جريدة النهار المصرية

مقالات

العنف السلوكى اتجاه العانس

عائشة بكير
-


 بقلم :عائشة بكير 

العانس هو تلك المسمى الذى يطلق على المرأة التى لم تتزوج أو تأخر سن الزواج لديها،  و هو لفظ  ذميم به الكثير من معانى الإتهام والتحقير والتصغير لشأن تلك المرأة ,التي من الممكن أن نطلق عليها لفظ عازبة فهو أفضل بكثير من كلمة عانس التي بها الكثير من إيحاءات غير مرضية بالمرة والكلمة نفسها تحمل الكثير من الدلالات في مصر والمنطقة العربية , هذا يعد من أشد أنواع العنف المعنوي الذي يمارسه المجتمع ضد المرأة,  ونجد من يقسم المجتمع إلى رجل وامرأة وعانس كما لو كانت العانس جنس ثالث وليست من جنس المرأة. 
 والعزباء المصرية بالخصوص مخلوق له خصائص مميزة يطلقها عليها المجتمع وقتما تلتصق بها هذه الصفة ,  ينظر إليها المجتمع بعين الشفقة حينا والسخرية والخوف منها حينا أخر, والشفقة تتمثل فى حالها البائس الذي جعل قطار الزواج يفوتها , ويتمثل الخوف منها على أنها في نظر الجميع شخصية معادية للمجتمع تتلذذ بالحاق الأذى بمن حولها, و ذات عين حاسدة, وقلب حاقد, ورغبة مدمرة في إيذاء الآخرين الذين حازوا على وسام الزواج , وانتصروا في معركة الاقتران الدائم , وكل هذا وصف للشخصية السيكوباتية  فقد تحولت إلى مريضة نفسية على أيدى المجتمع , والسخرية  تكمن فى النظر إلى ضيق عقلها أو تخلفها عن ركب الزواج أو الإيقاع بعريس أياً ما كان من باب ضل راجل ولا ضل حطة.
وكل هذه التصورات تضع المرأة العزباء  فى سجن وقفصاً تسجن فيه مهماً  وصلت إلى أعلى المراتب  العلمية والمهنية  فى حياتها, ووجب عليها أن تتحرك في إطار القفص الضيق الذي تمثلت قضبانه بالعيون المشفقة والخائفة والفضولية والساخرة  التي تتهمها على الدوام  بالتقصير, وأنها تخاصم الجمال  أو أنها شخص غير مرغوب فيه , وهذا ما جعل  العرسان  تفر منها طبقاً للمورث الشعبى القائل لو كان فيها الخير ما كان رماها الطير, ولا يتسائل  المشفقون والخائفون والساخرون , أنفسهم  سؤال , لما لا  نعتبر المرأة العزباء  ضحية لحظة صدق مع النفس اختارت فيها بين الرضوخ لرغبات الزبون  وأقصد بذلك العريس وبين احترامها لنفسها , ففضلت الاختيار الثاني فالكثير من العازبات آنسات عوانس بإرادتهن , ولكن عندما اتخذن القرار اتخذنه في البداية عن اقتناع ولكن رويداً عندما بدات أن تظهر عليهن تجاعيد الزمن والناس قررن الانسحاب لأن المجتمع أصابهن ومن المؤكد أيها القارئ العزيز أن يتبدر إلى عقلك هذا السؤال ,  دائما ما نتكلم عن العزباء فلماذا لا نتكلم عن العازب ؟
 ببساطة لأن المجتمع ينظر الى العزباء ويعاقبها  ويتسامح مع العازب , وذلك من باب العرف والتقاليد  التى منحت الرجل حقاً في  الاختيار والطلب والبحث وسلبت من المرأة المهلة الممنوحة لها وحق الاختيار  بامتداد العمر كله منذ سنوات النضج حتى الشيخوخة ,  هو يبحث فيها كيفما يشاء ووقت أن يأتي له مزاجه أو تطبق في دماغه يرتبط , أما المرأة فلها  صلاحية محددة ومعينة فقد ختمها المجتمع بختم الشركة المنتجة  أو المصدره, وإذا ما تجوزت المرأة  مدة الصلاحية  و انتهت صلاحيتها تهاجم حياتها من قبل المحيطين بها, وتقلب حياته رأساً على عقب باسم التقاليد.
