جريدة النهار المصرية

مقالات

المرأة وكيس الرمل

الكاتبة عائشة بكير
-

 

بقلم : عائشة بكير

«اكسر للبنت ضلع يطلع لها ضلعين، وضرب الحبيب زى أكل الزبيب».. هذه الشعارات وغيرها هى ما يستند إليه ويختبئ وراءه معظم الرجال الذين يضربون زوجاتهم، والمصيبة أن هذه الأمثال الشعبية ليست صناعة مصرية خالصة، وإنما هى سوق عربية مشتركة، فهناك أيضا من تعبيرات وأمثال  أهل الشام، المرأة مثل السجادة ما بتنضف إلا بالخبط، والمرأة مثل الزيتون ما بتحلى إلا بالرص أى (بالضرب)، والمرأة كل ما بهدلتها حبتك وكل ما دلتها سبتك، والمرأة فشة خلق أى (متنفس للكبت).

ولأن المرأة فشة خلق كما تقول الأمثال فهى كمثل كيس الرمل الذى يعلقه أصحاب العمل اليابانيون على بعض أبواب شركاتهم ليضربه الموظفون فى الصباح ويفشوا غلهم فيه فينتهى توترهم ويبدأوا يوماً جديداً بهمة ونشاط،  ولأن من المسموح للرجل أن يكون بالون غضب، من الممنوع على المراة أن تقترب من هذا البالون إلا كدبوس لتخفيف توتره، والتساؤل الذى يفرض نفسه هو: هل الزواج تحول إلى ساحة مصارعة أو حلبة ملاكمة؟، والإجابة فى كثير من الأحيان نعم .

 ذلك ما تؤكده هذه الأرقام المأساوية المفزعة التى تؤكد أن واحدة من كل ثلاث نساء مصريات متزوجات تتعرض للضرب مرة واحدة على الأقل منذ زواجها، و42 فى المائة إلى 46 فى المائة من النساء المتزوجات الأميات أو الحاصلات على تعليم ابتدائى يتعرضن للضرب خلال حياتها الزوجية، 14 فى المائة من الحاصلات على درجات تعليمية أعلى بما فى ذلك التعليم الجامعى وما فوق الجامعى يتعرضن للضرب فى حياتهن الزوجية (د. ماجدة عدلى مركز النديم).

وفى بحث ميدانى آخر يدل على مدى انتشار الضرب لدرجة الوباء تبين أن 83 فى المائة من نساء عينة البحث و94 فى المائة من الرجال أفادوا بأنهم يعرفون أسرا تضرب فيها النساء الزوجات والأمهات والأخوات (مركز دراسات المرأة الجديدة).

 كما بين بحث أجراه المجلس القومى للسكان فى مصر أن 35 فى المائة من المصريات تعرضن للضرب من قبل أزواجهن على الأقل مرة واحدة وأن حملهن لم يعفهن من العقوبة وهذه الإحصائيات غالبا أقل من الحقيقة .

وذلك لأن المرأة تدارى وتخفى وتبلع إهانتها رافعة الشعار المخادع الذى تمر من خلاله بوابته كل الإهانات «بلاش نهد البيت وخلينا نربى العيال»، وهى كلمة حق يراد بها أباطيل كثيرة أهمها تسويغ وتبرير ضربها وإهانتها المستمرة أمام الناس وأمام أطفالها والأهم أمام نفسها التى تتعود الإهانة حتى تدمنها، فيضاف الخراب النفسى الى التدمير الجسدى.

المرأة ضحية الموروث الشعبى الذى جعل منها عروسة للفضفضة يخرج به الرجل غله وتوتره كى يستريح، يا له من موروث متخلف صنع من الرجل هالة من الجبروت وجعل من المرأة مخلوقا ضعيفا قليل الحيلة ما عليها سوى أن تكون أنبوبة اختبار لتفريغ ما بداخل الرجل من ضغوط نفسية وعصبية، وإخراج عقده على الأنثى بشكل عام سواء زوجة أو أختا وفى بعض الأحيان الأم، أختا يتم الاستلاء على ميراثها وضربها كى ترضى وتخاف من أن تطالب بما كفله لها الشرع والدين من حقوق، وأم تضرب كى يتم الاستيلاء على مالها أو كى يرضى زوجته وكل ذلك كى يتم تحويلها إلى كائن لا شعور له ولا إحساس ولا متنفس لها، وهى أيضا تقنع نفسها بذلك قائلة أنا مثل الأخريات، ولا أفرق عنهن فى شىء كلنا فى الهم سواء وهذا ليس بصحيح بل هى مجرد عبارات رنانة تقنع بها نفسها كى تجعل من الإهانة والضرب مجرد شىء اعتيادى وارد لدى جميع النساء وتحويل الهزيمة النفسية والجسدية إلى لغة تصبير، وهى بذلك تدمر أبناءها ونفسها لأنها بهذا الفعل تصنع جيلا من الأبناء من أهم سماته الضعف والاستسلام والخنوع لما هو واقع لهم من بطش لا حيلة لهم فيه إلا أنه مجرد شىء وراثى لا يمت للواقع أو الشرع بأى صلة تذكر، فقد قال الله تعالى فى كتابه العزيز (وعاشروهن بالمعروف) النساء: 19، وقال أيضاً (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) الروم : 21، أين نحن من نور هذه الايات وتجلياتها؟