جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

اسامة شرشر يكتب: حاكموهم أو حاكمونا .. الإسكندرية تفضح فساد الإدارة المحلية

-

هذا الشعب له الله، فحتى السماء تكشف معدنه، فهو شعب يتحمل الكوارث والأزمات ولا يجد يدا تمتد إليه لتعينه. 
فأحداث الإسكندرية هى عنوان للفساد فى مصر، وخاصة فى المحليات التى أصبح فيها الإهمال والفساد هما القاعدة، فلا يمكن لإنسان أن يتعامل مع النكبات والأزمات والكوارث من خلال سياسة «رد الفعل»، حيث لم يتحرك أحد على مدار السنوات الماضية بالرغم من أن الإسكندرية تعرضت بعد الثورة إلى تغيير مأساوى.. فامتلأت الشوارع بالقمامة وظهرت الارتفاعات غير القانونية للعمارات، ولم تعد هناك رؤية لعمليات الصرف الصحى والمجارى وارتفاع منسوب المياه على شواطئ المدينة.. وكأن عروس البحر وشعبها يدفعان فاتورة فساد ممنهج لإسقاط المحافظة فى مستنقع القبح بعدما كانت أجمل محافظة على شاطئ البحر المتوسط. 

فما جرى هو كارثة بكل المقاييس والمعايير تجعل الإنسان يقف عاجزا أمام هذا المشهد المأساوى الذى لم نره فى أى بلد آخر.. عندما يموت طفل نتيجة الإهمال، وعندما يصعق مواطن بماس كهربائى، وعندما يموت رجل بسبب هجوم المياه على بيته ويفقد حياته بسبب المياه بالرغم من أن هذه المياه المفترض فيها أنها وسيلة للحياة وليس الموت؛ وهذه هى المفارقة الصعبة التى تضع الإسكندرية أمام الفساد الممنهج للأجهزة المحلية والأحياء فى كل مناطق المحافظة، وأصبح الخارجون على القانون يفرضون إرادتهم وقراراتهم على المحافظ وعلى السادة المسئولين نتيجة شرائهم بالمال والهدايا فأصبحوا يبيعون ضمائرهم أمام سطوة رجال الأعمال الذين فقدوا كل معانى الإنسانية بل أصبحوا سببا غير مباشر لموت الفقراء من أبناء الإسكندرية، تلك المحافظة الإغريقية التى كان الإيطاليون واليونانيون يتحاكون عن نظافتها وجمالها ومبانيها وتراثها. 

 


ويا للعار لو كان موجودا بيننا الآن السيد درويش ليحكى قصة سقوط الإسكندرية فى يد التتار الجدد من رجال الإدارة المحلية الذين فقدوا كل القيم والمعايير والأخلاق وأصبحوا عبئا على الشعب وعلى الرئيس السيسى شخصيا.. ولا بد من إبادتهم وتطهيرهم ومحاسبتهم على ما ارتكبوه من إهمال وقصور وفساد وإفساد أدى لوفاة أناس أبرياء لا ذنب لهم إلا أنهم لا يملكون القصور والفيلل والعمارات الشاهقة فدفعوا حياتهم ثمنا رخيصا لهذا الفساد الممنهج  والمنظم والذى أصبح فوق القانون والدستور وفوق الجميع فى مصر، فسرطان الثروة أصبح أقوى من القانون. 
إن مأساة الإسكندرية لن تكون الأخيرة، لأنها نتيجة لعدم وجود رؤية أو خطة لمواجهة احتمالات تكرار هذه الأزمات فى كل محافظات مصر، وللأسف الشديد نحن فى انتظار مأساة جديدة لأن القائمين على الإدارة المحلية ليسوا على مستوى المسئولية أو على مستوى اتخاذ القرار ففاقد الشىء والرؤية والبوصلة لا يستطيع أن يتخذ قرارا ما دامت يده ملوثة بالفساد والرشوة والمحسوبية والمحاباة. 

 


فلذلك خرجت أصوات كثيرة من أهالى الإسكندرية تطالب الرئيس بإقالة قيادات وزارة الإدارة المحلية بسبب قراراتهم المتخبطة التى كشفتها كارثة الإسكندرية ومن قبلها كارثة الانتخابات البرلمانية، فهل يعقل أن يقوم مسئول بإعطاء نصف يوم إجازة فى اليوم الثانى من الانتخابات البرلمانية، ويعلن القرار فى منتصف اليوم؟! هذا يدل على التخبط وعدم إدراك المسئولية؛ ولذلك فإن الناس تطالب بأن يتولى الإدارة المحلية رجل مشهود له بالكفاءة والإدارة والعلم من رجال القوات المسلحة، ويتردد فى أروقة الشارع السياسى أن أخطر رجل فى هذه المرحلة لتولى هذه المسئولية رغم الأعباء الملقاة على عاتقه، هو اللواء كامل الوزيرى، رئيس أركان الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، والذى نجح فى زمن قياسى، مع زملائه، فى إنجاز أكبر مشروع فى تاريخ هذا الوطن الحديث وهو قناة السويس الجديدة، فالقضية أكبر من المجاملة والأسماء والوزراء والمحافظين، إذ لابد أن تكون هناك غربلة لهؤلاء المسئولين الذين فقدوا القبول الجماهيرى، وأصبحوا مرفوضين شعبيا، ونحن نقيس بما نتابعه فى الشارع ومن خلال أدوات التواصل الاجتماعى، التى تعبر عن الغضب الشعبى الحقيقى لفئة كبيرة من الناس فى مختلف الأعمار والأجيال التى تطالب الرئيس السسيسى شخصيا بأن يتدخل ويحدث ثورة حقيقية فى مواجهة لوبى الفساد الذى استشرى فى أجهزة الإدارة المحلية وخاصة فى الأحياء والوحدات المحلية التى أصبحت نموذجا صارخا لكل أنواع الفساد الذى يتصوره البشر أو لا يتصوره.. بالإضافة إلى قدرته التى لا يمكن لعالم أن يفك شفرتها فى تعذيب المواطنين؛ فهذه البيروقراطية المتعمقة والمرتبطة بكل أدوات الفساد تستخدم كل الطرق المشروعة وغير المشروعة فى كبت ومحاصرة وقتل المواطن وهو حى من خلال تعذيبه فى الحصول على الحد الأدنى من حقه فى الخدمات التى كفلها له الدستور والقانون.

