جريدة النهار المصرية

مقالات

نصار عبد الله  (2)

حمدى البطران
-


عرفته منذ فترة طويلة شاعرا , يلقي شعره من منصة عالية بصوتٍ خافتٍ , في إحدي مؤتمرات الثقافة الجماهيرية , كان يتلو قصيدته الرائعة التي كتبها في الثمانينات , أثناء الحرب العراقية الإيرانية ، وربما لهذا السبب فسرها أحد الشراح  بأن صدام والخمينى صورة لتيس واحد ..كما فسرها ناقد آخر فى مقال نشر بجريدة الأخبار بأنها تصور الصراع بين حماس والليكود .المهم ان كل مواحد يفسرها علي راحته , وهي ميزة من تلك القصائد النادرة والساخرة والتي يمكن تأويلها لتنطبق علي اكثر من حاله خلاف السبب الأصلي الذي من أجله كتب شاعرنا قصيدته , وانا اقول انها ممكن ان تعبر عن طواغيث العصر في عالمنا العربي , ومنهم صدام حسين , لأنها كانت فعلا إرادة صدام حسين كحاكم ديكتاتور ان يحارب ايران , ثم يغزوا الكويت بعدها , ولم تكن رغبة كل العراقيين . كان الموقف أهاج مشاعر كل العرب ضد ما فعله صدام حسين , وكان منهم بالطبع شاعرنا , وفي غرفته في الفندق الذي يقيم فيه أكتملت معرفتنا به , وطلبنا منه أن يقرأ نفس القصيدة فقرأها بإحساس أكثر عمقا .
يوما ما    
وقف التيس يحدق فى المرآه    
فرأى التيس يحدق فى المرآه    
هز التيس الرأس.........    
فهز التيس الرأس.........    
ظن التيس بأن التيس الآخر يتحداه    
ثار وهب وسب أباه........    
فثار التيس وهب وسب أباه...    
نطح التيس التيس...........    
فانخلع القرن وشج الرأس....    
وقف التيس يحدق فى اللا شىء    
فرأى.. لا شىء............    
تمتم لا باس...............    
قد فر التيس الرعديد أمام التيس الصنديد    
لا باس....................    
حتى لو خلع القرن وشج الراس    
يا كل تيوس العصر..........    
هذا ثمن النصر..............    أليس هذا ما فعله التيس الأصغر عندما شاهد التيس الأكبر في المرأة وتحداه , فخلعت قرناه , وقد أثار موقف التيس الصغير الكثير من الجدل ,  عندما طرح شاعرنا قصيدته , ونفذ فكرته .
إن الشاعر المثير للجدل ..!
وفي إحدي مقالاته في صحيفة المصري اليوم , 20 يونيو 2014. بعنوان «أطفال الشوارع: واصفا حياتهم بالبؤس , فضلا عن خظورتهم علي المجتمع , وقال أن البرازيل كانت لديها مشكلة مشابهة . وقال إن البرازيل استخدمت اسلوبين , الأول : هو قتل اولاد الشوارع بأطلاق النار عليهم إينما وجدوهم , والثاني هو محاربة الفساد , وإستنكر في مقاله الأسلوب الأول , وقال إنه جريمة مكتملة الأركان . مما يعني عدم رضاه عنه .
وأضاف نصار في مقاله، أن السلطة القضائية -برغم بحور الدم- لم تقدم شرطيًا واحدًا للمحاكمة، وهكذا انتهت مشكلة أطفال الشوارع هناك، بل ويؤكد نصار أن البرازيل تحولت إلى دولة متقدمة، وقضت على الظاهرة بسبب توافر –إرادة الإصلاح- وإيجاد حلول لمشكلاتها المزمنة، مؤكدًا أن هذا هو الدرس الذي ينبغي أن يعيه كل من يحاول أن يتعلم شيئًا ما من التجربة البرازيلية.
وهو الأمر الذي جعله هدفا لسهام الجهال والمتملقين ومن تهمهم ظاهريا حقوق الإنسان , بينما هم منخرطون في مواقف سياسية يردون بها علي مقال الدكتور نصار الذي طرح فكره وعبر , وكانت اولي بالنقاش . ألم تقترح انديرا غاندا تعقيم الهنود لعدم الإنجاب , بل وظهر عندنا من يقول انها كانت تريد تعقيم المسلمين فقط , وهكذا تحولت فكرة الي سياسة وعنصرية بغيضة . وقام من الكتاب الأجلاء نحترمهم ونعتز بهم ،بتبرئته من سوء الفهم الذي فهمه أنصاف المتعلمين ومنهم  جمال الجمل ، مى عزام ، وأيضا الكاتب المكسكى خوان روميرو الذى ترجم المقال إلى اللغة الأسبانية ونشر دفاعا عن كاتبنا الدكتور نصار عبد الله  !!... 
ويري الدكتور نصار عبد الله أن الجو المحتقن الذى صاحب نشر المقال كان سببا فى إساءة فهمه ، 
