جريدة النهار المصرية

حوارات

المفكر السيد يس.. فى حوار خاص.. لـ «النهار»: سقوط مصر نهاية للعالم العربى

-

تساؤلات عديدة تُثقل الشعب المصرى عن مستقبله السياسى والاقتصادى, أهمها هل نحن على مشارف تأسيس ديمقراطية مصرية جديدة؟ الأمر الذى يضع المصريين أمام تحديات جسام للخروج من عنق الزجاجة إلى واحة الطمأنينة والرخاء التى ظهرت بشائرها بالفعل بعد انعقاد مجلس النواب، الخطوة الثالثة من خارطة الطريق، التى كانت مثابة للناس وأمنا.. هذه التساؤلات وأكثر نجد إجاباتها فى هذا الحوار مع المفكر السياسى الدكتور السيد ياسين.. والى نص الحوار:

• بداية كيف تُقيِّم ما تم تنفيذه حتى الآن من خارطة الطريق عقب ثورة 30 يونيو؟
الحدث الأهم هو انعقاد مجلس النواب، فهو الخطوة الثالثة من خريطة الطريق التى تشمل الدستور الذى تم الاستفتاء عليه والحمد لله، ثم انتخاب رئيس للجمهورية وانتخب الرئيس السيسى، والخطوة الثالثة هى مجلس النواب الجديد، فهذا المجلس مجلس فريد فبه أكثر من 80 سيدة وأكثر من 60 فردا من الشباب، ففى حقيقة الأمر أنا متفائل بهذا المجلس بغض النظر عن الهجوم الصحفى الغوغائى الذى لا مبرر له على هذا المجلس، وبالتالى لدينا أمل كبير فى هذا المجلس لأن فلسفته الأساسية تجديد النخبة السياسية المصرية، وبالتالى فلا بد بأن نمنح المجلس فرصة حتى يعمل لأن العمل البرلمانى يحتاج إلى خبرة لأن المنطقى أن الحكومة والنظام يرتبان نفسهما ألا تحدث أى حوادث إرهابية أو عنف، كما رأينا منذ أن أسقط الشعب المصرى جماعة الاخوان.
وأتساءل عندما أسمع الإخوان أو من ينتمون إليهم يتحدثون عن  الثورة: هما الاخوان المسلمين أصحاب ثورة؟ وما علاقتهم بثورة 25 يناير؟ الإخوان المسلمين سرقوا الثورة وقفزوا على قطار الثورة بعد أن قامت، هم سرقوا ثورة الشباب وخانوا مبادئها بنوع من التدليس السياسى, وتحول نظام الإخوان إلى نظام ديكتاتورى عندما أصدر مرسى الإعلان الدستورى وأعلن نفسه ديكتاتورا له مطلق السلطات وفاجأه الشعب بثورة 30 يونيو التى صححت مسار التاريخ، وبالتالى لا مكان للإخوان فى المجال السياسى المصرى، فهم خربوا البلد واغتالوا الضباط والجنود فمثل هؤلاء ليس لهم مكان فى المسرح السياسى المصرى بعد ذلك.
• لأن الأمن القومى المصرى هو الدرع الواقية للوطن... كيف نحمى الأمن القومى من وجهة نظرك؟
مصر استعادت دولتها بعد سقوط حكم الاخوان المسلمين, كما أن الدولة المصرية دولة محورية فى الإقليم، والقوات المسلحة المصرية هى الوحيدة المتماسكة وصاحبة الخبرات القتالية المتميزة ولها دور أساسى فى مكافحة الإرهاب, وبالتالى الأمن القومى المصرى مسألة معقدة وليست سهلة وتفترض أبعادا متعددة, وتفترض تحديث القوات المسلحة بانتظام، وهذا حدث فى الفترة الأخيرة فبعدما انتخبنا الرئيس السيسى تم تحديث أسلحة القوات المسلحة المصرية بشكل غير مسبوق؛ فالقوات المسلحة غيرت من سياستها القتالية حتى تستطيع أن تواجه الإرهاب بكفاءة.
فأمريكا اعترفت بأنها لا تستطيع أن تحارب داعش برياً، وذلك لأن الجيوش التقليدية لا تستطيع أن تقود حرب العصابات, فالمسألة معروفة إلا أن القوات المصرية استطاعت أن تطور من أساليبها التكتيكية وأن تواجه الإرهاب فى سيناء بفاعلية مشهودة.
