جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: لماذا شريف إسماعيل؟

-

كان اختيار الرئيس عبدالفتاح السيسى، لرئيس الحكومة الجديد المهندس شريف إسماعيل- زلزالا سياسيا أحدث ضجة فى الشارع السياسى المصرى، ما بين مؤيد ومعارض لهذا الاختيار، خاصة أن الانتخابات البرلمانية على الأبواب وأن العمر الافتراضى لأى حكومة قادمة لن يتعدى 100 يوم.
ودعونا نقل بكل صراحة وصدق إن حسابات الرئيس دائما تختلف عن أى حسابات شكلية أو كلامية أو إنشائية لأنها مبنية على تقارير ومتابعات وقراءة للشخصية التى تستطيع أن تقود سفينة الدولاب الحكومى الذى اهتزت صورته فى الفترات الأخيرة، وأحدث ذلك نوعا من الرفض الشعبى للحكومات البيروقراطية، خاصة بعد التظاهرات والتجمعات والإضرابات التى تعترض على قانون الخدمة المدنية، وكأن الشعب المصرى قد تناسى أو نسى أن هذه التجمعات كانت سببا فى هز صورة الدولة المصرية فى أخطر مرحلة فى تاريخها.

دعونا نحلل الموقف بتأنٍ، وقراءة موضوعية، وقراءة لشكل الاختيار، ولماذا شريف إسماعيل فى هذا التوقيت، وهو جزء لا يتجزأ من حكومة إبراهيم محلب السابقة، فالناس كانت تنتظر أن يكون رئيس الحكومة الجديدة من خارج الصندوق الحكومى والوزارى الموجود حاليا، وكان كل المراقبين والمحللين والمتابعين للشأن السياسى المصرى يتوقعون أن يقع اختيار الرئيس السيسى على شخصية اقتصادية، ليست لها انتماءات حزبية وخارج الصندوق الذى يرفضه الشعب المصرى، وأنه سيبحث عن شخصية جديدة ذات مقومات ومعايير وأدوات جديدة تمتص الغضب والرفض الشعبى لكثير من المآخذ على حكومة محلب، وتمتاز بالكفاءة والسمعة الطيبة ونظافة اليد، ويكون لها مواقف ضد الفساد والمفسدين، والنخب الفاسدة من رجال الأعمال الذين أصبحوا عبئا على الشعب والدولة ويريدون أن يتربحوا مليارات من دماء الغلابة، خاصة بعد السقوط المدوى لصلاح هلال، وزير زراعة محلب، فهذا الهلال معه نجوم كثيرة يتفننون ويخترعون طرقا جديدة للنصب والاحتيال والفساد الممنهج وأخذ أراضى الدولة والشعب والتربح وتحقيق مليارات الجنيهات، وأصبحوا يمثلون «لوبى» يتدخلون به فى الانتخابات البرلمانية ويفرضون شروطهم، بل أصبح المشهد السياسى جزءا لا يتجزأ من مشهد الفساد المنظم من خلال اختيارات النواب الجدد، من خلال شرائهم ودفع ملايين الجنيهات لهم، وكأن البرلمان القادم بعد ثورتين سيشهد مزيدا من نواب الملايين، الذين قبلوا على أنفسهم أن يباع بلدهم للشيطان الأكبر الذى يعتبر جزءا لا يتجزأ من أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وكل همّ هؤلاء المدعين الجدد هو
إسقاط الدولة المصرية وتفكيك الجيش المصرى، وتقسيم الوطن لدويلات، خاصة أن المشهد السورى والعراقى أسعدهم لأنه يترجم نظرية المؤامرة وتقسيم الأوطان حتى تكون إسرائيل ذات الثمانى ملايين نسمة هى رقم واحد بعد سقوط الجائزة الكبرى لرجال الأعمال والأمريكان والإخوان وأردوغان والقطريين وهى مصر الكنانة.
فإنهم عاشوا وتعايشوا وتربحوا من القبح والنصب والاحتيال، وأكل حقوق الشعوب، لأنهم لا وطن لهم ولا ضمير يهزهم لأنهم أدوات الشيطان الجدد.
فلذلك كان اختيار شريف إسماعيل رئيسا لوزراء مصر فى أخطر مرحلة فى تاريخ الوطن، له حسابات دقيقة، ووراءه معلومات حقيقية أن الرجل وهو وزير للبترول فى حكومة محلب، كان محصنا ضد الفساد، وسيرته الذاتية والوظيفية تجعله نموذجا للكفاءة والشرف كى يقود سفينة الوطن، خاصة أن قطاع البترول الذى يعتبر من القطاعات الاستراتيجية، ومن القطاعات المميزة للعاملين فيه، لم نسمع به عن حالات فساد فجة، مثلما حدث فى كثير من الوزارات، خاصة أن قطاع البترول يتعامل بمليارات الدولارات مع الشريك الأجنبى، ورغم ذلك لم نسمع ولم ترصد الأجهزة الأمنية