جريدة النهار المصرية

مقالات

متاهة قانونية وترقب شعبى

شعبان خليفة
-

من جديد عادت إلى الواجهة قضية جزيرتى "تيران وصنافير" وذلك على خلفية حكم مثير للجدل لمحكمة الأمور المستعجلة تؤيد فيه الاستمرار فى تنفيذ اتفاقية "تيران وصنافير" وانعدام أثر حكم القضاء الإدارى القاضى ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المشتركة بين مصر والمملكة العربية السعودية الموقعة فى شهر إبريل الماضى والمتضمنة نقل تبعية جزيرتى تيران وصنافير إلى السعودية.

وأمرت المحكمة  فى مفأجاة من العيار الثقيل بالاستمرار فى تنفيذ الاتفاقية وذلك فى الدعوى المقامة من أحد المحامين بهذا الشأن والتى طالب فيها بإسقاط أسباب حكم المحكمة الإدارية العليا ببطلان اتفاقية "تيران وصنافير" واستمرار العمل بالاتفاقية.

من جانبه وفى رد فعل سريع أقام خالد على المحامى الطعن رقم ٣٩٨٠٦ لسنة ٧١ ق أمام القضاء الإدارى للحكم بعدم الاعتداد بأحكام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة فى شأن جزيرتى تيران وصنافير لتشهد القضية سجالاً كبيراً عما ستئول إليه وهل سيناقشها البرلمان أم لا؟ وقد شهدت الأيام الماضية مفاجآت أخرى فى القضية منها كشف المخابرات الأمريكية وثائق كانت سرية عن السيادة على هذه الجزر تعود للخمسينيات من القرن الماضى.. تطورات هذه القضية نتناولها فى السطور التالية: 

تيران وصنافير فى وثائق المخابرات الأمريكية

فى مفاجأة وثيقة الصلة بنزاع جزيرتى تيران وصنافير، كشفت وثائق المخابرات المركزية الأمريكية التى جرى رفع السرية عنها ونشرها موقع الـ“سى آى إيه” عن أن السيادة على الجزر محل نزاع وستبقى هكذا حتى يتم حسمها بالتحكيم الدولى فقد تضمنت وثيقة حملت عنوان “دعاوى السيادة فى خليج العقبة”، وتحمل رقم00979A0001001004-CIA-RDP79، وصادرة فى25 فبراير 1957، أنه لا يوجد توثيق قانونى قاطع فى تبعية جزيرتى تيران وصنافير منذ سقوط الدولة العثمانية وحتى 1957، مع ترجيح بأن يستمر الخلاف على السيادة عليها إلى أن تبت به لجان التحكيم الدولية.

وترصد وثيقة المخابرات الأمريكية تسلسل الوضع القانونى  للجزيرتين، ما بين المملكة العربية السعودية ومصر على النحو التالى:

  • بموجب اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل فقد اعتبرت الأمم المتحدة فى عام 1951 أن الملاحة حرة فى مضيق تيران الذى يبعد 5.2 ميل عن سيناء، وهو الأمر الذى رفضته مصر فى حينه.
  • وضع الجزيرتين، تيران وصنافير، فى عهد الدولة العثمانية لم يكن معروفاً، وعندما جرى تقسيم الدولة العثمانية لم تكن الجزيرتان غير المأهولتين، كما يبدو، بالأهمية التى تثير الخلافات أو تستحق المطالبة بهما من أى طرف.
  • فى 7 مايو 1936 وقعت مصر والسعودية معاهدة صداقة فى القاهرة، تضمنت أن البلدين “سيناقشان المسائل ذات الاهتمام المشترك بما فى ذلك القضايا البحرية، فى أقرب وقت ممكن”. ولم يظهر فى وثائق معهد الشئون الدولية البريطانى 1939 أن مثل تلك القضايا البحرية نوقشت.

