جريدة النهار المصرية

مقالات

عودة للصعيد 

اللواء : حمدى البطران
-

بقلم : حمدى البطران 

ربما لا يعرف الكثير أن الواقع في الصعيد يختلف تماما عما يشاهدونه علي الشاشة من كتابات ودراما محمد صفاء عامر او مجدي صابر . لقد أظهرت تلك المسلسلات أن الرجل الصعيدي مسالم , يرضي بالقليل , ولا يميل الي إغضاب السلطة , فضلا عن قبوله ورضاه بالخنوع . 

مما لا شك فيه أنه طوال ثلاثين عاما الماضية خضع فيها الصعيد لتجارب سياسية فاشلة, أفرزت واقعا تسوده العصبية , ومن تلك التجارب تجربة الحزب الوطني التي كرست نفوذ عائلات وقبائل بذاتها في الصعيد . وتم تنحية طبقة كاملة من أوساط الناس وبسطائهم لصالح تلك العائلات السياسية . وسادت ثقافة العصبية , وذلك مقابل إحتفاظ الحزب الوطني بهذا الواقع القبلي المرير . 

وكان من نتيجة ذلك أن عائلات بعينها أصبحت تهيمن برجالها وسيداتها علي كل مقاعد التمثيل البرلماني والمجالس المحلية , بل وعدد من الوظائف المرموقة , وظلت تلك الهيمنه لفترات طويلة , إبتعد فيها بسطاء الناس عن تلك المجالس والوظائف . 

كانت النخب المختارة من الشخصيات الصعيدية التي أفرزتها سياسة القبلية تلك , هي التي إقتربت من القيادة السياسية , وكان لها حق عرض قضايا ومشكلات الصعيد , وكانت تلك النخب تخشي الحديث عن الواقع المأسوي الذي يعيش فيه أهل الصعيد , وربما كان لا يعنيها ذلك . 

أدي هذا الي أن مطالب تلك العائلات من القيادة السياسية إنحصرت في تعيين ابنائها في الوظائف العالية , وتعيين الموالين لهم في الوظائف الأدني , وأهملت تماما مطالب التنمية المستديمة . 

ولم يعد غريبا أن تري عائلات بعينها تهيمن علي الوظائف المرموقة والحساسة سواء في القضاء أو الشرطة وشركات البترول والأسمنت . وأصبحت لهم أيضا مخصصات من أراضي الدولة ومساكنها . 

وأهملت الدولة الصعيد إهمالا تاما. 

ظهر هذا جليا في الطريقة التي عولجت بها كوارث الصعيد الكبري , سواء في معالجتها لكارثة السيول التي إجتاحت الصعيد في مطلع التسعينات , أو كوارث القطارات , والطوارث اليومية التي أبتلي أهل الصعيد من القاطنون حول الطرق السريعة . 

ولن ينسي أهل الصعيد وقوف رجاله أياما عديدة أمام مشرحة زينهم في القاهرة , في إنتظار استلام أشلاء أبناءهم في المشرحة , والتي سلمت لهم في أكياس بطريقة كانت بالغة القسوة , ولم يتحرك وقتها أحد من مسئولي حكومة الدكتور عبيد لعمل فعل إيجابي يرضي هؤلاء المنتظرين , ويخفف عنهم مآسيهم , أما عن التعويضات التي أعطيت لهم فكانت ضئيلة , لقد دفعت الحكومة وقتئذ ثمنا زهيدا مقابل أرواح غالية من أبناء أهل الصعيد . 

أعداد هائلة من أهل الصعيد يقيمون في قري بلغ الفقر فيها منتهاه , ولا يقل الفقر فيها ضراوة عن عشوائيات القاهرة والجيزة . 

لأجل زاد الفقر في الصعيد عن الحدود المسموح بها عالميا , ولم يعد لفقراء الصعيد إلا انتظار المعونات البسيطة التي تجود بها الجمعيات الخيرية التي ينشئها كبار الأغنياء , وبعض المؤسسات الخيرية , وبنك الطعام , ومعونات أهل البر والتقوي , وتهافت فقراء الصعيد علي تلك المعونات بطريقة كانت تنم عن معاناة هائلة لفقر من نوع غريب . 

البنية التحتية في الصعيد لاتزال كما هي , لم تصل إليها التنمية .

الطرق والمواصلات والنقل والصرف الصحي والإسكان . 

الطرق والمواصلات والنقل والصرف الصحي والإسكان . وهي العوامل التي تسبب الاستقرار للإنسان في موطنه فضلا عن دورها في التنمية وتحقيق الاستثمار . 

تلاشت تماما من الصعيد المواصلات المريحة , أو الباصات المكيفة , وحل محلها نوع من السيارات المخصصة لنقل البضائع بعد تجهيز صندوقها الخلفي بمقاعد يتكدس فيها الناس بلا رقيب , أما عن مملكة الميكروباس في في الصعيد أشد ضراوية , قالمقعد الذي يتسع لثلاثة أشخاص يحشر فيه أربعة .