جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: إبراهيم سعده.. سرادق محبة لا سرادق عزاء

-

كل البلاغات التى حركتها الأحقاد وجماعة الإخوان ضد «برنس الصحافة» الذى رحل تاركاً خلفة تراثاً مهنياً كبيراً وابنة وحيدة «نيفين» ورثت من رقيه ونبله الكثير- حسمها النائب العام بالحفظ.. ومع هذا ظل اسمه على قوائم الترقب والوصول وقد وقفت تحت قبة البرلمان كصحفى قبل أن أكون نائباً مطالباً بعودته إلى أرض الوطن الذى هو جدير بأن يدفن فيها كما عاش عليها مدافعاً عنها بسلاح الكلمة فى مواجهة كل من حاولوا الإضرار بها أو الإساءة إليها.

وفى أواخر فبراير الماضى، خاطب الكاتب الصحفى عبدالمحسن سلامة، نقيب الصحفيين، المستشار نبيل صادق، النائب العام، للسماح برفع اسم إبراهيم سعده من قوائم الترقب والوصول، والسماح له بدخول البلاد. ووصل الكاتب الكبير بالفعل إلى مطار القاهرة على متن طائرة طبية خاصة، وجرى نقله بسيارة إسعاف إلى مستشفى الصفا بالمهندسين.

الكاتب الكبير والأستاذ كما يطلق عليه تلاميذه وزملاؤه ظل حتى النهاية بمقاله «آخر عمود»، متربعًا على عرش الصحافة المصريّة لسنوات طويلة، بمهنيةٍ واقتدار، فقد عاصر فترات تاريخيّة طويلة مصرياً وعربياً، واعتزل عمله الصحفى بعد ثورة يناير فى العام 2011 ثم سافر إلى سويسرا التى منها بدأ رحلته العلمية، واستقر هناك لفترة طويلة، حتى تعرض لصراع طويل مع المرض وعاد إلى وطنه ليستكمل رحلة علاجه إلى أن توفاه الله مساء الأربعاء الماضى عن عمر يناهز 81 عاماً.

وما بين الميلاد فى 3 نوفمبر عام 1937 فى مدينة بورسعيد، وما بين الرحيل فى القاهرة ديسمبر 2019 كانت مسيرة حافلة كانت الصحافة عنوانها الأبرز، بل كانت الصحافة هى كل شىء فى حياته من مجلة المدرسة الثانوية، مع أصدقائه مصطفى شردى، وجلال عارف، وجلال سرحان إلى العمل بمجلة بورسعيد الأولى «الشاطئ»، وصولاً لمراسلة عدد من الصحف والمجلات القاهرية منها مجلة «الفن» ومجلة «سندباد» ومجلة «الجريمة».

بعد حصوله على الشهادة الثانوية سافر إبراهيم سعده إلى سويسرا، حيث درس الاقتصاد السياسى هناك وعاش 12 عامًا فى أوروبا. وقبل أن يعود إلى مصر كان قد تزوج وأصبح رب أسرة وظلت الصحافة هى شاغله الأكبر.

فى سويسرا أراد إبراهيم سعده العمل مراسلاً صحفياً لأى صحيفة مصرية، وخلال زيارة سريعة لمصر التقى صديقه مصطفى شردى الذى أصبح مديرًا لمكتب دار أخبار اليوم فى بورسعيد، وكان مصطفى شردى على علاقة طيبة بالأخوين على أمين ومصطفى أمين فعرض إبراهيم سعده على مصطفى شردى أن يعمل مراسلاً صحفياً لأخبار اليوم فى جنيف، وتحمس شردى للفكرة وحصل على وعد للقاء على أمين.

التقى إبراهيم سعده ومصطفى شردى بعلى أمين، وعرض إبراهيم سعده عليه تحقيقاً كان قد كتبه عن مشكلة الحاصلين على الثانوية وليست لهم أماكن فى الجامعات المصرية، فأُعجب به على أمين ووافق على تدريبه كمراسل صحفى فى جنيف بل من شدة إعجابه قام معهما إلى مكتب مصطفى أمين، وقال له عنه: «هذا الأستاذ قماشة ممتازة سنفصل منها صحفى كويس جدًا فى المستقبل»، وطلب منه مصطفى أمين أن يرسل لهم موضوعات ليتم نشرها فى مجلة «آخر ساعة» وصحيفة «أخبار اليوم» الأسبوعية، وصحيفة «الأخبار» اليومية وأن تكون موضوعاته عن الشباب.

وبالفعل ظل إبراهيم سعده يرسل التحقيقات والموضوعات إلى «أخبار اليوم»، وكان يتلقى رسائل خاصة من على ومصطفى أمين تحمل رأيهما فيما يقدمه من مواد وكانت كلها تحمل دروساً غاية فى الأهمية تعلم منها إبراهيم سعده الصحافة، وكان يتلقى منهما أيضاً برقيات تشجعه إذا قدم عملاً صحفياً متميزاً.

خبطة صحفية سياسية حولت مجرى حياته عندما طلب منه مصطفى أمين تغطية خبر لجوء جماعة النحلاوى سياسياً إلى سويسرا، وذلك بعد حدوث الانفصال بين مصر وسوريا، ونجح إبراهيم سعده فى اجتياز هذا الاختبار الصعب، والتقى بجماعة النحلاوى وحصل منهم على تفاصيل مثيرة عن مؤامرة الانفصال.

فى اليوم التالى صدر قرار تعيين إبراهيم سعده رسميًا فى «أخبار اليوم» اعتبارًا من 24 إبريل عام 1962 وأيضًا تم صرف مكافأة مالية كبيرة له تقديرًا على الخبطة الصحفية، وتوالت كتاباته شاهدة على الأستاذية والمهنية حتى اعتلى لسنوات طويلة عرش رئاسة مجلس إدارة ورئاسة تحرير أخبار اليوم ليجعل منها أهم صحيفة فى هذه الفترة بمقالاته القوية والصادمة التى جرّت عليه صراعات وخلافات مع المعارضة والحكومة على حد سواء عبر عموده الشهير الإضافى الذى كان يكتبه باسم «أنور وجدى» كأقوى عمود معارض فى الصحافة المصرية.

 رحل الأستاذ «برنس الصحافة المصرية» تاركاً خلفه تلاميذ ومحبين صحفيين وصحفيات التفوا حول نعشه وفى سرادق عزائه إلى جانب ابنته نيفين. وكان سرادق عزائه مثل كتاباته متفرداً، فقد تساوى إن لم يكن قد فاق عدد المعزيات من السيدات عدد الرجال فكان سرادق محبة وتقدير أكثر منه سرداق عزاء.. رحم الله إبراهيم سعده وألهم ابنته ومحبيه وتلاميذه من الصحفيين والصحفيات الصبر والسلوان.