جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب : أيام ومواقف فى نيويورك

-

كانت زيارتى الأولى لنيويورك لمتابعة زيارة الرئيس إلى مقر الأمم المتحدة فى هذه المدينة التى تجمع كل تناقضات العالم، فهذا البلد الذى يستقر على جانب نهره مبنى الأمم المتحدة، هو نفسه المسئول عن سقوط الدول وتفتيت الأمم. 
فالأيام التى عشناها لنعرف تفاصيل وأسرار هذا المقر الأممى، كشفت لنا أن هذه المنظمة تدار عن طريق الأمريكان، حتى قال لى أحد الدبلوماسيين «يا صديقى هذا مقر الأمم الأمريكية قولا وفعلا وإدارة»، فأمريكا هى الراعى والمهيمن على الأمم.. ولكن الملاحظة الخطيرة هذه المرة هى أن الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة أسقطت قناع الحريات ولعبة الديمقراطية وفضحت ما يسمى العولمة؛
فوجدنا كريستينا فرناندز، رئيسة الأرجنتين، تفضح لعبة العولمة وتقول ما معناه إنها خدعة أمريكية للاستيلاء على مقدرات وثروات الدول، بل إنها قالت بمنتهى الحسم إن دولا كبرى وأجهزة استخبارات عالمية تدعم وتمول وتدرب «داعش»، ذلك التنظيم الإرهابي الذى ظهر فجأة وفى أقل من عام تمدد كالسرطان وبقوة هائلة لا تملكها دول مثل سوريا والعراق وليبيا. 

 