وأيضا الأمن القومى المصرى يستطيع فتح علاقات متوازنة مع العالم, فتحركات الرئيس السيسى مع العالم، والرئيس الصينى كان متواجدا منذ أيام فى مصر، بالإضافة إلى علاقتنا الوثيقة بروسيا وفرنسا؛ فهذا فى حد ذاته علو بمستوى الأمن القومى إلى أعلى مستوى ممكن واقامة علاقات متوازتة مع الدول العظمى والدول الهامة.
*ما رأيك فى الأحزاب السياسية التى على الساحة الآن؟
الأحزاب السياسية ينبغى أن تتجدد لكى تصبح أحزابا سياسية تنموية، ومؤسسات المجتمع المدنى لا بد أن تتجدد وتنزل إلى أرض الشارع، ولا تكتفى بالمطالبات الحقوقية وحقوق الإنسان والتمويل الأجنبى فيجب تجديد النخبة السياسية.
*ما تقييمك لأداء الرئيس السيسى؟
الرئيس السيسى له دور تاريخى فى دعم الشعب المصرى ضد حكم الإخوان، وعاد بالدولة مرة أخرى إلى البناء والتنمية, فالأداء يقاس بعدة أشياء منها السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، ففى السياسة الخارجية استطاع أن يرجع هيبة مصر واقامة علاقات متوازنة ومؤثرة وفعالة مع دول العالم مثل علاقته بروسيا وعلاقته بفرنسا وأخيرا علاقته بالصين, وهو يعمل كقائد تنموى فى المقام الأول فالتنمية الآن هى شاغله الأساسى، فبدون التنمية لا أمل فى أى شئ لأنها مفتاح التطور ومفتاح النهضة المصرية المقبلة إن شاء الله.
*ما تفسيرك لاستمرار ضغوط الغرب ضد الرئيس السيسى؟
فى عام ٢٠٠٣، قامت باحثة فى مؤسسة آند كوبيرشين بعمل أبحاث عن الحركات الإسلامية، وأشارت إلى أن الحل الوحيد لمواجهة الإرهاب هو إنشاء شبكات معتدلة من المسلمين يتم دعمها، على أن تكون مهمتها إعادة بناء الدين الإسلامى ليكون مسالماً وليس متطرفاً من وجهة نظرها، وعلى أساس ذلك غيرت الولايات المتحدة من نظرتها للإخوان المسلمين، ولذلك تجدينهم جعلوا مرسى يوقع على اتفاقية هدنة بين حماس وإسرائيل، وكان هناك مخطط كامل لحل مشكلة غزة على حساب مصر, وراهن الأمريكان على الإخوان فى مصر وتونس وتركيا واليمن وليبيا، ومازال لديهم أمل فى أن تكون استراتيجيتهم قائمة وقابلة للتنفيذ.
*لكن ألا يعنى سقوط استراتيجيتهم فى مصر سقوطها فى المنطقة بالكامل؟
لا ليس بالضرورة، فحتى وإن خسروا مصر فهناك دول أخرى يراهنون عليها، فمثلاً الغنوشى عند مقابلتى له فى إحدى الندوات قال إنه لا ديمقراطية دون توافق سياسى، وعندما حصل على الأغلبية لم يحتكر السلطات الثلاث ولكن أتى بالمرزوقى من حزب معارض ورئيس مجلس انتقالى، وهو أخذ الوزارة وقدم تنازلات ضخمة مع المعارضة لكى يمرر الدستور، ولذلك الغرب يراهن على تونس.
*ما الرؤية المثلى لمكافحة الإرهاب؟
مكافحة الإرهاب مسألة صعبة جداً، والحل الأمنى وحده لن يكون كافياً لأن التناقض الذى بين الشعب المصرى والإخوان تناقض ثقافى وليس تناقضاً سياسياً، فهم يستخدمون الدين فى السياسة ولذلك يجب استخدام خط آخر غير الأسلوب الأمنى, فلا بد أن ننطلق لفتح الأفق كاملا لنرى ماذا يحدث فى الاقليم وفى المنطقة العربية كاملا ثم نرى ما الذى يحدث داخل بلادنا، فنحن فى عالم يعاد تشكيله، وأعتقد أن إعلان الرئيس أوباما فى قمة الأمم المتحدة أننا أمام عالم متعدد الأقطاب معناه أنه قد أعلن بنفسه سقوط فكرة القطب الواحد الذى عشنا مشروعه والذى أدى إلى عسكرة العالم وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية تنفرد بأنها دولة عظمى فى العالم حتى وصلت إلى عسكرة العالم ووصلت فى استخدام القوة المُسلحة إلى غزو دول أعضاء فى الأمم المتحدة حتى وصلت إلى مرحلة بأن هذا القطب الواحد مارس ما لم تشهده الأمم بعد الحرب العالمية الثانية فى أساليب فرض الهيمنة.
 • هل معنى ذلك أن الأمة العربية فى خطر؟
نعم، والثقافة العربية فى خطر, وقدرة الاقتصاد العربى على أن يحمى الدول ويحدث شكلا من أشكال التأمين فى خطر، وسياسيا أصبح ما نشاهده الآن يسبب حسرة لأى مواطن عربى شريف ومؤمن بعروبته ويعلم جيدا معنى أننا منتمون لأمة واحدة, ونحن نشعر بالحسرة ونحن نريد تقديم الأمة العربية على موائد الأجنبى علناً وتحت سمع وبصر الجميع، ولذلك الغرب معتقد أنه يستطيع أن يواصل مشروعه الصهيونى بواسطة الاخوان فى الحكم فكانت البداية العراق ثم سوريا وليبيا واليمن لموقعها الرشيد وباب المندب الطريق العالمى للتجارة الدولية.
والآن يتم تفكيك الدول الوطنية إلى عناصرها الأولى، وهذا التفكك على أسس طائفية دينية عرقية قبيلية والخلاف سياسى وليس دينيا, فأى مشهد من هذه المشاهد لتفكيك الدول العربية ينصب فى صالح المشروع الصهيونى لأن هذا المشروع فى مرحلة ختام دوراته التاريخية ووصل لمرحلة تهديد الدولة.
*وبم تفسر الحرب فى سيناء وقضاء الجيش على الإرهاب؟
مشروع استقطاع سيناء من مصر كان هو الوطن البديل, وتستخدم الآن كل آليات الجيل الرابع للحروب بما فيها التنظيمات الإرهابية لأن هذا الإرهاب المُسلح عنوانه الوحيد، وهو إحدى آليات الجيل الرابع للحروب، وهذه التظيمات لا تنشأ من فراغ بل يتم تمويلها بالسلاح وبالمال وبأحدث نظم تدريب ومعلومات من قبل أجهزة مخابرات، فكل ذلك نفس منهج الصهاينة الأوائل, لأن من يقوم على استخدام العنف الدموى والعنف المسلح فى أقصى صوره، يشوه الدين الاسلامى كدين حضارى والذى لا يقدم للبشرية إلا كل خير، وإذا به الآن يشوه عن طريق هؤلاء ويصبح عنوانا للقتل والدماء ويتم من خلال هذه التنظيمات إخلاء الأرض من السكان وهدم الممتلكات والاستيلاء على الأراضى والاستيلاء على المقومات الأساسية للاقتصاد والثروات المحيطة. هذا ما حدث فى المرحلة الأولى، فهذه الموجة فعلا تهدد الأمة العربية وبالتالى فالمشهد صعب وخطير جدا، وأعتقد أن الشعب المصرى ومعه الجيش المصرى الذى ظل هو الجيش الوحيد المتماسك فى هذه المنطقة فى هذه المرحلة الخطيرة استطاعا أن يضعا عقبة رئيسية أمام استكمال المشروع، وبالطبع لا ننسى قدرة على الحشد التى رأوها من الشعب المصرى فى ثورته فى 30 يونيو وإزاحة العقبة الرئيسية أمام الحركة الوطنية المصرية متمثلة فى الإخوان.
*رؤيتك للحياة المستقبلية فى مصر؟
نحن على مشارف حياة مستقبلية جديدة وتأسيس ديمقراطية مصرية جديدة لم تتبلور بعد بدأت بعودة الدولة التنموية بدستور جديد, وبمجلس نواب جديد، ولا بد من متابعة ما يحدث فى العالم فكريا واقتصاديا وسياسيا باستمرار حتى يأخذ المثقفون قراراتهم بطريقة دقيقة مسئولة.