جريدة النهار المصرية

حوارات

طارق عامر.. المنقذ

-

يعانى الاقتصاد المصرى فى الفترة الحالية من وضع مثير للقلق، خاصة فيما يتعلق بالسياسة النقدية ووضع الجنيه المصرى أمام العملات الرئيسية كالدولار، وتأتى هذه المعاناة بسبب كون مصر دولة مستوردة لأغلب احتياجاتها الأساسية سواء فيما يتعلق بالطعام أو المواد الخام اللازمة لصناعة الدواء أو حتى ماكينات المصانع، وبالتالى فإن انخفاض قيمة الجنيه المصرى أمام الدولار الأمريكى تتسبب فى أزمات حادة فى معظم قطاعات الدولة، فشركات الدواء توشك على الإغلاق والمصانع المستوردة للمواد الخام لم تعد قادرة على العمل، لاسيما أن الأزمة تزامنت مع نقص حاد فى موارد الدولة من العملات الصعبة.. مما جعل الكثيرين يعتقدون أن الاقتصاد المصرى لن يعيده أحد إلى منطقة الأمان إلا رجل ذو عقلية اقتصادية فذة، قادرة على الموازنة بين التعامل المحافظ الذى يوفر للدولة احتياطيا كافيا من العملة الصعبة، والتعامل الليبرالى الذى يحقق للمستوردين والمستثمرين الأجانب عامل جذب.. ويبدو أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قد وجد ضالته بالفعل فى المصرفى طارق عامر. 

وفتح تكليف الرئيس عبدالفتاح السيسى، لطارق عامر بتولى منصب محافظ البنك المركزى لمدة 4 سنوات، خلفًا لهشام رامز، الباب أمام الكثير من الآمال بشأن ضبط إيقاع السياسة النقدية فى مصر، والسيطرة على السوق السوداء للدولار، والتى ساهمت بدورها فى هروب الكثير من الاستثمارات، لما لعامر من تاريخ حافل  بالإنجازات المصرفية الكبيرة، فقد لعب دورا مهما فى تطبيق عمليات الإصلاح بالجهاز المصرفى، وكان له دور مهم بالتعاون مع محافظ البنك المركزى الأسبق الدكتور فاروق العقدة فى تطبيق آلية التعاون بين المركزى المصرى والبنوك الأوروبية.
كما أن عامر ليس جديدا على العمل فى البنك المركزى؛ فقد تولى منصب نائب محافظ البنك المركزى لمدة 5 سنوات خلال الفترة من 2003 حتى عام 2008، استطاع خلالها تنفيذ المرحلة الأولى لهيكلة القطاع المصرفى باقتدار.
كما شغل منصب نائب رئيس المصرف العربى الدولى المملوك لحكومات عربية أبرزها مصر وليبيا والإمارات وسلطنة عمان، وشارك فى وضع السياسات النقدية للبنك المركزى والخطط الاقتصادية للسوق المصرية بشكل مستمر فى إحدى أهم الفترات من تاريخ مصر الاقتصادى، وأيضا شغل منصب رئيس البنك الأهلى المصرى لمدة 5 سنوات متتالية من 2008 حتى 2013، حقق خلالها البنك العديد من الإنجازات، فقد احتل المرتبة رقم 252 ضمن أكبر ألف بنك على مستوى العالم طبقًا لمعيار إجمالى الأصول، متقدمًا على جميع البنوك المصرية التى جاءت ضمن هذا التصنيف، والمركز السادس بين البنوك العربية الواردة ضمن هذا التصنيف وفقًا لذات المعيار.. ولا ننسى أنه يرأس مجلس إدارة اتحاد بنوك مصر، وكان أقوى المرشحين لتولى رئاسة اتحاد المصارف العربية.
ينتمى "عامر" لعائلة لها تاريخ فى العمل الوطنى، فعمه المشير عبدالحكيم عامر، وزير الحربية، نائب رئيس الجمهورية فى عهد جمال عبدالناصر، ووالده حسن عامر خدم القطاع العام المصرفى طيلة حياته، ويعد مفجراً لـ"الثورة البيضاء" لتطهير "البنك الأهلى" من الفساد، وتم اختياره فى المناصب المصرفية الحالية والسابقة بناء على تاريخه المصرفى وعمله السابق فى بنوك دولية وأجنبية، لفترة تجاوزت 25 عاماً عمل بها فى كبريات المؤسسات المالية العالمية.  

