جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

اسامة شرشر يكتب : فينك يا حكومة؟

-

بعد موجة الغلاء التى ضربت المواطن المصرى، وأفقدته القدرة على المواجهة وأسقطت كل الحسابات الأسرية وعلى رأسها حسابات الطبقة الوسطى التى سقطت بفعل فاعل، من ضربة ارتفاع الأسعار، الجديدة- لابد من إعادة النظر فى السياسات الاقتصادية، فالاقتصاد غايته الأساسية الإنسان وتوفير احتياجاته.. لقد أصبحنا نعيش تعويم الإنسان المصرى، وهو أمر أخطر بكثير من تعويم الجنيه، الذى أصبح حديث بائعى الطماطم، وكل من يتعامل فى الأسواق يجد نفسه أمام مافيا الدولار، وتعويم الأسعار.

دوماً أتذكر مقولة على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، «لو كان الفقر رجلاً لقتلته»، فى ظل ما نراه من معاناة المواطن المصرى اليومية، بسبب الغلاء الفاحش فى أسعار السلع والخدمات، إلا أن المواطن المصرى ما زال متمسكاً بآخر شعاع أمل أن تكون هناك نقطة بيضاء فى الثوب الأسود.

التساؤل الذى اجتمع عليه الشعب بكل مستوياته وكافة فئاته هو: «فينك يا حكومة؟»، خاصة بعدما أصبحنا كأننا نعيش فى زمن اللاحكومة، وأصبحت الحكومة تتفنن بقراراتها المتضاربة فى تعذيب المواطنين.. ومن عجائب حكومتنا الذكية أنها تصدر القرارات اليوم وتلغيها غداً، وكأن قدر المصريين أن تكون الحكومة عبئاً على الرئيس والشعب، فلا أحد يستطيع أن يفهم ألغاز وقرارات وقوانين الحكومة فى كل المجالات، خاصة فى المجال الاقتصادى وقطاع الاستثمارات التى نجد فيها جزراً منعزلة بين السادة الوزراء المحترمين، فالحس السياسى ومعايشة نبض الجماهير خارج أجندة وزارات شريف إسماعيل، الذين اتخذوا أخطر قرارات اقتصادية فى تاريخ مصر الحديث، مثل رفع أسعار الوقود وتعويم الجنيه، وإغراق المواطن المصرى، وكأن قدرنا فى البرلمان المصرى، الذى ننوب فيه عن الشعب، أن نكتفى بالاستجواب والبيانات العاجلة للوزراء، ولكن المشكلة أن الوزراء لا يهتمون حتى بالاستماع لنواب الشعب، بل وصل الأمر أن أصبحت اللجان النوعية التى تعتبر مطبخ البرلمان، والمكان الذى يناقش كافة مشاكل الجماهير، بلا استماع أو نقاش أو حوار، والخطورة هنا أن الحكومة فى  وادٍ، والبرلمان فى وادٍ آخر، وحتى التهديدات البرلمانية لمحاولة تخويف الحكومة فقدت تأثيرها ولم تعد مجدية، وفى النهاية من يدفع فاتورة الوقوع بين مطرقة الحكومة وغياب الرقابة والمحاسبة من البرلمان- هو المواطن المصرى الأصيل.. وأتحدى أى منظّر أو أبرع أستاذ اقتصاد فى العالم أن يحدد كيف تعيش الأسر المصرية، فى ظل هذا الغلاء الفاحش فى  الأسعار، فكيلو العدس أصبح بـ36 جنيها، وبعدما كانت مصر تصدر الأرز أصبح السكر والأرز عملة نادرة تحتاج أياماً للحصول عليها، فهل يعقل أن تقوم حكومتنا الرشيدة باستيراد الأرز من الهند، وتشترى الطن بـ9 آلاف جنيه، وتدعم الفلاح الهندى، بعدما كان الفلاح المصرى قبل شهور قليلة يستجديها لرفع سعر الطن إلى 3 آلاف جنيه؟ وكأنهم يدعمون الفلاح الهندى على حساب الفلاح المصرى؟!

والكارثة الكبرى هى أصحاب المعاشات، ولقد هزتنى حكاية سيدة فاضلة اتصلت أثناء وجودى بأحد البرامج فى فضائية خاصة، وقالت إن معاشها أقل من 500 جنيه وإنها تعول 3 أطفال وإيجار شقتها 250 جنيهاً شهرياً متسائلة: كيف تعيش وتطعم أطفالها؟

وهذه الحكاية المأساوية هى نموذج لملايين المصريين من أصحاب المعاشات الذين يبحثون عن حقهم فى أموال التأمينات التى ارتدت طاقية الإخفاء، ولم تعد موجودة.. بالإضافة إلى ذلك أين برنامج «تكافل وكرامة»

الذى تحدثت عنه الوزيرة غادة والى؟

الحقيقة أن أصحاب المعاشات الذين يزيد عددهم على 10 ملايين مواطن، هم المعذبون فى الأرض، وبالرغم من ذلك فهم يمثلون الظهير الشعبى الحقيقى للدولة المصرية والرئيس السيسى، وليست لهم أى مطالب فئوية، وكل مطالبهم تتمثل فى إعادة أموالهم الخاصة، التى ليست ملكاً للحكومة، ولا لأحد، بل هى أموالهم التى استقطعت من رواتبهم على مدار سنين طويلة، والوزيرة ورجالها غائبون.

كل هذه المشاهد وكل هذه الأحداث وارتفاع الأسعار وغياب الرقابة على الأسواق والشائعات الإخوانية، وما زال المواطن المصرى صامداً لا يستجيب لأى دعوات شيطانية إخوانية لضرب استقرار هذا الوطن الغالى، ومع ذلك لم تفكر الحكومة فى زيادة رواتب الفئات محدودة الدخل وأصحاب المعاشات، لمواجهة جزء من هذا التضخم الذى يعتبر أكثر خطورة من القنابل النووية، فالدعوات على الدولار أصبحت مثل الدعوات على الإرهاب والإرهابيين، ونحن نحذر وننبه من الانفجار، والسيناريو القادم من المجهول، ليس بسبب ارتفاع الأسعار فحسب، بل بسبب اللامبالاة التى تتعامل بها الحكومة مع مطالب المواطنين وآمالهم أيضاً.
فدعوات الناس فى الصلوات والشوارع تتلخص فى السؤال الأساسى: «فينك يا حكومة»، ولكن حكومتنا الرشيدة أصبحت «ودن من طين وودن من عجين».. وعجبى.