كما كانت كلمة جاكوب زوما، رئيس جنوب إفريقيا فاضحة، عندما قال: هل يعقل أن القارة الإفريقية التى يزيد تعداد سكانها على مليار نسمة، لا يوجد لها تمثيل بعضو دائم فى مجلس الأمن، وفى نفس الوقت هناك ثلاث دول فى أوروبا وأمريكا تعداد سكانها أقل من إفريقيا لها مقاعد دائمة فى مجلس الأمن؟! أى عدالة هذه؟!.. مشيرا إلى أنه يخشى على القضية الفلسطينية من قرار حل الدولتين، خاصة أن الفلسطينيين لن يجدوا أرضا لوطنهم. 
فيما كشف راؤول كاسترو، رئيس كوبا، حقيقة السياسة الأمريكية، وفضحها على الملأ، خاصة معتقل جوانتانامو، هذا اللغز الأمريكى الذى لم يتم فك شفراته حتى الآن. 
وكانت المفاجأة المدوية عندما أعلن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بوتين بناءً على طلب الحكومة السورية، ودعما لبشار الأسد، بدء المشاركة العسكرية للطيران الروسى على معاقل داعش فى سوريا، وهو القرار الذى مثَّل صدمة للأمريكان، الذين لم يستطيعوا هزيمة داعش خلال عام كامل، بل أصبح التنظيم الإرهابى أكثر قوة من السابق، ولكن بوتين وضع أمريكا وأوروبا فى خندق المواجهة أمام العالم كله، وسيطهر سوريا من داعش، وعملاء الأمريكان فى سوريا التى تعتبر البوابة الشرقية للأمن القومى العربى عموما ومصر خاصة، وسقوطها فى يد داعش يعنى بالضرورة سقوط الأردن ولبنان، وهو ما يؤكد أن كل ما يجرى هو أمر مدبر بليل لحساب الصهاينة والأمريكان. 
أما المفاجأة الأكثر قوة فكانت فى إعلان الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبومازن، إلغاء اتفاقية أوسلو، خاصة أن هذا الإعلان جاء بعد رفع العلم الفلسطينى لأول مرة على مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة، مما جعل الجميع يتساءل: هل يتم إلغاء المبادرة العربية التى تقررت فى بيروت عام 2002، بعد أن تم تفريغها من مضمونها بإلغاء عباس اتفاقية أوسلو؟
كان حضور الرئيس السيسى لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أكثر تأثيرا ومشاركة فى صنع القرارات، كما كان لمصر دور استراتيجى فى بداية الحملة على داعش سوريا.. والحقيقة أن الرئيس السيسى منذ عام كامل حذّر من خطورة دعم وتمويل وتسليح هذا التنظيم الإرهابى، الذى سيكون خطرا على المنطقة العربية بأسرها، والذى سيمتد إرهابه ليطول الجميع بما فى ذلك أوروبا وأمريكا، ولكن للأسف كان المخطط الداعشى قد تم اعتماده والتصديق عليه من خلال أجهزة الاستخبارات الأمريكية والأوروبية، كما أرسل السيسى رسائل فى غاية الأهمية كقراءة مستقبلية للأحداث من خلال مبادرة الأمل والعمل من خلال استيعاب الشباب خشية الوقوع فريسة الأفكار الإرهابية باحتوائه وإدخاله وإشراكه فى المنظومة المجتمعية والسياسية والعملية، والاهتمام به حتى يكون جزءا من خارطة الدولة، لأن هؤلاء الشباب المغرر بهم هم الذين سيحملون المسؤولية فى المستقبل. 
وأثبت الرئيس أن موقف مصر ثابت دائما فيما يتعلق بالقضية السورية، وهى أن الحل السياسى هو السبيل الوحيد لإنقاذ الدولة السورية من التفكيك، لأن سقوطها يعنى سيطرة داعش والإخوان، كما أثبت أن مصر كان لها دور هام فى تحريك الماكينة الروسية للحفاظ على وحدة التراب السورى وجيشها العربى الأول. 
كل هذه المواقف والأحداث حدثت وسط انتفاضة الرؤساء على بيت الأمم سابقا «البيت الأمريكى حاليا»، كما استطاع السيسى خلال الزيارة التى استغرقت ستة أيام أن يعيد مصر كلاعب دولى وإقليمى مشارك بقوة وفاعلية فى كل الملفات الدولية، وأصبحت مصر تحظى بدعم إفريقى ودولى للحصول على مقعد غير دائم بمجلس الأمن، وهو ما سيكون ضربة قاضية للتنظيم الدولى للإخوان وأردوغان والقطريين. 
والتساؤل المهم هو: لماذا طلب هنرى كيسنجر لقاء الرئيس السيسى؟ ونحن نعلم أن هذا العجوز الداهية الذى يزيد عمره على 94 عاما هو أحد أهم صانعى السياسة الأمريكية لعقود مضت، وربما لعقود قادمة أيضا، ولا ننسى قولته الشهيرة مؤخرا بعد تردى الأوضاع فى سوريا «لا سلام فى المنطقة بدون سوريا، ولا حرب على الإرهاب بدون مصر»، وفى نفس السياق حرص بيل كلينتون وروسوس وكثير من المفكرين ورجال السياسة والاقتصاد على لقاء الرئيس السيسى، وهو ما يعكس مدى الأهمية التى أصبحت مصر تحظى بها مؤخرا فى السياسة الدولية، لأن هذه اللقاءات لا تكون مجرد لقاءات روتينية لتزجية الوقت، فهم يحللون ويقرأون ويتابعون بكل دقة كل حرف يقال، وبالتالى أعتقد أن لقاءهم مع السيسى كان هدفه فهم التصور المصرى لما يجرى فى العالم العربى وتوقع السيناريوهات القادمة، وكيفية التصدى للتنظيمات الإرهابية.
كما كشفت الزيارة عن مدى ذكاء السيسى ومعاونيه، حيث التقى خلال 6 أيام بأكثر من 43 رئيس دولة وحكومة من جميع أنحاء العالم، وكان الذكاء متمثلا فيى أن اللقاءات كانت متنوعة بين لقاءات إفريقية وعربية وآسيوية وأوروبية ولقاءات مع ممثلى دول أمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى لقاءات الرئيس التلفزيونية مع القنوات الأمريكية خاصة cnn، هذه الآلة الإعلامية الخطيرة التى تمثل بوقا للقرارات الأمريكية، ناهيك عن الحضور المصرى القوى داخل الأمم المتحدة وهو ما ظهر جليا فى التصفيق الحاد والطويل الذى حظيت به كلمة الرئيس السيسى، والذى لم ينته إلا بشكر الرئيس للحاضرين وقوله «تحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر». 

 

حكايات من داخل الأمم المتحدة

■ كان عمرو موسى السياسى المخضرم أول المهنئين للرئيس السيسى بعد إلقاء كلمته الخطيرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. 
 من المفارقات الطريفة أن الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، بمجرد نزوله أرض المطار فى نيويورك طلب تناول الطعمية المصرية، وهو الطلب الذى استطاع أحد المصريين تلبيته بالرغم من أن الساعة كانت قد تعدت الثانية صباحا. 

■ نجح السفير ياسر رضا، الدبلوماسى الذكى، فى قيادة دفة الدبلوماسية المصرية فى واشنطن خلال أخطر مواجهة مع الأمريكان، وذلك بمعاونة السفير عمرو أبو المعاطى، رئيس البعثة الدبلوماسية فى نيويورك، ومجموعة من السفراء الذين يواجهون ألاعيب الأمريكان فى أخطر مرحلة تمر بها مصر. 