أى أخبار فساد سواء للمسئولين أو العاملين فى هذا القطاع الحيوى والمميز، بل على العكس إن هذا القطاع يطهر نفسه أولا بأول ويقوم المسئولون فيه بإبلاغ الجهات الرقابية عن أى حالة فساد، فهو ليس معصوما من الخطأ ولكنه لا يغذى شبكات الفساد العنكبوتية التى عششت فى كثير من قطاعات الدولة الخدمية، خاصة قطاع الزراعة والإداراة المحلية الذى أًصبح يمثل نموذجا للفساد الفج، وأصبحوا يحصلون على جوائز أيزو للفساد، ونحن لا نستبق التحقيقات لأن هناك شبكة عنكبوتية فيها أسماء من العيار الثقيل على كل المستويات الإعلامية والتنفيذية ستهز الرأى العام فى المرحلة القادمة.
ناهيك أن شريف إسماعيل من طبيعته وشخصيته أنه لا يتحدث كثيرا للإعلام فهو يعمل أكثر مما يتكلم، ويمتاز بالذكاء والقدرة على إدارة دولاب العمل والضرب على مواطن الفساد والإفساد فى صمت، بالإضافة إلى قدرته على تحفيز العاملين معه واستخراج كل طاقاتهم الإبداعية والعلمية والبحثية، فى أهم قطاع من قطاعات الدولة وهو قطاع الطاقة، لأن الطاقة مثل المياه هى شريان الحياة، لأنه لا وجود لأى استثمار فى مشروعات جديدة إذا لم تتوفر الطاقة، فالطاقة أصبحت بالنسبة للمواطن والوطن أمنا قوميا بالمعنى الحقيقى.
فنجاح شريف إسماعيل- فى صمت ودون ضجيج ودون إعلام أو شعارات- فى عقد أكثر من 60 اتفاقية فى البحث والاستكشاف والتنقيب مع كبرى الشركات الأجنبية وتسديد جزء كبير من المديونية للشريك الأجنبى، بعد أن كادت مصر تقع فى عالم التحكيم الدولى، وما أدراك ما التحكيم، والذى كان سيكلف خزائن الدولة ما لا طاقة لنا به- هو تحقيق للمعادلة الصعبة فى ظروف استثنائية، حيث نجح فى أن يحقق أكبر اكتشاف بترولى فى تاريخ مصر من الغاز والذى جعل البورصات العالمية تهتز وجعل إسرائيل تعيد حساباتها، وبعد أن كنا سنستورد منها الغاز وكانت هذه الطامة الكبرى لمصر، والمفاجأة الكبرى أن هناك اكتشافات بترولية جديدة سيتم الإعلان عنها فى المرحلة القادمة، فلذلك كان اختيار الرئيس لشريف إسماعيل اختيارا حالفه التوفيق، بعيدا عن ثورة الإعلام والفضائيات والأحزاب والقوى السياسية والمدعين الذين لا يعرفون هذا الرجل.
ولا أقول جديدا إننى أعرف شريف إسماعيل منذ قرابة عشرين عاما والتقيت به فى كل مستوياته الوظيفية ووجدته رجلا يمتاز بالدقة والنظام وعدم المجاملة وإعطاء كل ذى حق حقه، وينتفض لصالح أصحاب الحقوق، ويطبق القانون على الجميع، فلذلك الذين يقولون إنه كان صديقا لمحمد فودة، أقول لهم إن هذا غير حقيقى، ونحن نعلم المعطيات والأسباب، وأنه عندما ذهب فودة وهو مدعوم بإحدى الجرائد اليومية الخاصة، لمقابلة الوزير، متسلحا بتأثيرها القوى على كل الوزراء والمعروفة لدى مؤسسة الرئاسة، قابله الوزير وساهم فى حل جزء من مشاكل المواطنين، فى توصيل الغاز الطبيعى للمناطق المحرومة وهذا لا يأتى لعيون فودة وشركاه ولكن هناك خطة موضوعة بالفعل لتوصيل الغاز الطبيعى لأغلب مدن الجمهورية.
ولكن المؤسف أن يكون هذا عكازا لضرب شريف إسماعيل فى أنه قابل الفاسدين والمفسدين؛ فهو وزير يرأس وزارة خدمية تخدم الناس والشعب فى توصيل الغاز الطبيعى، ومن حق أى مواطن أن يقابل الوزير نتيجة ما يعانيه من مشاكل فى توصيل الغاز.
فلذلك أعجبنى جدا أن اختيار شريف إسماعيل كان مفاجأة للجميع، وهذا إن دل على شىء فهو يدل على أن مراكز الاستطلاع والمراكز البحثية والفضائيات والصحف لم تقرأ ولم تعلم حتى الآن لماذا تم اختيار شريف إسماعيل، لهذا المكان، كرئيس لوزراء مصر، والذى ستجرى فى عهده أخطر انتخابات برلمانية فى تاريخ الوطن.. والإجابة فى كلمات بسيطة أن شريف إسماعيل محصن ضد الفساد، وقادر على إدارة الدولاب الحكومى الذى أصبح مباحا ومستباحا للنهب من خلال اللصوص الجدد.