جريدة النهار المصرية

مقالات

نظرة الدين وعلم النفس للحكم على السلوك

عائشة بكير
-


بقلم : عائشة بكير 


النظرة الدينية والنفسية للحكم على السلوك كونه سويًّا أو غير سوي ترجع إلى مقاييس وسمات السلوك كما ذكرنا سلفًا، ويبقى لنا شيء مهم، هو المعيار الذي يوزن ويقاس به الأمر، فالمعيار عن أهل الفلسفة هو متحقق أو متصوَّر لما ينبغي أن يكون عليه الشيء، وهي العلوم التي يطلق عليه لفظ «معيارية»، مثل المنطق والأخلاق والجمال.
معايير الحكم على السلوك من حيث كونه سويًّا وغير سوي في ضوء علم النفس والإسلام
قبل أن نتكلم عن معايير السلوك السوي وغير السوي، لا بد أن نميِّز بينهما؛ فالسلوك السوي Beho viaur Normal هو السلوك العادي والمألوف والغالب على سلوك السواد الأعظم من بني البشر، والشخص السوي هو الذي يتطابق سلوكه وسلوك الشخص العادي.
أمَّا السلوك غير السوي فهو المنحرف عن السلوك العادي؛ حيث يشذ الفرد غير السوي في أفكاره ومشاعره ونشاطه، ويكون غير متوافق مع ذاته والآخرين؛ فقد تصدر منه تصرفات شاذة عمَّا هو مألوف وسائد في المجتمع.
خصائص السلوك السوي
1)العلاقة السوية مع الذات:
بمعنى أن يفهم المرء ذاته ويتقبلها ويعمل جاهدًا على تطويرها والارتقاء بها، أما فهم الإنسان لذاته فيعني معرفتها وفهمه لها فهمًا أقرب إلى الواقع فلا يغالي في تضخيم قدراته وإمكاناته إلى الحد الذي يعجز به عن تحقيق أهدافه وطموحاته فيصاب بالضيق والاستياء والكدر والكرب؛ لأنَّ الأهداف التي وضعها لنفسه تفوق مستوى قدراته، وكذلك لا يقلل من قيمتها فيضع لها أهدافًا متواضعة أقل من تلك القدرات والإمكانات التي يتمتع بها فيصاب أيضًا بالاستياء والضيق.
أمّا تقبل الفرد لذاته فيعني تقبل الفرد لها بكل جوانبها السلبية والإيجابية، كما يعني عدم كرهه لها وسخطه عليها ورفضها؛ لأنّ رفض الذات وكراهيتها سيؤديان في النهاية إلى فشل الفرد وعجزه عن تقبُّل الآخرين تقبلًا حقيقيًّا، وليس معنى ذلك ألا ينتقد الفرد ذاته ويحاسبها ويعمل على تقييم سلوكه باستمرار؛ فنقد الفرد لذاته وتقييمه لسلوكه ومحاسبة نفسه باستمرار هو أساس الصحة النفسية والسلوك السوي.
بينما يعني تطوير الذات محاولة الفرد المستمرة للارتقاء بالذات وإنمائها والعمل على تحسينها، وهذا لا يتم إلا بتأكيد جوانب القوة فيها وتدعيمها وتطويرها والعمل على التغلب على جوانب الضعف والتخلص من العيوب والتقليل من أثرها؛ فتقبل الذات بداية لتطويرها والارتقاء بها؛ لأن من يرفض ذاته لن يحاول تطويرها وتحسينها والارتقاء بها ومن ثم يعتبر شخصًا غير سوي.
2)المرونة Flexibility:
وتعني القدرة على التغيير المطلوب وتعديل السلوك والاستجابة للمواقف المتغيرة والتلاؤم معها؛ فالشخص الذي لا يستطيع تغيير آرائه واتجاهاته وسلوكه عندما لا تكون غير مناسبة يعتبر شخصًا جامدًا؛ لأنّ مثل هذا الشخص لا يتقبل أي تغيير يطرأ على حياته، وهذا يؤدي إلى اختلال توافقه، سواء مع ذاته أو مع الآخرين.
3)الواقعية: 