أمريكا تستوضح

  • وفى عام 1949 تقدمت السفارة الأمريكية فى القاهرة بطلب استيضاح عن الخرائط الدولية المنشورة، عن الحدود الدولية بين سيناء وتيران. ولم يتم العثور على أى وثيقة أو معلومة عن وجود حدود بحرية فى تلك المنطقة من جنوب خليج العقبة. وكان جواب معدى الخرائط فى 19 أكتوبر 1949 أن مصر والسعودية، ربما، لم يقوما بترسيم حدود السيادة على جزيرة تيران والجزر القريبة منها.
  • وفى أواخر يناير 1950، قامت القوات المصرية بالنزول فى جزيرتى تيران وصنافير بعد أن طرح موضوع الجزيرتين على الكنيست الإسرائيلى وصارت السيادة كاملة لمصر.

فى 28 يناير 1950 بعثت الخارجية المصرية برسالة للسفارة الأمريكية فى القاهرة تؤكد فيها “أن كُلّا من مصر والسعودية تعتبران الجزر تابعة لهما، وأن الوجود المصرى فى الجزيرتين هو حقيقة واقعة.

وتشير ورقة المخابرات المركزية الأمريكية المؤرخة  فى 25 فبراير 1950 إلى أنه لا تستطيع أن تقطع لمن ملكية الجزيرتين.

تيران مصرية

  • وفى 26 فبراير 1950 بث راديو تل أبيب خبراً نقلاً عن وكالة اليونايتد برس بياناً من القاهرة بأن جزيرة تيران تقع ضمن المياه الإقليمية المصرية، فيما تتبع جزيرة صنافير السعودية.

 تكشف الوثيقة المخابراتية الأمريكية أنه صدرت فى 28 مايو 1949 مراسم سعودية ومثلها فى مصر فى 18 يناير 1951،  بيانات متماثلة تقريبا، كلاهما يعتبر المياه الإقليمية بامتداد 6 أميال، ويعتبر الجزيرتين له (تبعدان 12 ميلاً عن البرّ). كما تنص مراسيم الدولتين على أن اتفاقيات مشتركة لاحقة، ستبتّ فى موضوع السيادة بحال وجود تداخل فى المياه الإقليمية للدولتين الجارتين.

سيادة مصرية

وقد ترتب على تلك البيانات السعودية والمصرية المتماثلة فى النصوص (حول مرجعية الـ12 ميلا) والمختلفة فى تبعية السيادة، صدور احتجاجات من بريطانيا والولايات المتحدة باعتبارهما يقران الحدود البحرية عند 3 أميال فقط، وتشير ورقة سى آى إيه، إلى أنه لم تُسجّل أى محادثات بين مصر والسعودية على خلفية تلك المذكرات وذلك حتى يونيو 1951.

*فى يوليو 1951 قامت زوارق من الأسطول المصرى باعتراض وإيقاف السفينة البريطانية “امباير روش” عند المضيق فى مدخل خليج العقبة وتفتيشها.

 وفى أكتوبر 1954 أعلنت مصر أن خليج السويس مياه إقليمية مصرية، وذلك استناداً إلى مرسوم 18يناير 1951 ومعيار الـ12 ميلا، دونما إشارة إلى السعودية.

بيان أردنى

وفى 1955 أصدر الأردن تنظيمات للملاحة فى خليج العقبة تعتمد المعايير نفسها التى اعتمدتها مصر (12 ميلا) فى بيانها، ما يعنى– حسب ورقة المخابرات المركزية الأمريكية– أن الأردن يعترف ضمناً بسلطة مصر على مدخل خليج العقبة، ولم تتم الإشارة إلى وجود خط تصنيف فى طول مياه خليج العقبة.

 

دعوى قضائية جديدة لعدم الاعتداد بأحكام محكمة «الأمور المستعجلة»