■ كالعادة كان لسامح شكرى، وزير الخارجية، حضور قوى، ورغم لقاءاته مع أغلب وزراء الخارجية على مستوى العالم وكثرة مشاغله، استقطع وقتا ثمينا للقاء الوفد الإعلامى المصرى، للإجابة عن كافة الأسئلة “ولكن على طريقة سامح شكرى”. 

■  لا بد أن نعترف ونقول للسفير صلاح عبدالصادق، رئيس هيئة الإاستعلامات، إن هناك كوادر معه تستحق الإشادة والمكافأة على هذا الأداء العالى رغم عدم وجود إمكانيات على الإطلاق، سواء إمكانيات إعلامية أو مادية، وأخص دينا عزت المستشارة الإعلامية الواعدة بواشنطن، التى بقى لها شهران وترحل، فيجب المد لمثل هذه الكفاءات، ومعها الملحق إيهاب هذا الشاب الواعد بكل معانى الكلمة، والذى بذل مجهودا خرافيا مع رؤساء التحرير ومراسلى البرامج التلفزيونية، ومحررى الرئاسة ليمكنهم من القيام بأفضل تغطية إعلامية، حتى إنه وفر سيارات إضافية لم يكن لها اعتماد مالى.. بالإضافة إلى حسام أمين من هيئة الاستعلامات بالقاهرة الذى تفوق على نفسه وقام بحجز الفنادق للوفد بالرغم من أن كافة الفنادق كانت محجوزة لوفود 193 دولة، وذلل كافة الصعاب للوفد الإعلامى بخبرته السابقة كمستشار إعلامى فى واشنطن من 10 سنوات، واستطاع مع دينا وإيهاب عبد اللطيف تكوين فريق عمل بخبرة عالية، يعمل على مدار 24 ساعة وحتى بعد إغلاق مكتب نيويورك، لتلبية احتياجات أكثر من 50 إعلاميا فى وقت واحد.. ويجب أن يعاد النظر فى خارطة المكاتب الإعلامية والاستعانة بمثل هذه الكفاءات بعيدا عن اللوائح العقيمة التى تفرز أشباه مستشارين إعلاميين، يعملون كموظفين ويكونون عبئا على الدولة والصحفيين.. ارحمونا يرحمكم الله.  التقينا بالدكتور محمود محيى الدين داخل مقر الأمم المتحدة وفى أحد المطاعم وكان سعيدا باللقاء، إلا أنه أبدى تحفظا شديدا على الكلام. 
 كان لوجود ثناء يوسف، هذه المرأة التى تمثل ذاكرة وأحداث مصر داخل مقر الأمم المتحدة فى أصعب لحظاتها، دور إيجابى كبير.. التقينا بها وكان محور الحديث هو الدكتور أسامة الباز هذا الدبلوماسى الذى يمثل علامة فارقة وهامة فى تاريخ الدبلوماسية المصرية. 

 ■ كان مسك الختام لقاءنا مع الدكتور مايكل مورجان، صاحب برنامج “النبض الأمريكى”، وهو مصرى يجمع بين الأصالة المصرية والمروءة وإنكار الذات والمعاصرة فى لغة الخطاب الإعلامى على الطريقة الأمريكية، واستطاع هذا الشاب المصرى القادم من شبرا أن يلتقى مع أكبر صانعى السياسة الأمريكية نذكر منهم على سبيل المثال لقاؤه مع رامسفيلد، وكثير من أعضاء الكونجرس الأمريكى والنخب ومراكز البحوث الأمريكية، ولأنه يدرك كيفية صنع القرار الأمريكى فهو يخاطبهم بلغتهم، وكان لقاؤه معنا فى لقاءات الرئيس السيسى إشارة إلى أنه أحد أهم أعضاء الجالية المصرية التى تعمل فى صمت، ولا ننسى فريق عمله الرائع المكون من نادر فتحى الذى يلاعب الكاميرا والأستاذ كارلوس العقل المفكر للبرنامج، والصحفى المهنى المخضرم، أحمد محارم، وكثير من رجال الجالية المصرية التى بذلت جهدا كبيرا لمواجهة الفعاليات الإخوانية. 

 ■ أحدث وجود البابا فرانسيس الأول بابا الفاتيكان فى نيويورك زلزالا سياسيا وشللا مروريا فى المدينة، نتيجة اصطفاف آلاف المواطنين والسياح فى الشوارع الرئيسية على جانبى الطريق، أملا فى مرور البابا ورؤيته ومصافحته، وقضى المواطنون ساعات طويلة فى انتظار موكب البابا، مما أحدث ربكة فى حركة المرور بالمدينة. 
وعلى جانب آخر رفض البابا دعوة أوباما للعشاء، وفضل أن يقيم مأدبة لثلاثين فردا من فرقاء المدينة، وكانت كلمة قداسته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة رسالة سلام ومحبة لدول العالم.

