جريدة النهار المصرية

ثقافة

نادية عبدالحليم .. قلم يبحث عن التفرد ويغرد خارج السرب 

مدحت شنن
-

 

*بقلم :مدحت محمد شنن

 

ظلت ومازالت تبحث عن الحقيقة وتتحرى الدقة , تضع نصب أعينها مسئولية الرسالة الإعلامية الصادقة لا يحركها إلا ضميرها المهني , الذي رفض المزايدة والابتذال والإثارة المتعمدة , فلم تتاجر بقلمها وبقيت بعيدة عن إثارة الفتن والنعرات العرقية وكل ما ينخر في جسد الوطن الذي لم يزل يقاوم وتحيط به الأخطار , وبقى سر المهنة المقدس قائما في ضميرها الواعي المقدر لمسؤوليات جسام رغم أحداث حبلى بالكوارث وظروف تمر بها المهنة جافية كالأرض الوعرة .

إنها الكاتبة – بالأهرام العريقة - المبدعة نادية عبدالحليم . موهبة وكفاءة حقيقية عصية على المسخ , تمتلك قلما يمطر فيضا من المعارف والثقافات المتعددة , عكست قدرتها على تشخيص الأحداث ومعرفة التطورات بمنتهى المصداقية والحيادية والتجرد .

وما أدهشني كقارئ متابع لها , اختيارها لموضوعات متباينة الرؤى , فتارة نجدها مشغولة بهموم الوطن , فتكتب عن الحرب العالمية الثالثة وثورات الربيع العربي , والحروب الأهلية التي تدار بالوكالة لتدمير المنطقة , وتارة نجدها تقتحم كهف الإرهاب بجرأة وتقاوم الفساد والجهل والانقسام باعتبارهم اخطر التحديات التي تواجه الوطن , وتارة تكتب عن حضارة أذهلت العالم وتضع حلولا لتلافى سلبيات طفت على السطح , وتكتب عن الفن والإبداع , ثم تخترق طبقات لا نسمع عنها إلا في الدراما , فتذهب إلى أدغال الصعيد وقرى مصر النائية وتكتب عن أناس افترسهم الألم وصرعهم النسيان , وتبحث عن الموهبة في كل مكان فتقدم يد العون لكل إبداع ليجد لنفسه مكانا تحت الشمس , وكلى فخر أنني كنت واحدا من هؤلاء أسكن المجهول .

ظلت بمبادئها عصية على الابتذال صامدة أمام الإسفاف والسطحية والوصولية والنفعية وكل المعاني التي شوهت ثوب الإنسانية وأزالت فوارق الطبقات بين البشر والحيوان . لكنها بقيت وردة فيها من طبع الغصن , غصن الأهرام العريق الضارب بجذوره في أعماق التاريخ , فحافظت على عذرية قلمها في زمن سقطت فيه الحواجز واقتحم الدهماء كل شيء , ولم تبالي بمن خدرهم إبليس فاستسلموا وباعوا مبادئهم وصاروا ينفخون في كلماتهم كالفقاعات التي إذا تحسسناها صارت فارغة بلا معنى , جوفاء بلا صوت , فتاريخ الإنسان صدى خفقات القلب الملهم لا تاريخ المؤامرات السوداء وعناقيد الشر .

لذا فأنا لا أمدحها بكلمات تذهب في الريح لان أفعالها تمدحها , وأرشيفها الصحفي يمدحها وحتما سيمدحها وينصفها التاريخ لأنها لم تتسلل لمكان أو كرسي كشحاذ يلتف بأسمال مهترئة ... كل ما في الأمر أنني بكلماتي ألقى الضوء على قيمة وقامة تمثل لكثير منا مثلا وقدوة في زمن ندرت فيه القيمة وصار القبح سيدا للموقف ..

يا سادة الصحافة في كل مكان ...

إذا فاض الألم تداعت الفضيلة , فامنحوا الأكفاء ضياءا حتى يعطوا لبلدنا الدفء .

*محامي وروائي مصري

الحاصل على درع نادي القصة للعام2017