تقدم خالد على المحامى الذى ارتبط اسمه مع آخرين بدعوى مصرية تيران وصنافير، بدعوى قضائية جديدة أمام مجلس الدولة، تطالب الدعوى التى اقامها خالد على بعدم الاعتداد بأحكام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة فيما يتعلق بقضية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية. معتبراً الحكم والعدم سواء من الناحية القانونية وقد طالبت الدعوى التى حملت رقم ٣٩٨٠٦ لسنة ٧١ قضائية بعدم الاعتداد بالأحكام الصادرة فى الدعاوى (1863 لسنة 2016 تنفيذ مستعجل، وحكم الأمور المستعجلة أمام مستأنف مستعجل القاهرة بالاستئنافين رقمى 373 لسنة 2016 و391 لسنة 2016 مستأنف مستعجل القاهرة، وحكم الأمور المستعجلة فى دعوى التنفيذ الموضوعى المنظورة أمامها برقم 121 لسنة 2017) باعتبارها عقبة مادية تستدعى الحكم بعدم الاعتداد بها وإسقاط كل مسبباتها، وزوال جميع آثارها، واعتبارها كأن لم تكن، وبالاستمرار فى تنفيذ حكمى القضاء الإدارى فى الدعويين رقمى 43709، 43866 لسنة 70 قضائية والصادر من محكمة القضاء الإدارى الدائرة الأولى 21/ 6/ 2016، وحكم الإدارية العليا الدائرة الأولى فحص طعون رقم 74236 لسنة 62 ق ع الصادر فى 16 يناير 2017، التى قضت ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية وباستمرار جزيرتى تيران وصنافير ضمن الأراضى المصرية وتحت السيادة المصرية.

وقال خالد على إن “الحكم الأخير الذى صدر كان متوقعاً بسبب استمرار النهج بتعدى محكمة القاهرة للأمور المستعجلة وتعرضها لنظر دعوى ليست من اختصاصها بحكم الدستور، فضلًا عن أن أحكام الإدارية العليا نهائية وباتة ولا يجوز إيقاف تنفيذها أو إبطالها إلا بحكم آخر من الإدارية العليا.”

وأشار على إلى أن “الحكومة تسعى من خلال المحكمة إلى منح البرلمان غطاء قضائياً لتبرير بدء مناقشته للاتفاقية بزعم أن هناك حكمًا قضائيًا من محكمة الأمور المستعجلة قضى بعدم الاعتداد بحكم الإدارية العليا، لتدعو بعد ذلك إلى أن الاتفاقية سارية وصحيحة ومن ثم من حق البرلمان مناقشتها، مشددًا على أن “كل من اشتغل بالقانون يعلم أن هذا السلوك غير قانونى وغير دستورى” بحسب قوله.

وتابع أن “الحكم يستهدف أيضاً تمهيد الأرض لتقوم الحكومة بتقديم دعوى تنازع اختصاص أمام الدستورية العليا بزعم أن الاتفاقية تعرضت لها جهتان قضائيتان مختلفتان وكل منها تمسك بنظر النزاع وأصدرت أحكامًا مختلفة عن الأخرى ومن ثم أصبح هناك تنازع اختصاص بين المحاكم، ما يوجب على المحكمة الدستورية العليا الفصل فى هذا التنازع لتحدد من هى المحكمة المختصة ومن ثم تحديد الحكم واجب النفاذ".

الاتفاقية فى البرلمان.. ومناقشتها واردة فى أى وقت

وبعيداً عن الجدل القانونى بشأن تيران وصنافير فإن موقف رئيس البرلمان المعلن هو أن مجلس النواب يملك الحق الكامل فى مناقشة الاتفاقية حيث سبق أن كشف الدكتور على عبدالعال رئيس البرلمان عن أن الاتفاقية موجودة داخل المجلس بعد إرسالها من قبل الحكومة، و"ستتم إحالة الاتفاقية للجان المختصة بمجرد انتهاء الإجراءات الخاصة بها وفقًا للإجراءات المتبعة فى هذا الصدد".

كما سبق للدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب أن صرَّح بأن البرلمان صاحب القول الفصل فى الاتفاقية وذلك عقب الحكم النهائى من القضاء المصرى فى 16 يناير الماضى برفضها واعتبارها كأنها لم تكن وذلك وسط انقسام كبير بين النواب بشأنها وتهديد بعض النواب بالاستقالة حال السعى لإقرارها والموافقة عليها وحتى كتابة هذه السطور لم يتم تحديد أى موعد بمجلس النواب لمناقشة الاتفاقية وسط جدل دستورى أيضاً فى هذا الشأن حيث تنص المادة 151 من الدستور على أنه “يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية ويبرم المعاهدات ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أى معاهدة تخالف أحكام الدستور أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة.