جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب : حوار علي الحمار

-
حافظوا علي مصر قبل أن تسقط في المجهول، فالصراع بدأ ولن ينتهي بين مثلث القرار الذي يحدد خارطة رسم مستقبل هذا البلد في ظل تناقضات الواقع التي يعيشها المواطن المصري بعد ثورة 25 يناير، لأنه تخيل -بعد سقوط جدار الخوف والصمت والطغاة- أن الخير سيعود علي الجميع ولكنه بعد عام من قيام الانفجار الشعبي يتساءل المواطنون: هل هي ثورة أو لا ثورة؟ فاتفقوا جميعا علي أن مصر تسير إلي الفوضي المنظمة، والمجهول الطويل، وأن عدم الأمان هو السمة الغالبة لحياة الناس وانتشار البلطجة والعنف والقتل والسرقات في عز النهار، وفي سابقة تعد الأولي من نوعها في مصر لم يعشها الناس أيام الحروب والأزمات والنكسات، فالكل أصبح مناضلا وثوريا وأصبحت الأصوات الفارغة العالية واستخدام أداة العنف هو الطريق للوصول إلي المكاسب السياسية والاقتصادية في كل مجالات الحياة في مصر الآن، وسقطت كل القيم والأخلاقيات والمروءة والشهامة أمام تحقيق مكاسب مادية أو سياسية أو طائفية، فثقافة التظاهرات أصبحت كرباج يرهب الشعب قبل المسئولين واختلطت المفاهيم والطرق للوصول إلي الهدف، وضاعت الحقيقة أمام قسوة الاتهامات والشائعات ومطرقة الإعلام. وأصبحت المواجهة بين أطراف المعادلة السياسية للوصول إلي حكم مصر واللعب علي المكشوف واستخدام كل أوراق الضغط أو التلويح بها للترهيب والتخويف والتي تصل في بعض الأحيان إلي التخوين. فالمجلس العسكري في مأزق حقيقي مع التيار الإسلامي خاصة الإخوان المسلمين -الذين تمكنوا من السيطرة علي صناديق الانتخابات وتحقيق احتكار سياسي للمقاعد البرلمانية تحت قبة البرلمان، مستندين إلي القاعدة الجماهيرية العريضة التي وثقت فيهم والتلويح بعصا العصيان الشعبي والمليونيات الإخوانية التي تربك حسابات المجلس العسكري والقوي السياسية، وتجعل الجميع يرضخ لمطالب الإخوان المسلمين والسلفيين الذين يمثلون القنبلة السياسية الموقوتة التي قد تنفجر في أي لحظة فتصيب الجميع بمن فيهم جماعة الإخوان المسلمين - طرف المعادلة للتيار الإسلامي.فالسلفيون فاجأوا الجميع بقدرتهم السياسية علي الحشد والتعبئة والتجييش والتأثير علي الرأي العام المصري، واقتنصوا المركز الثاني تحت قبة البرلمان لكنهم يستغلون هذا في التلويح بورقة إلغاء الدستور وعمل دستور جديد بمواثيق ومفاهيم سلفية واستخدام فزاعة جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ناهيك عن أعدادهم الهائلة التي تفوق أضعاف جماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلي أن المنهج السلفي يحظي بدعم حقيقي من الداخل والخارج- خاصة بعض البلدان العربية المؤثرة في المنطقة والأحداث- ناهيك عن إعلانهم السياسي الفج بالتواصل مع الكيان الصهيوني وهذا يعطي طمأنة سياسية لإسرائيل خاصة والغرب وأمريكا بصفة عامة، لأن اتفاقيات المصالح علي حساب الأوطان لغة تتميز بها إسرائيل. وأخيرا الشباب الثائر والحائر في ميدان التحرير وميادين التحرير في كل محافظات مصر، والذي كان السبب المباشر لوجود كل أطراف المعادلة السياسة في مصر الآن ابتداء بالمجلس العسكري نهاية بالإخوان والسلفيين ولكنه أصبح قاب قوسين أو أدني، فكثرة الائتلافات والزعامات والمطالب بدون قيادة أو حزب أو جماعة سياسية جعلت مطالبهم السياسية الحقيقية تسقط بين الأطراف الفاعلة والمسيطرة الآن، فأخذوا موقف الرفض للعسكري والإسلامي، وجاء الرد الشعبي من خلال صناديق الانتخابات ليزيد من عزلتهم السياسية من الجميع ليستخدموا ورقة ميدان التحرير كورقة ضغط مازالت لها مفعولها السحري في الاستماع لمطالبهم فقط مع وقف التنفيذ، ولكن الدعوة بتعيين خمسين شابا من شباب الثورة الحقيقيين في البرلمان قد تسقط الجدار العازل والحوائط السياسية بين المؤسسة العسكرية وشباب الثورة وتحيرهم في حالة حدوث صدام متوقع بين المجلس العسكري والتيار الإسلامي- الذي ستكون لجنة إعداد الدستور هي أول مواجهة ميدانية علي أرض الواقع بين طرفي القوة الحالية التي تسيطر علي المشهد السياسي في مصر الآن- إضافة إلي صلاحيات البرلمان التي حددها الإعلان الدستوري في مواده ويسحب صلاحيات التشريع والرقابة وتشكيل الحكومة من البرلمان ويقتصر دوره فقط علي تشكيل الأعضاء المائة لوضع دستور في مصر ليكون هذا الدستور هو دستور المواجهة أيضا في مواده وتوجهات الدولة بين الدولة المدنية الديمقراطية والدولة الإسلامية. فالمائة وثمانون يوما القادمة هي أخطر أيام مصر بعد ثورة 25 يناير ناهيك عن القوي المدنية والليبرالية والقومية التي ستنحاز إلي المجلس العسكري والذي ستجد فيه ضالتها السياسية في تقليم أظافر التيار الإسلامي بالإضافة إلي انحياز حزب الكنبة الصامت إلي إحدي القوتين -العسكري والإسلامي- ولا أحد يدعي ماذا ستسفر عنه المواجهات القادمة.فمصر الدولة أصبحت حقل تجارب لمن يحكمها لأن البداية الخاطئة توصلنا إلي الاتجاه المعاكس ومازال الصراع مستمرا إلي إشعار آخر سيدفع الوطن والشعب ثمنا باهظا فيه.واستوقفتني مقولة سمعتها بين سيدتين في بلدتنا في ريف مصر المحروسة، وهما تركبان الحمار. قالت إحداهما للأخري: من الذي يحكم مصر؟ فأجابت -وهي تضرب الحمار - اللهو الخفي.. وهنا نهق الحمار وانتهي الحوار.