جريدة النهار المصرية

حوارات

محمد شاكر.. رجل المهام الصعبة

أسامة شرشر -

‭"‬إن‭ ‬لم‭ ‬تحضر‭ ‬انقطاع‭ ‬التيار‭ ‬وقت‭ ‬الإفطار‭ ‬فى‭ ‬منزلك،‭ ‬لن‭ ‬يفوتك‭ ‬غيابه‭ ‬وقت‭ ‬السحور‭".. ‬شعار‭ ‬آمن‭ ‬به‭ ‬المصريون‭ ‬فى‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استمر‭ ‬انقطاع‭ ‬التيار‭ ‬الكهربائى‭ ‬بشكل‭ ‬يومى‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المناطق،‭ ‬وانتظر‭ ‬الجميع‭ ‬رد‭ ‬وزارة‭ ‬الكهرباء‭ ‬على‭ ‬تكرار‭ ‬الحدث‭ ‬فجاءت‭ ‬أولى‭ ‬كلمات‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬شاكر،‭ ‬وزير‭ ‬الكهرباء‭ ‬والطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬فى‭ ‬مؤتمر‭ ‬صحفى‭ ‬له‭: "‬مديونية‭ ‬الكهرباء‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬163‭ ‬مليار‭ ‬جنيه‭". ‬تصريح‭ ‬بدأ‭ ‬به‭ ‬الوزير‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينتهى‭ ‬المؤتمر‭ ‬بزيادة‭ ‬تعريفة‭ ‬الكهرباء،‭ ‬لتستطيع‭ ‬تحديث‭ ‬بنيتها‭ ‬التحتية‭ ‬المتهالكة،‭ ‬أو‭ ‬الدخول‭ ‬فى‭ ‬مشروعات‭ ‬جديدة‭ ‬لبناء‭ ‬محطات‭ ‬تستوعب‭ ‬الزيادة‭ ‬المتنامية‭ ‬فى‭ ‬الاستهلاك،‭ ‬التى‭ ‬تصل‭ ‬لـ2‭% ‬سنوياً‭.‬

ورغم‭ ‬اعتراف‭ ‬الوزير‭ ‬بأن‭ ‬نسبة‭ ‬تحصيل‭ ‬فواتير‭ ‬الكهرباء‭ ‬داخل‭ ‬شركات‭ ‬التوزيع‭ ‬انخفضت‭ ‬بعد‭ ‬ثورتى‭ ‬25‭ ‬يناير‭ ‬و30‭ ‬يونيو،‭ ‬فإنه‭ ‬أعلنها‭ ‬صراحة‭ ‬بأن‭ ‬استمرار‭ ‬تراكم‭ ‬مديونيات‭ ‬الوزارة‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬معاناة‭ ‬القطاع‭ ‬والمواطنين‭ ‬بالتبعية‭ ‬من‭ ‬ظاهرة‭ ‬تخفيف‭ ‬الأحمال‭ ‬أو‭ ‬قطع‭ ‬التيار‭ ‬الكهربى‭ ‬باتجاه‭ ‬مؤشر‭ ‬إنتاج‭ ‬محطات‭ ‬الكهرباء‭ ‬للأسفل،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الصعود‭ ‬التدريجى‭ ‬للإلحاق‭ ‬بمؤشر‭ ‬الاستهلاك،‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬الامتناع‭ ‬عن‭ ‬دفع‭ ‬فاتورة‭ ‬الكهرباء‭ ‬يزيد‭ ‬وطأة‭ ‬الظلام‭ ‬الذى‭ ‬تعيشه‭ ‬مصر‭.‬

