جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: ماكرون فى مصر.. لماذا الآن؟!

الكاتب الصحفي أسامة شرشر
-

هذه ليست مجرد زيارة عادية من رئيس دولة كبيرة مثل فرنسا لدولة كبيرة مثل مصر.. لكنها بتوقيتها والملفات التى يناقشها لقاء زعيمين كبيرين لمواجهة مشتركة للعواصف فى الشرق الاوسط، وعلى الساحة الدولية.. زيارة سعى أعداء مصر فى الخارج والداخل إلى تسميمها عبر خلط الأوراق لتوجيه مسارها لتكون عبارة عن انتقاد فرنسى لحقوق الإنسان فى مصر، لكن هؤلاء يجهلون أو يتجاهلون ما شهده اللقاء الأول بين الزعيمين عبدالفتاح السيسى وإيمانويل ماكرون عندما فنّد الرئيس السيسى أباطيل ومزاعم انتهاك حقوق الإنسان فى مصر، كما أنهم يجهلون أن فرنسا ذاقت من الإرهاب ومن العنف ما يجعلها قادرة على التمييز بين إهدار حقوق الإنسان وحماية الأوطان.

وبالتاريخ والجغرافيا.. وبأحداث الماضى ووقائع الحاضر تتميز العلاقات المصرية الفرنسية بأنها علاقات ممتدة وراسخة واستراتيجية، وفى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس ماكرون تعمقت سياسياً واقتصادياً منذ أول لقاء جمع الزعيمين فى العام 2017.

من هنا ولأسبابٍ عديدة ومتعددة فإن زيارة الرئيس الفرنسى ماكرون فى هذا التوقيت تحديداً لها أهمية خاصة، حيث تمر منطقة الشرق الأوسط بأحداث خطيرة تتشابك فيها الملفات والقضايا الساخنة من سوريا إلى ليبيا، مروراً بملفات التعاون الاقتصادى والأمنى والعسكرى، انتهاء إلى مجالى التعليم والثقافة حيث يشهد هذا العام تحديداً زخمًا ثقافيًا كبيراً فى مصر ستكون فرنسا صاحبة دورٍ مهمٍ فيه، فنحن أمام المراحل النهائية لإنشاء المتحف المصرى الكبير، ومدينة الفنون والثقافة فى العاصمة الإدارية الجديدة، ومدينة الثقافة بمدينة العلمين الجديدة، وتولى مصر اهتمامًا كبيرًا للتعاون الثقافى مع فرنسا لما له من امتداد تاريخى بهذه الملفات إضافة لملف الهجرة غير الشرعية، بعد أن قدمت فيه مصر نموذجاً يحتذى به إلى جانب تعزيز سبل مكافحة الإرهاب وهو الملف الذى تتطابق فيه وجهة نظر البلدين.

وقد تابعت التغطية الإعلامية العالمية التى تحظى بها الزيارة، حيث احتلت زيارة الرئيس الفرنسى بعض الأماكن الأثرية فى الأقصر كمعبد أبوسمبل والأهرامات بالجيزة والأماكن الأثرية فى القاهرة- مساحة واسعة حققت دعاية كبرى للسياحة المصرية فى موسم سياحى مهم، فضلاً عن لقاء الرئيس الفرنسى بالإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وزيارته مقر الكاتدرائية المرقسية فى العباسية والتقائه البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية.

كما تابعت المؤتمر الصحفى للزعيمين وتصريح الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بكل صراحة ووضوح: «أنا أحترم هذا البلد، وهذا الشعب، ولذلك اعتبرت أن حواراً مع حقوق الإنسان يتناسب تماماً مع أهدافنا المشتركة ومع الصداقة القائمة، ومصر تتفهم هذا». وقد رد الرئيس عبدالفتاح السيسى بقوله: «إن مؤسسات المجتمع المصرى تتضافر جهودها لتعزيز حقوق الإنسان»، مؤكدا أنه «يجب أن نتعامل مع قضايا حقوق الإنسان بشكل شامل» وهو موقف ثابت للرئيس السيسى قاله عام  2017، وها هو يكرره عام 2019؛ فمصر ليس لديها ما تخفيه أو تخشاه.

لقد شهد لقاء الرئيس السيسى مع نظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون، مناقشة عدد من الأزمات فى المنطقة، منها الملفان السورى والليبى؛ حيث تتقارب بل تتطابق وجهتا نظر البلدين بشأنهما، ودار حوار إيجابى بينهما حول الأوضاع الراهنة بمنطقة الشرق الأوسط.

كما أن جلسة المباحثات بين الرئيسين شهدت توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية المهمة، وأكد ماكرون على  النجاح الذى يسعى إليه الرئيس السيسى فى كافة المجالات الاقتصادية والفكرية والثقافية والاجتماعية.

ورغم علمى بالضغوط الكبيرة التى تعرض لها الرئيس الفرنسى لإثارة ملف حقوق الإنسان مع الرئيس السيسى ورفضى طرحه كونه لا يتفهم كافة جوانب هذا الملف الشائك إلا أننى أتفهم الموقف الصعب الذى يمر به الرئيس ماكرون على وقع مظاهرات السترات الصفراء التى تتواصل فى فرنسا منذ شهور.

ولهذا فإن ماكرون عندما تعرض لهذا الملف قال بصدق: «إن كلماتى نابعة من احترام كبير لسيادة مصر، وهى على مستوى تقديرنا واحترامنا لبعضنا البعض، فأنا لا أكون صديقاً صادقاً لمصر إذا لم أقل ما يجول ببالى، لأنى أعرف ما يميز مصر، وأعرف التحديات التى تواجهها، فأنا لا أقلل أبداً من شأن التحديات الأمنية التى تواجهها مصر، وإعادة بناء دولة وتطوير اقتصادها، وبالتالى أنا لا أملى أى درس وأنا أرى الجهود الجبارة التى تبذل».

وأشاد بحرية العبادة فى مصر وسعادته بزيارة العاصمة الإدارية، حيث افتتح الرئيس السيسى أكبر مسجدٍ وأكبر كنيسةٍ فى الشرق الأوسط بالتزامن مع أعياد الميلاد المجيد فى وقتٍ قياسى؛ ما يعد دليلاً على إعلاء قيم المواطنة فوق كل اعتبار، وهذه هى مصر الكبيرة التى تفتح ذراعيها للكبار.. بلد الأمن والأمان على مر العصور والأزمان.