تفاؤل مصرفى

جاء فى بيان رسمى صادر عن رئاسة الجمهورية، أنه نظرا لقرب انتهاء مدة مجلس إدارة البنك المركزى المصرى فى 26 نوفمبر 2015، فقد تقدم هشام رامز باستقالته اعتبارا من ذلك التاريخ، حيث وافق الرئيس على قبول الاستقالة، خلال اجتماعه مع رئيس مجلس الوزراء، شريف إسماعيل، معربا عن تقديره للجهود المخلصة التى بذلها المحافظ ومجلس إدارة البنك المركزى خلال فترة توليه المسئولية، والتى شهدت ظروفاً اقتصادية دقيقة فى ظل معطيات إقليمية ودولية صعبة، وأضاف البيان أنه قد تم تعيين المصرفى طارق عامر محافظا للبنك المركزى، وهو الأمر الذى قوبل فى الوسط الاقتصادى بتفاؤل كبير، خاصة أن عامر كان أحد الذين ساهموا فى إنقاذ القطاع المصرفى وتقويته عبر خطط الإصلاح التى قام البنك المركزى منذ عامى 2003 و2004 بتنفيذها وهو ما ساهم فى ضعف تأثر القطاع بأية أزمة داخلية أو خارجية مثل الأزمة المالية العالمية فى 2008، والأزمات التى واجهت الاقتصاد المصرى عقب ثورة يناير 2011. 
كما يرى هؤلاء أن البنك الأهلى المصرى شهد فى عهد عامر الكثير من الإصلاحات مما أدى إلى زيادة أرباح البنك وتربعه على عرش القطاع، وارتفاع كفاءة العاملين، مشيرين إلى أن البنك خسر باستقالة عامر كفاءة مصرفية كبيرة، ولا ننسى قيام عدد من العاملين بالبنك الأهلى عندما تقدم عامر باستقالته من رئاسة البنك بوقفة احتجاجية أمام المقر الرئيسى؛ اعتراضًا على استقالته، كما أجرى عدد من مسئولى البنك وقتها محاولات معه لعدوله عن الاستقالة، وهو ما يوضح مدى المحبة التى يحظى بها الرجل فى الأوساط المصرفية.
وبالرغم من تفاؤل الجميع بتولى طارق عامر منصب محافظ البنك المركزى، فإن الجميع يستعد لوصوله أملا فى الوصول إلى صيغة تضمن إحداث توازن بين أطراف الاقتصاد المختلفة، فأصحاب المشروعات الكبرى طالبوا بشرط مبدئى يتمثل فى إلغاء سقف الإيداع، كما طالبوا المحافظ الجديد بوضع خطة شفافة للسياسة النقدية، وأوصوه بعدم تكرار فترة التضارب والصراع بين المركزى ووزراء المجموعة الاقتصادية، أما المصدرون فعلقوا آمالا على خفض جديد لسعر الجنيه يعظم قدرتهم التنافسية، بينما المستوردون رسموا طريقا آمنا تدريجيا لانخفاض الدولار مجددا ليبلغ 6.85 جنيه، مما يعزز الواردات بدون تأثير تضخمى لمكاسبهم، كما حدا المصدرين الأمل فى توفير الدولار لتمكينهم من شراء مستلزمات الإنتاج لتنتعش مجددا خطوط الإنتاج، فضلاً عن تخلص المستوردين من هاجس ترشيد الواردات الذى بدا أمام الجميع، وليس أمام هشام رامز وحده، مدخلا لضبط الاختلال المفزع فى هيكل العلاقة بين إنفاق الدولار وتحصيله.
وتأمل المجموعة الوزارية الاقتصادية فى مزيد من خفض سعر الجنيه، مع استقراره، لكى ينتعش الاستثمار الراغب فى أصول رخيصة وربح لا يتأثر سلبا باحتمال تردى قيمة الجنيه على نحو يلتهم أرباحهم. 

 

تحديات تواجه «عامر»

يواجه طارق عامر بمجرد بدئه العمل كمحافظ للبنك المركزى عددا من التحديات التى يجب أن يجد لها حلولا سريعة وناجعة، وإلا فإن البديل سيكون تدهورا حادا فى الاقتصاد. 
وأول هذه التحديات توفير موارد جديدة للعملة الصعبة لمواجهة الاستهلاك المتزايد للاحتياطى الأجنبى، وثانيا حل سريع لمشكلة عجز الميزان التجارى المصرى وإيجاد طريقة لزيادة الصادرات مقابل تقليل الواردات، أما ثالثا وهى النقطة الأهم فإن عامر مطالب بتحديد طريقة التعامل مع وزراء المجموعة الاقتصادية والتنسيق معهم بطريقة تمنع تضارب التصريحات المستفزة للمستثمرين ورجال الأعمال وتحقق مصالح المواطنين.