حاول‭ "‬شاكر‭" ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬إسعاف‭ ‬عاجلة‭ ‬لقطاع‭ ‬دخل‭ ‬غرفة‭ ‬الإنعاش‭ ‬منذ‭ ‬أربع‭ ‬سنوات،‭ ‬فما‭ ‬بين‭ ‬الدفع‭ ‬بخطط‭ ‬استخدام‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ (‬الشمسية‭ - ‬الرياح‭)‬،‭ ‬وإلزام‭ ‬المبانى‭ ‬الحكومية‭ ‬بإنشاء‭ ‬محطات‭ ‬شمسية‭ ‬للإنارة،‭ ‬والإعلان‭ ‬عن‭ ‬برامج‭ ‬توزيع‭ ‬اللمبات‭ ‬الموفرة‭ ‬للطاقة‭ ‬بشكل‭ ‬إلزامى‭ ‬داخل‭ ‬المنازل‭ ‬محاولات‭ ‬عدة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تقليل‭ ‬استهلاك‭ ‬الكهرباء‭.‬

‭"‬بالمعقول‭"‬،‭ ‬كان‭ ‬الاسم‭ ‬الذى‭ ‬أطلقته‭ ‬وزارة‭ ‬الكهرباء‭ ‬والبترول‭ ‬على‭ ‬أول‭ ‬مبادرة‭ ‬وطنية‭ ‬منذ‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭ ‬بغرض‭ ‬تقليل‭ ‬استهلاك‭ ‬الكهرباء،‭ ‬رغم‭ ‬ظهور‭ ‬إعلانات‭ ‬المبادرة‭ ‬على‭ ‬استحياء‭ ‬بالطرق‭ ‬السريعة‭ ‬وفى‭ ‬بعض‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬وعلى‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعى،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬هناك‭ ‬حاجز‭ ‬بين‭ ‬مناشدات‭ "‬شاكر‭" ‬واقتناع‭ ‬المواطنين‭ ‬بضرورة‭ ‬ترشيد‭ ‬استهلاك‭ ‬الكهرباء،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الطرق‭ ‬الإلزامية‭ ‬للترشيد‭ ‬الحل‭ ‬الأخير‭ ‬له‭.‬

اتضحت‭ ‬إحدى‭ ‬الطرق‭ ‬الإلزامية‭ ‬للترشيد‭ ‬فى‭ ‬الخطة‭ ‬التى‭ ‬ناقشها‭ ‬وزير‭ ‬الكهرباء‭ ‬مع‭ ‬شركات‭ ‬التوزيع‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المحافظات‭ ‬باستبدال‭ ‬إلزامى‭ ‬للمبات‭ ‬المتوهجة،‭ ‬الأكثر‭  ‬استهلاكاً‭ ‬للكهرباء،‭ ‬لمبات‭ ‬موفرة،‭ ‬لتوفير‭ ‬90‭% ‬من‭ ‬الاستهلاك‭ ‬داخل‭ ‬القطاع‭ ‬المنزلى،‭ ‬بجانب‭ ‬توقيع‭ ‬المواطن‭ ‬على‭ ‬محضر‭ ‬تسليم‭ ‬وتركيب‭ ‬اللمبات‭ ‬لضمان‭ ‬استخدامها‭ ‬فى‭ ‬الإنارة‭ ‬المنزلية،‭ ‬التى‭ ‬تسهم‭ ‬بنسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬نسبة‭ ‬الاستهلاك‭ ‬الكهربى‭.‬

