النهار
جريدة النهار المصرية

حوادث

الشرقية تفقد 15 من أبنائها على شواطئ إيطاليا

-

 

يواصل مسلسل الهجرة غير الشرعية، عرض حلقاته الحزينة التى تترك في النفوس ذكريات مؤلمة نتيجة النهايات المتوقعة التى تدفع شباباً فى عمر الزهور إلى المجهول.. فى رحلة ثمنها العمر، وعلى رغم ذلك مصممون على خوضها.

هذه المأساة ليست كسابقتها بغرق وفقدان أفراد، لكن هذه المأساة تكمن فى غرق وتشريد وفقدان أسر بكامل أفرادها، حلقات هذا المسلسل لن تنتهى إلا بعد أن تتخذ الحكومة إجراءات وخطوات جادة تسهم بشكل ملموس فى تحسين معيشة أبناء هذا الوطن.

هنا «أبوشلبى» إحدى قرى مركز فاقوس بمحافظة الشرقية، التى كانت على موعد مع الحزن، بعد أن عزم عدد من أبنائها على المخاطرة بحياتهم بالسفر إلى إيطاليا وألمانيا عن طريق مياه البحر المتوسط، مستقلين مركبًا صغيرًا ضمن 700 شخص، لكن وكعادة هذه المراكب التى لا تصلح للإبحار لمسافات طويلة نتيجة تهالكها، والنتيجة غرقه جنوب جزيرة كريت اليونانية، وتحول ركابه إلى ضحايا ما بين غريق أو مفقود، وعلى رغم هذه المأساة الحزينة، فإن محاولات السفر والعبور للمجهول يمثل حلمًا يوميًا لأبناء هذه القرية التى فقدت قرابة 15 شخصًا فى الرحلة الأخيرة.

«الوفد» انتقلت إلى القرية الحزينة، والتقت عددًا من أسر ضحايا هذا المركب، بغرض الوصول إلى الأسباب القهرية التى تدفع الشباب إلى خوض هذه التجربة المؤلمة، ورغم بشاعة نتائج هذه التجربة، إلا أن هناك أطفالًا وشبابًا فى عمر الزهور من أبناء قرية أبوشلبى موجودين حاليًا فى مدينة الإسكندرية منتظرين دورهم لخوض هذه التجربة.

الحاجة عزيزة شحاتة إبراهيم «47 عامًا»، تقول لــ«الوفد»: لم تجف دموعى منذ أن علمت أن ابنتى مروة «26 عامًا» وأبنائها عمار «4 سنوات» وشيماء «سنتان وشهران» من ضحايا المركب المشئوم، مؤكدة أن زوج ابنتها يدعى «أحمد إسماعيل» كان سافر إلى إيطاليا العام الماضى وعمل فى مهنة الحلاقة، وأنه أصر على بنتى بالسفر إليه وأولاده، لكنى كنت أمانع، خصوصًا أنه كان يريد أن يلحقوا به عبر البحر وليس بالطيران، وعندها كانت مروة تطمئنى وتعمل على تهدئتى وتقول لى: «سأسافر لزوجى بعد سنة أو سنتين بالطيارة، متخفيش على يا أمى أنا هسمع كلامك».

والتقط أطراف الحديث، الطبلاوى شحاتة إبراهيم، خال مروة، قائلًا: زرت مروة بنت شقيقتى فى أول الشهر الجارى، وعلمت من أسرة زوجها أنها اصطحبت أبناءها إلى مدينة القنطرة بالإسماعيلية لشراء ملابس العيد، وبعد يوم أردت أن أطمئن عليها، فذهبت إلى بيتها، وعلمت من أسرة زوجها أنها ذهبت للصيدلية لشراء أدوية لها، وهو ما دفع القلق ليتسرب داخلى، وبعد إلحاح على أسرة زوجها، علمنا أنها وأبناءها سافروا مع أحمد شقيق زوجها إلى إيطاليا.

وتستكمل والدتها الحديث: بعد ذلك أبلغنا أحد أهالى القرية، أن مروة سافرت وأولادها مع شقيق زوجها إلى مدينة الإسكندرية وأنهم استقلوا مركباً غرق بهم جنوب جزيرة كريت اليونانية، ما أصابنى بالصاعقة التى أدخلتنى فى نوبة بكاء وإغماء مستمرة، وأنها لو تعلم بسفر ابنتها مروة بهذه الطريقة، لكانت كسرت قدميها، قائلة: «عندى آكل عيش وملح وألبس أى حاجة، أفضل مليون مرة ما بنتى تغامر بحياتها وأولادها، لم ولن أحزن على مصير بنتى لكنى حزني الشديد على أحفادى الأبرياء الذين ليس لهم ذنب فى الخطأ الذى ارتكبته أمهم، وأدعو كل وقت وأذان أن يرد ابنتى وحفيديها ويعودوا بالسلامة.

وبنبرة حزن شديدة ممزوجة بدموع الحسرة والألم، أعرب حسن على خليل عميرة، عن حزنه الشديد لفقدان شقيقه «محمد 37 عامًا – سائق» وزوجته زينب محمد صقر وأولادهم «فارس» 9 سنوات، و«جنى» 4 سنوات ونصف السنة، و«ريماس» سنتان، ضمن ضحايا المركب المشئوم، مؤكدًا أن شقيقه كشف له منذ ثلاث سنوات عن نيته فى السفر إلى إيطاليا، لتحسين ظروفه المعيشية، ورفع مستوى دخله الذى لا يكفيه من عمله كسائق فى قريته، وأنه رأى من الأشخاص الذين تحسنت أحوالهم بعد سفرهم إلى هناك الذين يقدر عددهم أكثر من 300 أسرة خلال السنوات الخمس الماضية، نموذجاً يحتذى به، خصوصًا أنهم حولوا منازلهم الريفية إلى فيلات وقصور مشيدة على الطراز الأوروبى، ويركبون سيارات حديثة وينعمون فى الخيرات، لكنه أكد لشقيقه أن هذه الأشياء قسمة ونصيب، وكل واحد لابد أن يرضى بما قسمه الله له، وأن خوض هذه التجربة انتحار قد يكلفك حياتك.

وتابع: "أخويا كان بيطمنى ويهدينى حتى لا أمانع فى سفره"، منذ فترة قال: أنا ماشى، وبعدها فوجئت بأنه أصطحب زوجته وأولاده الثلاثة وراح الإسكندرية وانتظر دوره بما هو معروف «متخزن» وبعدها علمت أنه كان ضمن ضحايا المركب المشئوم، وحتى الآن لا أعلم مصيره وأسرته، هل ماتوا غرقاً؟.. أم أحياء مصابون؟

وما زال الحزن يخيم على منازل الأسر الذين فقدوا ذويهم فى مياه البحر المتوسط، وما زال الأمل معلقاً فى السماء ويتردد فى الأدعية كل أذان، أملاً فى إنقاذ المفقودين، وما زال الأمل معلقاً فى الحكومة الحالية فى أن تسرع فى اتخاذ إجراءات رادعة ضد عصابات الهجرة غير الشرعية «تجار البشر»، والعمل قدماً على تحسين حياة المواطنين.