 


ولأنهم فوق القانون والدستور وفوق كل الأجهزة الأمنية والمعلوماتية، فهم يمارسون أبشع أنواع تدمير الإنسان المصرى الرائع والجميل والصابر عليهم وتشويه القيادة السياسية، وزعزعة استقرار هذا الوطن وخلق نوع من الاضطراب داخل المجتمع المصرى، الذى أصبح قاب قوسين أو أدنى من الانفجار نتيجة التعمد والتربص بالمواطن ومحاولة خلق فجوة كبيرة بين السيسى والشعب.. فلمصلحة من يجرى ذلك؟.. الرئيس يسير بسرعة الصاروخ فى إنجاز مشروعات قومية وخدمية للمواطن البسيط ومحدود الدخل، ونجد حكومة عرجاء تعمل فى جزر منعزلة وتوقف وتفشل مشروعات السيسى لأنها تسير بسرعة السلحفاة، وكأن هناك نوعا من التعمد فى إثارة الرأى العام على الرئيس وخصم جزء من رصيده الشعبى نتيجة عدم إحساس هؤلاء المسئولين التنفيذيين– كل حسب موقعه- بالمسئولية، التى بسببها يمكن أن تحدث ثورة حقيقية، فنحن ننبه ونحذر ولا نجامل ولا نتحامل أن قدرة الناس على التحمل أصبحت صفرا، وأن قدرتهم على رد الفعل أصبحت عالية جدا ومهيأة لإحداث أى تصرف أو فعل، خاصة أن هناك جماعات إرهابية تغذى هذا التوجه وتحاول أن تشعل النار والفتن نتيجة ضعف مستوى المسئولين التنفيذيين فى كل المواقع؛ فهى تلعب بورقة أن الشعب يعانى وأن هناك أزمات وارتفاعا فى الأسعار، وتضخما فى الدولار؛ مما يرفع أسعار كل الخدمات والمواد الغذائية، وأن المواطن يدفع دائما فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة. 
فلذلك يجب أن تكون هناك قرارات على مستوى الحدث والمسئولية لأن ما جرى فى الإسكندرية سيظل عالقا فى ذاكرة الوطن والمواطن، ولا بد أن تكون القرارات فورية وحازمة لهدم كل الأدوار المخالفة فى عمارات الإسكندرية التى تستهلك شبكة الصرف الصحى وكل المرافق من كهرباء ومياه شرب وغيرها نتيجة هذا الطمع وهذا الفساد، وغياب الأجهزة المحلية، فى القيام بدورها بإزالة هذه المخالفات الصارخة التى لا يعمى عنها إلا كل فاسد ومستفيد. 
فأهالى الإسكندرية يطالبون الرئيس السيسى بسرعة إعادة بلدهم إليهم بعد أن اختطفه الفساد والإفساد ورجال الأعمال الذين باعوا ضمائرهم أمام حفنة جنيهات؛ فدماء الشهداء من أبناء الإسكندرية أغلى من كنوز الدنيا بأسرها، فهل آن الأوان لأن تكون هناك محاكمة علنية لهؤلاء الخارجين عن القانون أم سيظل الوضع على حاله؟. 
من هنا نقول إنه لا أمل فى الإصلاح والبناء طالما ظل الفساد فى موضع المسئولية واتخاذ القرار. 
وأخيرا.. هل تعود إلينا الإسكندرية بشواطئها وجمالها وأزقتها وحواريها التى شهدت كل أنواع الجمال والإبداع والموسيقى والشعراء؟!.. وأتذكر رائعة فيروز عندما غنت «شط اسكندرية» الذى كان نموذجا للجمال على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وأصبحت الآن أصابع وأيادى الفاسدين والمفسدين تعبث به وتدمر جمال الإسكندرية، فحاكموهم أو حاكمونا، فهذا المشهد المأساوى يفضح الفساد فى الإدارة المحلية. 
فهل تعود إلينا الإسكندرية؟.. هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة.. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.. ولا عزاء لأهالى الإسكندرية.