يردد‭ "‬شاكر‭" ‬دوماً‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬عصا‭ ‬سحرية‭ ‬لإنهاء‭ ‬أزمة‭ ‬انقطاع‭ ‬التيار‭ ‬الكهربى‭ ‬خلال‭ ‬أيام‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬أشهر‭ ‬مقبلة،‭ ‬وأن‭ ‬دولاً‭ ‬كثيرة‭ ‬كانت‭ ‬تمتلك‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬متهالكة‭ ‬لمحطات‭ ‬الكهرباء‭ ‬لم‭ ‬تتعافَ‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬الاستهلاك‭ ‬المطرد،‭  ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬خططه‭ ‬المبتكرة،‭ ‬وسعيه‭ ‬الدءوب‭ ‬والجاد‭ ‬لحل‭ ‬الأزمة‭ ‬مكنه‭ ‬وبنجاح‭ ‬أبهر‭ ‬الخصوم‭ ‬قبل‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬من‭ ‬القضاء‭ ‬بنسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬أزمة‭ ‬انقطاع‭ ‬الكهرباء‭.. ‬ربما‭ ‬مازالت‭ ‬الكهرباء‭ ‬تنقطع‭ ‬أحيانا‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأكيد‭ ‬أن‭  ‬خطط‭ ‬شاكر‭ ‬خففت‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬الأزمة،‭ ‬وجعلتها‭ ‬أمرا‭ ‬قابلا‭ ‬للحل‭ ‬بعدما‭ ‬كان‭ ‬الجميع‭ ‬يعتبرها‭ ‬أزمة‭ ‬مستحيلة‭ ‬الحل،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬اختيار‭ ‬الرجل‭ ‬المناسب،‭ ‬يكون‭ ‬دائما‭ ‬هو‭ ‬المفتاح‭ ‬والخطوة‭ ‬الأولى‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬أى‭ ‬مشكلة‭. ‬

 

 

خطواته‭ ‬الأولى‭ ‬داخل‭ ‬مقر‭ ‬الوزارة،‭ ‬مع‭ ‬حكومة‭ ‬محلب‭ ‬الأولى،‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬تعديل‭ ‬اسمها‭ ‬من‭ "‬وزارة‭ ‬الكهرباء‭" ‬إلى‭ "‬وزارة‭ ‬الكهرباء‭ ‬والطاقة‭ ‬المتجددة‭"‬،‭ ‬ليتحول‭ ‬حلم‭ ‬إنتاج‭ ‬20‭% ‬من‭ ‬طاقة‭ "‬الرياح‭ - ‬الشمس‭" ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬حبر‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬وكلمات‭ ‬يرددها‭ ‬المسئولون‭ ‬فى‭ ‬المحافل‭ ‬المختلفة‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬التنفيذية‭ ‬بدأها‭ ‬شاكر‭ ‬بوضع‭ ‬التعريفة‭ ‬الجديدة‭ ‬للتغذية‭ ‬الكهربائية‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬مستفيداً‭ ‬من‭ ‬خبرات‭ ‬جهاز‭ ‬مرفق‭ ‬الكهرباء‭ ‬وحماية‭ ‬المستهلك‭ ‬لوضع‭ ‬دراسة‭ ‬تعريفية‭ ‬تضاهى‭ ‬الموجودة‭ ‬فى‭ ‬ألمانيا‭. ‬وتحولت‭ ‬التعريفة‭ ‬الجديدة‭ ‬للطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬إلى‭ ‬نافذة‭ ‬عبَر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬175‭ ‬مستثمراً‭ ‬لبوابة‭ ‬وزارة‭ ‬الكهرباء‭ ‬لتقديم‭ ‬عروض‭ ‬للاستثمار‭ ‬بمشروعات‭ ‬فى‭ ‬طاقة‭ "‬الشمس‭ - ‬الرياح‭" ‬بعد‭ ‬تعرُّض‭ ‬الوزارة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الثلاث‭ ‬الماضية‭ ‬لنضوب‭ ‬بالاستثمارات‭ ‬الجديدة‭ ‬داخل‭ ‬قطاع‭ ‬الكهرباء‭.‬

