جريدة النهار المصرية

مقالات

الخطاب الدينى

الموجى
-

 

بقلم: محمد شعبان الموجى

 

أول ما يواجه الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى الإسلامى بالذات.. هو حالة عدم الثقة بين دعاة تجديد الخطاب الدينى من جانب؛  وبين علماء الأزهر الشريف والجماهير المسلمة من جانب آخر.. ولهذا عدة أسباب.. أهمها:

 أولا: أن دعوة تجديد الخطاب الدينى قد بدأت قديما على يد المستشرقين ثم تجددت بعد أحداث 11 سبتمبر.. فهى دعوة وافدة ومفروضة علينا من الخارج.

وثانيا: أن المتصدين لعملية تجديد الخطاب أغلبهم من العلمانيين الكارهين للفكر الدينى؛ والتراث الدينى كله... ومن المنافقين الذين يبيعون دينهم بعرض من الدنيا تماهيا مع النظام الحاكم وهم غير مؤهلين أصلا للقيام بهذا الدور لا علميا ولا أخلاقيا. 

وثالثا: وهذا هو الأهم والأخطر أن هذه الدعوة المشبوهة طالت أصول الدين وثوابته، ولم تتوقف عند حدود تصحيح المفاهيم الخاطئة فقط أو تطوير بعض المفاهيم.

ورابعا: يتجاهل الداعون للتجديد أهم مجال يحتاج بالفعل إلى تجديد وتطوير وهو (الفكر السياسى العربى والإسلامى المستبد المتخلف عن كل الأمم والشعوب التى حولنـا والذى لم يتطور منذ قرون عديدة).. والذى تمثله بدقة كل النظم العربية وعلى رأسها النظام المصرى نفسه، والذى يطالب بتجديد الخطاب فى الوقت الذى يغوص حتى الأذقان فى وحل التخلف السياسى، والاستبداد، واهدار حقوق الإنسان، وتقييد الحريات، وتهديد كل أصحاب الفكر والرأى  .. هذا هو المجال الأول وربما الوحيد الذى يجب أن يدور حوله الحديث وتبذل فيه الجهود لإنهاء تلك الحالة البائسة من الاستبداد والتخلف السياسى.. الفكر السياسى وما يتعلق به من الحديث عن الخلافة والإمامة ونظام الحكم وحق الشعوب فى الاختيار الحر والشورى وشفافية المال العام وسيادة القانون.. هذا ما يحتاج بالفعل إلى تجديد وتطوير واللحاق بركب الحضارة.. ولأنه المنطلق الرئيسى لقيام كل جماعات الخلافة المعتدلة والمتطرفة.

وخامسا: الجهل المطبق فى التعامل مع التفسير والفقه والحديث  وعدم فهم منهجية التعامل مع كتب التفسير والفقه والتى تعتمد على نظرية الاحتمالات.. فلا تكاد تبحث عن تفسير آية إلا وتجد أمامك  كل المعانى المحتملة التى لا تخالف المعلوم من الدين بالضرورة، والتى يحتملها اللسان العربى.. ولا تكاد تجد وجها جديدا للتفسير يمكن إضافته.. وكذلك الحال بالنسبة لكتب الفقه لا تكاد تقرأ عن قضية فقهية إلا وتجد حولها العديد من الآراء الفقهية.. ولا يقول عاقل إن هذه الآراء التفسيرية والفقهية كلها ملزمة.. وإنما يؤخذ منها ويترك، غير أنه يجب ألا يستغل البعض مثل هذه الآراء التى نختلف أو نتفق معها ليشن عليها حملات تشهير وإهانة للنيل من أهل العلم نقلهم الدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.. حتى يبدو وكأن هذا هو الهدف الأساسى من الحملة الشرسة ضد التراث، وليس البحث عن تفكيك أدلة الفكر المتطرف.

وسادسا: دأب هؤلاء العلمانيون المتصدون لعملية التجديد استخراج الآراء المتروكة والمهملة أو التى لم تجد طريقها للتطبيق حيث جرت عملية انتخاب طبيعى من علماء الأمة.. ولكن هؤلاء يتعمدون استخراجها للتشهير بأهل العلم والتراث الإسلامى بل وبالإسلام ذاته. خذ مثلا قضية الجزية والتى تغير مفهومها مع الوقت ومنذ زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه.. حيث منع تقسيم الغنائم وما يضرب على البلاد المفتوحة من جزية لتصبح من المال العام الذى يتم توجيهه لصالح الأمة كلها حتى ألغاها الخديو توفيق نهائيا وتقبل ذلك المجتمع دون احتجاج من أحد.. فى الوقت الذى تفرض فيه الضرائب أضعافا مضاعفة دون رحمة أو شفقة.

وسابعا: الخلط بين الأحكام والتفاسير التى تخص اعتقادات الفرد والتى تدخل فى اطار الحرية الشخصية سواء ما يتعلق بالعقيدة أو بالفقه، وبين الأحكام العامة التى يخضع لها المجتمع كله طوعا أو كرها بعد أن تقرها المجالس النيابية، ولذلك فالحديث عن الجزية والحدود وعن حد الردة وعن أحكام الجهاد وأكثر صور الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.. كلها قضايا مفتعلة والحديث عنها صار مجالا للتسلية وإهدارا للوقت لأنها فى النهاية تترجم لقوانين وقرارات تسرى على الجميع شاء أم أبى.. وأما محاولة تطبيقها من قبل الأفراد أو الجماعات فيكفى أن تواجه بالقانون.. فى دولة تحترم الدستور والقانون.