جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

اسامة شرشر يكتب:الشعب يعاقب الحكومة

-

دعونا نعترف بأن هناك خللا فى قانون الانتخابات كشف عنه العزوف التام من الجماهير فى محافظات المرحلة الأولى.. فالقوائم لا يعرفها أحد ولا يوجد فيها مرشحون من أبناء المحافظات كأنها جزر منعزلة عن بعضها؛ لذلك جاءت القوائم عبارة عن مجموعة أسماء من المرشحين الذين لا ينتمون للواقع الانتخابى بشىء، ناهيك عن الدائرة المجمعة لثلاث أو أربع دوائر على غرار انتخابات الشورى.
بالإضافة إلى اللوغاريتمات المحيرة التى تحتاج لمراقب أو محلل سياسى عند اختيار المرشحين سواء الفردى أو القوائم داخل المقر الانتخابى، فهؤلاء لا يعرفهم أحد وآلية الاختيار فى منتهى الصعوبة فكانت النتيجة الحتمية لهذا الخلل فى التطبيق هى عزوف الجماهير عن الخروج واعطاء فرصة تاريخية لحزب النور والأحزاب الليبرالية المتطرفة فى حصد مقاعد المرحلة الأولى، وهذا يعطى مؤشرا خطيرا أن الأحزاب ذات المرجعية الدينية سيكون لها مقاعد فى البرلمان، وهذا ما يرفضه الشعب المصرى.  

 

ولأن المواطن يعرف أن طريقة الانتخاب هذه المرة غريبة على طريقته المعتادة فى الاختيار على مدار عشرات السنوات كان عدم التصويت نوعا من العقاب للحكومة والدولة، بالإضافة إلى أن غالبية المرشحين على القوائم بالذات لا يعرفهم أحد ولم يسمع عنهم أحد وليس لهم تاريخ سياسى، وكانت المحاباة والمجاملة هى العامل المشترك لدخولهم القوائم الانتخابية كنوع من الوجاهة والترف السياسى وهم مجهولون لدى عامة الشعب المصرى، وبالتالى لم يخرج الناس ونسبة التصويت إذا وصلت 15% فهذا فضل من الله لحفظ البقية الباقية من ماء وجه الحكومة، لأن من خرج فى المرحلة الأولى خرجوا استجابة لنداء الرئيس ومن لم يخرج فكان يعاقب الحكومة، والرابح الوحيد من هذه الانتخابات هو حزب النور الذى يستطيع حشد أعضائه ومناصريه من الإخوان والجماعات الإسلامية لاقتناص المقاعد فى أخطر برلمان فى تاريخ مصر.

 

 

ولا يفوتنا بالطبع التنويه إلى القصور الشديد فى المشهد الإعلامى، حيث لم تقم وسائل الإعلام بدورها كما ينبغى فى نقل الصورة الصحيحة للمواطنين عن أهمية المشاركة فى الانتخابات، وكان يجب أن تقوم وسائل الإعلام ولمدة أسبوعين على الأقل بتهيئة المواطنين وتدريبهم على طريقة اختيار المرشح الأفضل، وكذلك تعريفهم بأهمية هذه الانتخابات لمستقبل مصر.
وكما نشر فى الزميلة «الجمهورية» فإن حزب النور والمصريين الأحرار يمثلان الفتنة القادمة فى مصر، ناهيك عن التربص والتعمد من حزب النور لتعطيل كل مشروعات القوانين التى تم إصدارها فى المرحلة السابقة ووضع مشروعات قوانين جديدة تعطل الحياة البرلمانية وتعطل المشروعات التشريعية والاقتصادية التى تدفع بعجلة التنمية إلى بر الأمان، فهذا الدور المزدوج الذى يلعبه حزب النور للوصول إلى البرلمان هو دور تكتيكى من خلال التهدئة والاستكانة حتى يصل إلى هدفه فى أن يفوز بمقاعد فى البرلمان؛ ومن هنا ينفذ مخططه الدينى فى فرض قوانين جديدة مرتبطة بالشريعة الإسلامية، ولا مانع من رفض الوقوف للسلام الجمهورى أو تحويل قاعة مجلس النواب إلى قاعة من المؤذنين للصلوات الخمس وأن تكون جلسات المجلس من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر أو تؤجل جلسات الاستجواب من صلاة العصر إلى صلاة العشاء.. وهذه ليست سخرية ولكنها إسقاط سياسى على الواقع والازدواجية التى نحياها؛ فالدستور يمنع وجود أى أحزاب ذات مرجعية دينية، ولجنة الأحزاب تقر بأحقية حزب النور فى الترشح للانتخابات، فأيهما أقوى؟! هذا هو الخلل الذى نحياه فى كل حياتنا.  