وهو الأمر الذي استفذ الكاتب الكبير الدكتور جلال أمين أيضا , معتبرا أن تلك الحملة الضارية علي الدكتور نصار عبد الله , إنما جاءت من أنصاف المتعلمين , الذين لمم يقرءوا المقال جيدا , ولم يستوعبوه ,وكتب يوم 25/6/2014 في صحيفة المصري اليوم مقالا بعنوان "عن أخطار أنصاف المتعلمين" . يقول في مقدمته سمعنا منذ زمن طويل من يقول إن أنصاف المتعلمين أشد خطراً من الجهلة الذين لم يحرزوا أى نصيب من التعليم، وكنت أميل دائماً إلى تصديق هذا القول، دون أن أمعن التفكير فى أسبابه، الآن عرفت، فقد صادفت فى الأيام القليلة الماضية مثالاً صارخاً لما يلحقنا من ضرر من أنصاف المتعلمين، وقد أصاب هذا الضرر للأسف رجلاً كريماً وأستاذاً وأديباً موهوباً، ما كان أغناه عن هذا الذى حدث.
وقال الدكتور جلال أمين في نهايةمقاله مدافعا عن الدكتور نصار عبد الله : الرجل إذن يرفض رفضاً باتاً أن تطبق مصر الأسلوب الأول الذى أدانه إدانة مطلقة، ولكنه يحبذ الأخذ بالأسلوب الثانى، الذى يتمثل فى إجراءات عملية لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية. ففيم أخطأ الرجل بالضبط؟ من كان يمكن أن يخطر له أن تنهال التعليقات على المقال فى شبكة التواصل الاجتماعى وعلى صفحات الجرائد، وفى الحوارات التليفزيونية، تتهمه بأنه يدعو إلى قتل أطفال الشوارع فى مصر على الطريقة البرازيلية؟
أإلى هذا الحد بلغ بكتابنا ومعلقينا العجز عن الفهم؟ أم هو الانسياق وراء رأى بدا وكأنه رأى الكثيرين؟ أم هو رفض للاعتراف بإمكان أن يجتمع الخير والشر فى تجربة واحدة كالتجربة البرازيلية فى التعامل مع أولاد الشوارع؟ بل إنى من مطالعة التعليقات الواردة فى شبكة التواصل الاجتماعى، لاحظت أن كثيراً ممن عبروا عن ثورتهم ضد المقال عبروا فى الوقت نفسه عن مواقف معارضة لما حدث فى مصر فى 30 يونيو 2013. فهل الحقيقة هى أن الدافع إلى الاعتراض على المقال لا صلة له بالمقال نفسه، بل بموقف الكاتب فيما سبق، فى أمر مختلف تماماً عن موضوع المقال؟
الدكتور نصار عبد الله في مقالاته يكتب دائما عن الشخصيات التي تاثر بها , أو الشخصيات ألتي كان لها اثرا في التكوين الثقافي والمعرفي والفلسفي له ايضا . فكتب عن خالد محيي الدين , وكتب عن الدكتور عبد الله نصار , ومن زملاءه الدكتور طلعت أبو العزم ,والروائي مكاوي سعيد . غير ان مقالاته عن صديقه  غريب الأطوار ابن قرية العوامية مركز ساقلته بسوهاج , والذى يطلق عليه فى قريته «الضبع»، بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وجاء إلى القاهرة للمرة الأولى فى حياته،..حين جاء كان يؤمن بعدد من القناعات الغريبة الراسخة، فى مقدمتها أن ارتداء البيجاما هو نوع من الفجور!...اضحكني حد البكاء , وما حدث معه في شوراع القاهرة , والمؤتمر العام للا تحاد الاشتراكى بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية اقترح رئيس المؤتمر، وقد كان على الدين هلال إن لم تخنى الذاكرة، إرسال برقية تأييد إلى الرئيس جمال عبدالناصر... وهنا رفع أحمد راشد يده قائلا إنه يعترض على التأييد.. 
أعادنا مقال الدكتور نصار عن صديقه الي تلك الفكار التي يخرج بها بعض أبناء الصعيد وتكون مثارا للضحك والترفيه . وكثيرون لاتسعفني الذاكرة في الحديث عنهم, يحتاجون لكتاب  . وما لفت نظري أيضا ما كتبه عن الكاتب المسرحي علي سالم  الذي أثار الجدل بزيارته لأسرائيل في الثمانينات , قال إن خلافنا السياسى الشديد مع على سالم، ورفضنا القاطع لزيارته المشئومة للكيان الإسرائيلى العنصرى الغاصب، لا ينبغى أن ينسينا لحظة واحدة أنه مبدع موهوب نادر الموهبة.وكاتب رائع . وأنه مجتهد أخطأ، حتى ولو لم يعترف بالخطأ، وظل حتى آخر لحظة فى حياته يدافع عما فعل!.. بعيدًا عن السياسة (وعلى المستوى الإنسانى الخالص فإن على سالم قصة نادرة من قصص الكفاح.وقتها هاجموه بدعوي ان ما كتبه كان تحريضا على الكراهية والقتل، مطالبين الجريدة بعدم التعامل مع الكاتب.
تحية خالصة للدكتور نصار عبد الله . الذي أود اود أن افتتح به كتابا جديدا , عن هؤلاء العظماء الذين أهملتهم ثقافتنا العنصرية .