها جسدت رؤية لمستقبل السودان المشرق وحذرت وكشفت مرارة 30 عاما مضت من ذل وانكسار وحصار على يد البشير الوجه الآخر للإخوان، وأكد الأصم في رسائله أن الشعب السوداني «يطوي صفحة الفشل ويفتح صفحة مختلفة»، وهو ما يبشر بمستقبل مختلف تماما عن انكسارات عهد البشير.

كما أعجبتنى كلمة الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، الذى شارك السودانيين في احتفالاتهم، عندما قال أن شمس السودان عادت مرة أخرى في سماء أفريقيا وفي وادى النيل، وهذا هو بيت القصيد.

دعونا نقول إن الشعب السودانى أحدث معجزة من خلال عدم السقوط في الفخ الإخوان وتقسيم السودان من خلال صراعات وحروب وانقسامات في وادى النيل، وستعود بإذن الله جنوب السودان إلى شماله، والحركات المسلحة مرة أخرى إلى الحضن السوداني والبيت السوداني، بعد غياب السودان 30 عاما عن محيطه العربي والأقليمي والدولى نتيجة اختطافه وذبحه بسكين بارد، رغم أن أرضه غنية بنسائها ورجالها.
ولنفخر معا بأن هذا هذا الاتفاق التاريخي فى السودان تم بجهود إفريقية خالصة ومخلصة؛ ما يعنى أن إنقاذ البيت جاء من داخله لا بيد من الخارج، وقد شاهدت كما شاهد العالم بأسره حالة الفرح ودموع الفرح فى عينى الوسيط الإفريقى عند التوقيع على الاتفاق بين المجلس العسكرى الانتقالى وقوى الحرية والتغيير لينجو السودان من شرٍ عظيم.

ومن مفارقات القدر أن جاءت أول جلسة لمحاكمة البشير بعد يوم واحد من توقيع الاتفاق التاريخي على إدارة المرحلة الانتقالية التى ستسمر 3 سنوات و3 أشهر ليصبح فرح السودان على ضفاف النيل فرحين، فرحًا بالخلاص من الماضى المظلم، وفرحا ببدء المستقبل المستقر والمشرق.

لقد تخلص السودان من شرّين فى وقتٍ واحد: شر الإخوان، وشر سوء الحظ الذى لازم السودان منذ استقلاله.. لقد التقت على أرض السودان الخيبات العربية والإفريقية كما يلتقى النيلان الأزرق والأبيض فى الخرطوم.

ظلت الثورة تتصاعد وتهبط دون نافذة أمل فى الخلاص أو التوافق بين الفرقاء وكان هذا يسعد كارهى السودان والمتآمرين عليه سواء من قوى إقليمية تجسدها تركيا وقطر أو قوى عالمية خذلت بل تآمرت على السودان منذ يونيو 1989 حيث سقط القصر، ومعه البلاد، فى قبضة ما يسمى «ثورة الإنقاذ» عبر الداهية  الدكتور حسن الترابى الذى قام  بتعيين البشير رئيسًا فى أكبر عملية تضليل تجسد فيها  إخفاء الهوية الإخوانية للانقلاب وانطلت الخدعة على أحزاب ودول؛ فقاد حكم الجماعة السودان للتقسيم والخراب، وهو الشر الذى نجت منه مصر بفضل ثورة  30 يونيو التى أزاحت مرسى وجماعته عن حكم مصر.

وبينما كان العالم كله يتغير سيطر الجمود على  الخرطوم ولم يتغير السودان،  فنظامه الإرهابى استضاف على أرضه الجماعات الإرهابية وقادتها وتآمروا ضد مصر برعاية رسمية، وأصبح لهم معسكرات تدريب وتواجد كبير، وهو ما أحذر منه فسوف يسعى هؤلاء لتخريب اتفاق السودان بكل الوسائل، فهؤلاء المجرمون من فلول السودان والذين كانوا سببًا فى فقد السودان جزءًا غاليًا من شعبه وأرضه ومعظم ثروته النفطية لن يتوقفوا عن السعى لثورة مضادة هدفها تخريب الاتفاق واستمرار الاضطرابات فى السودان.

ولهذا أناشد المجلس العسكرى الانتقالى فى السودان و«قوى الحرية والتغيير» التعاون معًا للخلاص للأبد من صفحة الحكم الديكتاتورى وثقافة النظام الشمولى.

 وأقول لهم إن المرحلة الانتقالية لن تكون سهلة. فالمتربصون من الإخوان ومن والاهم سواء تنظيمهم الدولى أو أردوغان أو تميم لا يريدون للسودان أن ينعم بالاستقرار والعمران، وكما أن إعادة الإعمار ليست سهلة وتحتاج لتكلفة كبيرة فإن أيضًا حلم الدولة المدنية ليس سهلًا ومثله حلم بناء الديمقراطية واحترام التعدد وحق الاختلاف والاحتكام إلى صناديق الاقتراع فى انتخابات نزيهة، حيث إن المشكلات  فى السودان كثيرة ومتراكمة والاقتصاد متهالك والمؤسسات مبنية على الولاء لا على الكفاءة، وهى أمور يجب إصلاحها فورًا ليتعافى السودان ويعود قويًا لحضنه العربى والإفريقى، وخاصة مصر، حيث تربط البلدين أخوة طويلة الأمد.

ومن حسن الحظ أن رئيس المجلس العسكرى الانتقالى عبدالفتاح البرهان، ومحمد ناجى الأصم ممثل «قوى الحرية والتغيير»- يتفهمان جيداً مشاكل السودان واحتياجاته؛ وهذه أولى نوافذ الأمل للسودان وشعب السودان فى الطريق نحو سودانٍ جديد يليق بالسودانين، وسأكون واضحًا بأن نجاح السودان الجديد مهم لمصر واستقرارها وأمنها القومى؛ وهو أمر يدركه الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى كان له دور كبير فى الوصول بسفينة السودان المضطربة لبر الأمان وليس أدل على ذلك من عدد الزيارات التى قام بها رئيس المجلس العسكرى الانتقالى عبدالفتاح البرهان للقاهرة والتقى فيها بالرئيس السيسى، حتى كتب الله للسودان النجاة من أهل الشر ومؤامراتهم.