فما مدى أهمية ما يجعلنا نتعرض لقضية العزباء وليس العازب , هى تلك النظرة المختلفة للطرفين , فالرجل عندما يقول سوف أحقق ذاتي  ومستقبلى وبعدها أتزوج , ودائما ما نسمع هذه الجملة التى يرددها االشباب بأكون نفسي , أما الفتاة  المصرية أو العربية تقول أن الزواج هو تحقيق للذات  لأن المجتمع فرض عليها أن الزواج هو تحقق الذات وليس العمل من باب الزواج ستراً وغطاء.
 ولكن النظرة في الغرب مختلفة  كل الاختلاف فالزواج في الغرب للمرأة هو لجوء للحب والتفاهم والإحساس بالأمان , ولكن عندنا هو هروب من كلمة عانس واعترافاً بسيادة الرجل المطلقة على ساحة الحياة ,  وإذا نظرنا  بشكل سريع على المورث الشعبي من الأمثلة نجد ذلك الخوف منتشر ومؤثر بشكل مفزع  ويعطى الرجل حق التسلط والسيادة فنقول مثلا, جاهل يعولني ولا عاقل أعوله , الراجل رحمه لو كان فحمه, زوجة من عود خير من قعود .
, اخطب لبنتك وما تخطبش لابنك  , التوهة وسّخت في ذقن أبوها...... إلخ.  التوهة كناية عن البنت 
كل ذلك وهناك الكثير  والكثير فهذا غيض من فيض  يجعل الفتاة منذ أن تولد وهى هم , وتحمل أثم أنوثتها  حتى تتزوج, ومع الأسف الشديد ليس له حق الاختيار أو حتى  المبادرة, لأنها ليست في يدها, ومسلسل العنوسة طويل وممتد بطول وامتداد الحياة البشرية نفسها,  وقد قيل أنه تم العثور على بعض الأثار فى بابل مكتوب عليها تلك الكلمات منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام الفتاة التي تتزوج نملة أفضل من الفتاة التي تحيا وتموت وعلى قبرها كلمة عانس .
 وفى  بلاد فارس فلم تكن الدولة تشجع الفتيات على البقاء عذارى, ولذلك سنت قانوناً عرفيا خاص بقانون الزواج الإجباري, والذي بموجبه أرغم كل عازب على الاقتران لدى بلوغه سناً معينة شاء أو رفض عن طريق لجنة تقوم بجمع الفتيات البالغات في كل سنة , وتدعو الشباب لاختيار عرائسهم بعد تقسيم الفتيات إلى ثلاث أصناف : الجميلة والمتوسطة والقبيحة , ثم تقسم بالتالي كل فئة إلى متعلمة وجاهلة , ثم تقف الفتيات في صفوف وتعرض على الشبان وفق الشروط والتصفيات , وكانت الأسعار وقتها متهاودة , فالجميلة المتعلمة ثمنها ألف دينار يدفعها طالبها إلى اللجنة , أما الجميلة الجاهلة فخمسمائة دينار , وهكذا حتى نصل إلى ذيل القائمة حيث القبيحة الجاهلة والتي يبلغ ثمنها ألف دينار مع مراعاة أن من يدفع هذه المرة هو اللجنة نفسها , وأعتقد أن هذا التقسيم قد انتقلت عدواه من فارس إلى مجتمعنا , ولكن الفرق أنهم قديماً كانوا صرحاء في التصنيف , أما الآن فنحن نصنف ونسعر أيضاً وكأننا في مزاد ولكنه مزاد سري , أما عشائر الأزتك وهم السكان الأصليون للمكسيك فكانت تقاليدهم تقضي بوجوب زواج الفتاة قبل سن الثامنة عشرة, ومن تحيد أو تخرج عن هذا التقليد يتم حلاقة شعرها دلالة على مهانتها , أما عند بعض طوائف الهنود فكان كبارهم يفرضون على من لم يزوج ابنته بعد بلوغها الثانية عشرة من عمرها أن يشرب إفراز حيضها شهراً بعد شهر , ويتوقف فقط عند زواجها , وبالطبع كان الرجال يسارعون بتزويج بناتهم بمنتهى السرعة , أما أغرب حكايات العنوسة فهي العنوسة الجماعية التي يحكيها لنا شعراء اليونان عن شعب كله من الإناث كان يعيش على البحر الأسود ويسمى شعب الأمازون تحكمه ملكة ويحمى بلاده جيش النساء , يركبن الخيل ويضربن بالسيف , ولا تنقطع غاراتهم عن الجيران , وهن لا يسمحن لرجل بأن يقيم في مملكتهن , ولكنهن وحفاظاً على بقائهن كن يهاجرن أفواجاً في كل عام ويتصلن برجال الأمم الأخرى ثم يلدن فيقتلن الذكور ويستبقين الإناث