وتعني التعامل مع حقائق الواقع؛ فالشخص الذي يحدد أهدافه في الحياة وتطلعاته للمستقبل، على أساس إمكاناته الفعلية والمدى الذي يمكن أن يصل إليه باستعداداته الخاصة شخص سوي متوافق؛ لأنّه سعى إلى تقبل حدوده وتحسين نفسه في اتجاه جوانب القدرة فيهم، أما الشخص سيئ التوافق فقد يعتبر نفسه ضحية للواقع الخاطئ؛ فيشعر بالأسى لذلك من نفسه أو يلوم نفسه والآخرين على الظروف غير المناسبة.
4)الشعور بالأمن:
إن الشعور بالأمن والطمأنينة سمة أساسية يتسم بها الشخص السوي، وليس معنى ذلك ألَّا يتعرض للقلق والخوف والكدر، ولا يخبر الصراع، بل إنه ينتابه القلق والتوتر عندما يتعرض لمثيراته، ويخاف إذا تهدد أمنه، ويتعرض للصراع النفسي إذا واجه بعض مواقف الاختيار من بين أهداف متصارعة، أما الخوف والقلق والاضطراب الانفعالي فهي سمات يتسم بها الشخص غير السوي؛ فهو يعاني قلقًا دائمًا، وتتحكم فيه مخاوف وتنتابه وساوس، وتستبد به مشاعر وأفكار تسلطية ويشعر بالدونية والنقص.
5)التوجه الصحيح: 
يختلف توجه الشخص السوي عن توجه الشخص غير السوي في مواجهة المشكلة التي قد يتعرض لها أحدهما؛ فالشخص السوي يفكر جيدًا فيها ويحدد عناصرها ويقترح الحلول التي يتوقع أنها كفيلة لحلها؛ فهو يركز على لب المشكلة ويواجهها مواجهة صريحة، وقد يعلن فشله إذا لم يتمكَّن من حلها، أما الشخص غير السوي الذي لا يقوى على الاتجاه إلى المشكلة مباشرة متهربًا من الاقتراب منها وعدم القدرة على اقتحامها، بل الدوران حولها والنظر إليها من بعيد، ومثل هذا الشخص يبدد طاقاته في مسالك لا يجني من ورائها شيئًا، فهو يقنع نفسه فقط.
6) التناسب: 
ويعني أن يكون هناك تناسب بين انفعالات الفرد وطبيعة المثير الذي أدى إلى حدوث ذلك الانفعال، فلا تكون انفعالات الفرد كالحزن والسرور وطبيعة المثير، ولا تكون خافتة باردة بدرجة كبيرة عن طبيعة المثير، فيبقى معها الفرد متبلد الأحاسيس والمشاعر بلا حمية، وهذا التناسب يعكسه سلوك الشخص السوي، بينما عدم التناسب سمة يتسم بها السلوك غير السوي .
وبذلك يجب على الرجل أنْ يتصالح مع ذاته ويرتقي بها، وأنْ يكون لديه من المرونة ما يسهل عليه تقبل الأوضاع المتغيرة التي تطرأ عليه حتى لا يشعر بالخلل وأيضًا يتميز بالواقعية والتعامل مع أي حقيقة تُذكر، وأن يكون على دراية بما يستطيع فعله وبما لا يستطيع حتى لا يشعر بالانهزام حيال أي فشل؛ قد يؤدي إلى ضعفه في ناحية من النواحي الحياتية  بشكل عام، عليك - أيها الرجل - أن تشعر بالأمان والاطمئنان نحو ما يحدث لك، فهناك الكثير غيرك يمر بما تمر أنت به وعليك مواجهة قلقك لا الفرار منه وأن توجِّه طاقتك لما ينفعك لا لما يضرك، ومواجهة مشكلك في محاولة لحلها بأبسط الطرق والتركيز على أهم النقاط التي تصل بك إلى بر الأمان في سفينة الحياة، والأهم التحكم في رد الفعل لما ينبغي أن يكون، لا هو رد الفعل السريع ولا هو رد الفعل البطيء، لا إفراط ولا تفريط، الوسطية في الأمور، فنحن أمة تتصف بذلك، قال تعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» (البقرة: 143).