جريدة النهار المصرية

مقالات

حارس المال العام

شعبان خليفة
-

 

فى الآونة الأخيرة عادت الرقابة الإدارية برئاسة الوزير محمد عرفان للواجهة كواحدة من أهم الأجهزة الرقابية فى مصر، حيث أسقطت شبكة دولية لتجارة الأعضاء البشرية، كما ضبطت عشرات من قضايا الرشوة؛ ما دفع الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى أن يوجه لها الشكر على جهدها فى مواجهة الفساد خلال الفترة الأخيرة, مضيفاً “أن اى شخص سوف يخطئ سيحاسب من أول رئيس الجمهورية وحتى آخر فرد بالقانون" .

وقد أعطى الرئيس السيسى، منذ أن تولى السلطة، العديد من الصلاحيات للهيئة، التى كفلتها مواد الدستور المصرى المعدل فى 2014، بما يتفق مع المواثيق والاتفاقيات الدولية لمحاربة الفساد، وهو ما حرر أداء الهيئة، وكان له أثر كبير فى الكشف عن العديد من القضايا، بعد أن تحولت الهيئة لجهاز رقابى مستقل.

وتُعتبر الهيئة إحدى أهم الجهات الرقابية، التى تعمل بمعاونة الحكومة، بالتحرى عن شاغلى الوظائف الإدارية والمناصب العليا، وعن حالات الكسب غير المشروع، وتتعاون الهيئة مع البنك المركزى، للتحرى عن عمليات غسل الأمول، بالتعاون مع وحدة مكافحة غسل الأموال .

من النشأة للصدام

يمتد تاريخ الهيئة لأكثر من نصف قرن، عندما أصدر الرئيس جمال عبدالناصر قراراً فى العام 1964 بتأسيس الرقابة الإدارية كجهاز رقابى مستقل تابع لرئاسة الوزارء.

وفى عهد الرئيس أنور السادات، حدث صدام بين الرقابة الإدارية وبين الرئيس السادات عندما فتحت تحقيقات موسعة، فى قضية عرفت باسم "عصمت السادات ورشاد عثمان"، وهو ما أزعج السادات وقتها، فقرر نقل رئيس الهيئة كمال الغر، فى 1978 للمجالس القومية المتخصصة، ثم حلت الهيئة بعد عامين من هذا القرار، وجمد نشاطها فى عام 1980.

وزعت ملفات القضايا بالهيئة، على أجهزة أخرى، وتم إبعاد موظفى ورجال الهيئة فى عدة وظائف أخرى، وهو ما ترك فراغاً كبيراً على الساحة الرقابية ظهر جلياً فى أوائل عهد مبارك.

عودة للحياة

 

عندما تولى الرئيس الأسبق حسنى مبارك الحكم، أصدر قراراً عام 1982 بإعادة تشكيل الهيئة، ونقل مقرها فى الجيزة بالدقى، إلى المبنى الحالى للهيئة، فى منطقة الجولف فى مدينة نصر.

وخلال فترة الثمانينيات، فجرت الهيئة الكثير من قضايا الفساد، التى هزت الرأى العام، أشهرها قضية لوسى أرتين، والتى أدت للإطاحة بعدد من السياسيين، وكبار رجال الدولة، وعلى رأسهم وزير الدفاع الأسبق المشير أبوغزالة، وقضية نواب القروض، وقضية عبدالوهاب الحباك، وزير الصناعة الأسبق، وقضية رجل الأعمال توفيق عبدالحى، المتهم باستيراد دواجن فاسدة.

عراقيل وأخونة

ولكن فى النصف الثانى من عصر مبارك، زاد الفساد، ووضعت أمام الهيئة العراقيل لتقويض عملها، وهو ما تسبب فى زيادة الفساد المالى والإدارى، بسبب تزاوج المال والسلطة، وهو ما أدى لتصاعد الغضب فى أوساط الرأى العام، ليصل الأمر للانفجار فى ثورة 25 يناير 2011.

عندما وصل الإخوان للحكم، حاولوا استغلال الهيئة لمحاربة خصومهم، ودخلوا فى صراع مع رئيس الهيئة، اللواء محمد فريد التهامى، بعد أن اتهموه بإخفاء أدلة اتهام مبارك فى قضية قصور الرئاسة.

وبالرغم من ذلك تمكنت الهيئة من الكشف عن وقائع فساد عقب ثورة 25 يناير وحتى 2014، أعادت للدولة ما يقرب من 11 مليار جنيه، وهو ما عرض أعضاء الهيئة للتهديد، ما دفعهم للمطالبة بحمايتهم بموجب القانون.

وأثناء وضع تعديلات دستور 2014، ضمنت مواد الدستور استقلال الهيئة، لأول مرة فى تاريخها، وخروجها من تبعية رئيس الوزارء منذ تأسيسها، بالرغم من أنها مكلفة بمراقبة السلطة التنفيذية وأجهزة الدولة.

صلاحيات واسعة

أعطى الرئيس السيسى الهيئة، صلاحيات كبيرة، للقضاء على الفساد، الذى يقف حائلا أمام خطة التقدم الاقتصادى للدولة، وبدا هذا واضحاً عندما ألقى ضباط الرقابة الإدارية القبض على صلاح هلال، وزير الزراعة فى حكومة إبراهيم محلب فى ميدان التحرير، عقب خروجه من رئاسة الوزراء وتقدمه باستقالته، لاتهامه فى قضية فساد كبرى، واستيلاء على أراضى الدولة.

وسعت هيئة الرقابة الإدارية سلطتها، فى محاولة لضبط الأسعار والسيطرة على الأسواق، وتمكنت من خلال فروعها بالمحافظات، من توجيه ضربات قوية لمافيا احتكار السلع الأساسية والاستراتيجية، وتوجت الهيئة نشاطها خلال هذه الفترة، بالكشف عن قضية مافيا الاتجار فى الأعضاء البشرية، المتورط فيها أطباء وأطقم تمريض، وأساتذة كبار فى عدد من المستشفيات والجامعات الحكومية.

كما تمكنت هيئة الرقابة الإدارية فى اطار المواجهة لأوكار الفساد من ضبط العضو المنتدب للشركة المصرية العامة للسياحة والفنادق إيجوث حال تقاضيه جزءا من مبلغ الرشوة قدره حوالى مليون جنيه من إحدى الشركات الأجنبية مقابل إسناد أعمال مقاولات وتوريد لفندق ماريوت الزمالك كما تمكنت من القبض على رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للتنمية الزراعية والريفية التابعة لبنك التنمية والائتمان الزراعى لتقاضيه 214 ألف جنيه تمثل جزءاً من رشوة يحصل عليها بشكل دورى من صاحب إحدى الشركات الخاصة، وجاءت القضية الأخيرة الخاصة بمجلس الدولة فى اطار هذه السلسلة لتواصل الهيئة ضرباتها ضد الفساد.