■ من اللافت للنظر أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما اختار فندق بالاس الذى يقيم فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى كمقر لإقامته، خاصة أن الفندق الذى كان الرئيس الأمريكى معتادا على النزول فيه اشترته شركة صينية، وساورت الخدمة السرية الأمريكية المسئولة عن أمن الرئيس مخاوف من تعرض رئيس أمريكا للتجسس الصينى فى الفندق، فنقلوا مقر إقامته لفندق بالاس.

 

رجال حول الرئيس

حقيقة لا تعرف المجاملة ولا المزايدة، أن الرئيس السيسى كان يعمل يوميا فى نيويورك أكثر من عشرين ساعة ولا ينام تقريبا، ومعه كتيبة من المخلصين على رأسهم اللواء عباس كامل، مدير مكتبه، الذى يحظى بعلاقات ممتازة مع كل الوفد الإعلامى المصرى لتواضعه الجم وذكائه الحاد، ودبلوماسيته الشعبية، ومعه السفير علاء يوسف، هذا الرجل الذى أحاط الوفد الإعلامى بكل صغيرة وكبيرة حول لقاءات الرئيس مع رؤساء الدول من خلال مؤتمراته الصحفية ولقاءاته الثنائية مع الوفد الإعلامى. 
ويمتاز علاء يوسف بأنه صديق للجميع.. ومن خلال أدبه الدبلوماسى الراقى، فإنه يحظى بحب الجميع.. كما لا ننسى بالطبع اللواء مصطفى الشريف، رئيس ديوان رئيس الجمهورية، الذى كان يطمئن من بعيد على سير الأمور فى مجراها، وكتيبة رئاسة الجمهورية الذين يعملون بصمت، وكان لحضور الدكتور خالد فهمى، وزير البيئة، دور ملحوظ وقد أدلى بكمّ من الحوارات والأحاديث الصحفية وأجرى لقاءات تلفزيونية عديدة عن قمة المناخ، وكان رائعا وبسيطا ومتعاونا مع الوفد الإعلامى المصرى، وكذلك الدكتورة سحر نصر وزيرة التعاون الدولى- التى كلفها الرئيس بمهمة خطيرة فى واشنطن- كانت مثار اهتمام الجميع ببساطتها وعلمها.
وأيضا كان أشرف سالمان أكثر حضورا وارتباطا بالوفد الإعلامى المصرى شارحا آلية الاستثمارات الخارجية فى المرحلة المقبلة، بالإضافة إلى غادة والى التى أدلت بتصريحات للقنوات الفضائية المصرية مع أحمد موسى وقناة الحياة. 

■ لبى عدد كبير من الإعلاميين والصحفيين المشاركين فى الوفد الإعلامى المصرى الذى حضر لقاءات الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الأمم المتحدة دعوة محمد أبوالعينين، رئيس المنتدى الأورومتوسطى، مالك قناة صدى البلد الفضائية، للعشاء فى أحد مطاعم نيويورك.

■ نجح رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة للعام الثانى على التوالى فى إحداث نقلة إعلامية للدعاية المصرية على الطريقة الأمريكية فى نيويورك.  ودار حوار جانبى بينى وبين أحمد أبوهشيمة على طائرة مصر للطيران أثناء العودة، حول أهمية هذه الدعاية لمصر، ومردودها الإيجابى.. برافو أبوهشيمة.

 

حكاية شوبير الإخوانى فى نيويورك

علمنا من بعض المصادر المطلعة حكاية محمد شوبير، أحد أهم الرعاة لحشد الإخوان أمام مقر الأمم المتحدة وفندق بالاس الذى أقام فيه الرئيس السيسى؛ فهذا الإنسان- الذى يحمل للأسف الشديد الجنسية المصرية حتى الآن- قام ببناء جامع ومدرسة داخله ويحظى كما يقول المصريون فى أمريكا بدعم قطرى وتركى يفوق الخيال بالإضافة إلى دعم المنظمات الأمريكية، وهو الأمر الذى يبدو صحيحا، وإلا فكيف يتحصل على مرتبات المدرسين والمرافق التى تتعدى 750 ألف دولار شهريا؟!
من هذا الشوبير ومن أين يأتى بهذه الأموال الطائلة، وكيف لا تسقط عنه الجنسية المصرية حتى الآن؟ سؤال برىء لوزير الخارجية.