‭"‬شاكر‭"‬،‭ ‬الذى‭ ‬تخرّج‭ ‬فى‭ ‬كلية‭ ‬الهندسة‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭ ‬عام‭ ‬1968،‭ ‬حققت‭ ‬سياسته‭ ‬الجديدة‭ ‬ثمارها‭ ‬قاهراً‭ ‬للظلام،‭ ‬ومحققاً‭ ‬لفائض‭ ‬فى‭ ‬الإنتاج‭ ‬بالشبكة‭ ‬القومية‭ ‬للكهرباء‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬سنوات،‭ ‬قفز‭ ‬معها‭ ‬إجمالى‭ ‬إنتاج‭ ‬محطات‭ ‬الكهرباء‭ ‬إلى‭ ‬28‭ ‬ألف‭ ‬ميجاوات‭ ‬مقارنة‭ ‬بالعام‭ ‬الماضى‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يتخط‭ ‬25‭ ‬ألف‭ ‬ميجاوات‭.‬

‭"‬رمضان‭ ‬2015‭ ‬سيشهد‭ ‬تحسناً‭ ‬مقارنةً‭ ‬بالعام‭ ‬الماضى‭"‬،‭ ‬كلمات‭ ‬رددها‭ "‬شاكر‭" ‬وهو‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬صلبة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اطمأن‭ ‬لنجاح‭ ‬رؤساء‭ ‬شركات‭ ‬الكهرباء‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬فى‭ ‬تنفيذ‭ ‬مواعيد‭ ‬صيانة‭ ‬المحطات‭ ‬فى‭ ‬موعدها‭ ‬المحدد،‭ ‬وتنفيذ‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬90‭% ‬من‭ ‬الخطة‭ ‬العاجلة‭ ‬لمواجهة‭ ‬زيادة‭ ‬الأحمال‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬المقبلة‭ ‬بإضافة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1700‭ ‬ميجاوات‭ ‬قبل‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬من‭ ‬إجمالى‭ ‬3600‭ ‬ميجاوات‭ ‬من‭ ‬المقرر‭ ‬إضافتها‭ ‬قبل‭ ‬أغسطس‭ ‬المقبل‭ ‬تكلفت‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬2‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬

لم‭ ‬يردد‭ "‬شاكر‭" ‬الحاصل‭ ‬على‭ ‬الدكتوراه‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬لندن‭ ‬عام‭ ‬‏‏1978‭ ‬تصريحات‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الطمأنة‭ ‬مثلما‭ ‬فعل‭ ‬سابقوه‭ ‬على‭ ‬شاكلة‭ "‬رمضان‭ ‬المقبل‭ ‬لن‭ ‬يشهد‭ ‬انقطاعات‭" ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬آثر‭ ‬أن‭ ‬يكتشف‭ ‬المواطنون‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة،‭ ‬واكتفى‭ ‬بقوله‭: "‬الأوضاع‭ ‬ستتحسن‭"‬،‭ ‬مبرراً‭ ‬ذلك‭ ‬بقوله‭: "‬مش‭ ‬عايز‭ ‬أقول‭ ‬كلام‭ ‬وخلاص،‭ ‬خلينا‭ ‬واقعيين،‭ ‬والشفافية‭ ‬والمصارحة‭ ‬الطريق‭ ‬الأفضل‭ ‬للنجاح‭".‬

نجح‭ ‬الوزير‭ ‬فى‭ ‬ترجمة‭ ‬خبرته‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬الكهرباء،‭ ‬باعتباره‭ ‬مالكاً‭ ‬لأكبر‭ ‬مكتب‭ ‬استشارى‭ ‬للكهرباء‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬قبل‭ ‬توليه‭ ‬المنصب،‭ ‬إلى‭ ‬مشروعات‭ ‬لا‭ ‬تتكرر‭ ‬فيها‭ ‬الإخفاقات‭ ‬الماضية،‭ ‬ووضع‭ ‬حداً‭ ‬للنزيف‭ ‬اليومى‭ ‬الذى‭ ‬تشهده‭ ‬محطات‭ ‬الكهرباء‭ ‬بعد‭ ‬تفاقم‭ ‬العجز‭ ‬بسبب‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬الإنتاج‭ ‬والاستهلاك‭ ‬الكهربائى‭.‬