 


وهناك زاوية مهمة جدا هى أن المشهد الانتخابى فى المرحلة الأولى يعطى رسالة للخارج أن الشعب يرفض حكومته ويرفض كل الاستثمارات ورءوس الأموال؛ فيعاقبه مثلما عاقبت الحكومة الشعب بفرض الإتاوة عليه فى الكهرباء والماء والسكن ووسائل المواصلات، والعذاب اليومى فى الحصول على أى خدمة من أى مصلحة حكومية، حتى أصبحت «فوت علينا بكرة يا سيد» هى الرسالة التى توجهها الحكومة للمواطن.
لذلك فإن جهاز الإدارة المحلية يحتاج إلى إبادة نتيجة الخلل والفساد الذى ضربه فى الأعماق والذى لا يمكن إصلاحه إلا من خلال تفكيكه لوحدات إنتاجية فاعلة واستخدام لغة الحاسب الإلكترونى فى التعاملات الحكومية لمنع  الرشوة والمحسوبية أو التدخل البشرى فى المعاملات مع الجماهير، ولن نقول أمريكا أو فرنسا كمثال، ولكن فى الإمارات والكويت خلال دقائق تحصل على رخصة سيارة أو تنشئ شركة جديدة أو تنهى أية تعاملات حكومية بمنتهى السهولة واليسر بعيدا عن الرشاوى والدخول فى دائرة التعذيب.. بالإضافة إلى أن الناس قاموا بثورتين ولم يكن هناك أى مردود أو تغيير فى حياتهم المعيشية ولا توجد بارقة أمل فى حصول الشباب والفتيات على وظائف عمل ليشعروا أنهم فى دائرة اهتمام الدولة وأنها لم تنسهم، ولكن للأسف الشديد كان الفساد أكبر من الحكومة، ولم تستطع أن تواجه البنية التحتية للفساد فى الهيئات والشركات والإدارة المحلية التى أصبحت تستحق جائزة «أيزو الفساد العالمى».
وللأسف الشديد تم اختيار وزير إدارة محلية لا علاقة له بالإدارة المحلية حيث كان يعمل فى أكاديمية «أخبار اليوم» ولا علاقة له بمنظومة الإدارة المحلية وسيغرق فيها مثلما غرق الآخرون؛ فلوبى الفساد والإفساد أقوى.. هذا المكان يحتاج إلى عقلية وشخصية حازمة وحاسمة حتى تواجه هذا الفساد المستشرى فى كل إدارات الحكم المحلى.
وها هى اليوم النتيجة الحتمية لكل ما سبق.. عزوف الناس عن الانتخابات، نتيجة ما يلاقونه فى الوحدات المحلية وعدم وجود المحافظين وعدم تحقيق أى شىء فى منظومة العمل أو القمامة أو المشروعات الصغيرة والمتوسطة.. حتى أصبحت بعض المحافظات وكراً ومكاناً للفساد، خاصة من خلال صناديق المحافظات التى أصبحت مرتعاً للرشوة الحكومية المقننة فى الحصول على بدلات ومكافآت بدون وجه حق، وأصبح حال الشارع المصرى يدعو للأسى والحيرة والحزن لتراكم المشكلات على المواطنين، مثلما تتراكم القمامة فى الطرق والشوارع، وانخفض مستوى الخدمات فى شتى المجالات؛ وهذا يرجع لغياب آلية استجواب الأجهزة التنفيذية من خلال قانون إدارة محلية جديد يطبق آلية استجواب للمسئولين التنفيذيين حتى لا يتحول البلد إلى مرتع لهؤلاء الفاسدين القادمين من أعماق البيروقراطية العفنة.
فلذلك يجب على الحكومة أن تتفادى الوقوع فى نفس هذا الفخ والكمين الشعبى الذى نصب لها بعزوفهم عن الذهاب للانتخابات وأن تعمل على محاولة تغيير صورة الحكومة والمحافظين من خلال تقديم خدمات لوجستية ومتنوعة فى إطار القانون، لكى يستشعر المواطن أنه محل اهتمام المسئولين، وهذه هى الطامة الكبرى حيث إن سوء اختيار المحافظ أو المسئول انعكس على تقديم الخدمات لجموع المواطنين، فكان عدم التصويت العقاب للمحافظين والحكومة فى انتخابات مجلس النواب.
ومازالت هناك فرصة ذهبية فى إعادة تغيير هذا الوجه السيئ للحكومة والمحليات فى المرحلة الثانية بأن تكون هناك مرونة وتفهم لمصالح الناس وقضاء حوائجهم حتى يستشعر المواطن أن هناك قبولا ورضا واهتماما به كرقم حقيقى فى الحياة بالنسبة للدولة المصرية المدنية.. وهكذا يكون تطبيق المواطنة عملا وواقعا وليس شعارا واستفزازا.
فالمرحلة الثانية فى انتخابات مجلس الشعب ستكون هى الفاصلة فى تاريخ هذا الوطن وفى تاريخ البرلمان؛ حيث ستكون- بإذن الله- الكثافة التصويتية أكثر من 50% حتى نعوض هذا المشهد المأساوى للمرحلة الأولى «خدوا بالكوا دى مصر المنصورة دائما بفضل وعى شعبها».

 


ونقول لمواطنى المرحلة الأولى «رسالتكم وصلت بقوة إلى الرئيس السيسى شخصيا والقيادات السياسية» ولا بد أن يحدث التغيير الحقيقى فى تقييم واقعى للمحافظين والوزراء حتي تكون المرحلة القادمة هى مرحلة احترام إرادة الجماهير، والاستماع إليهم، وتنفيذ مطالبهم المشروعة وإعطائهم حقوقهم التى أقرها الدستور والقانون، ولكن للأسف الشديد الحكومة فى واد والمواطن فى واد آخر، فإذا لم تفق الحكومة فعليها أن ترحل.
وأقترح أن تكون الحكومة القادمة فى هذه الفترة العصيبة برئاسة الرئيس السيسى لتكون حكومة حرب فى مواجهة الفساد والإرهاب والأحزاب اليمينية المتطرفة؛ حتى لا يتم اختطاف البرلمان القادم، بسبب الحكومات العاجزة عن تنفيذ مطالب الشعب الحقيقية..
ارحلوا يرحمكم الله.. وشكر الله سعيكم.