جريدة النهار المصرية

حوارات

سلطان القاسمى.. الشيخ الأصيل

اسامة شرشر -

من يشرب من ماء مصر يوماً ما.. هكذا قال الأمير الذى عاد ليشارك فى إعادة إحياء التراث الثقافى المصرى الضائع من خلال افتتاح دار الوثائق بالفسطاط، ليعلن أن النار كانت تحترق فى قلبه، وعينه تبكى ضياع التراث الثقافى الضخم يوم احتراق المجمع العلمى، مضيفاً: أنا أعرف مكان الكتب وأعرف من يقف خلف النيران واستطعت أن أساعد فى تعويض المجمع، مؤكداً أن فضل مصر على الإمارات لا يحصى، وأن ما تقوم به الإمارات تجاه مصر الآن ما هو إلا نقطة من بحر عطاء مصر للإمارات.. إنه الأمير سلطان القاسمى حاكم إمارة الشارقة.

عُرف عن القاسمى ثقافته الواسعة وتقديره للعلماء وتشجيعه للبحث العلمى، ولم يتوقف شغفه بالثقافة عند حد الاطلاع والتأليف فى مجالى التاريخ والمسرح وإلمامه بالأحداث التاريخية، فشرع يعيد بناء إمبراطورية ثقافية فى إمارته التى يحكمها منذ أعوام طويلة، حتى تحولت الإمارة إلى مركز علمى وثقافى يزخر بالمكتبات والمدارس والجامعات. يؤمن الشيخ سلطان بن محمد القاسمى، حاكم إمارة الشارقة، بضرورة تشجيع مسيرة التنمية الثقافية والاجتماعية فى العالم العربى انطلاقاً من إيمانه بـالوحدة العربية، فعمل على تشجيع التفاعل الشعبى والحوار الثقافى البناء محلياً وعالمياً، وشجع قيام المؤسسات المدنية غير الحكومية.

وُلد القاسمى عام 1939، وتولى مقاليد الحكم مباشرة بعد وفاة أخيه الشيخ خالد بن محمد القاسمى، ليصبح هو الحاكم الـ15 لإمارة الشارقة، ليقود بعدها مسيرة ضخمة لتحويل إمارته إلى مركز ثقافى عالمى.

تلقى القاسمى تعليمه الابتدائى والثانوى فى الشارقة ودبى والكويت، ثم التحق بجامعة القاهرة ليحصل على بكالوريوس العلوم فى الهندسة الزراعية من كلية الزراعة عام 1971، وبعدها بعدة أشهر عُين وزيراً للتربية فى الحكومة الاتحادية، كما تولى منصب رئيس الديوان الأميرى فى الشارقة، ولكنه سرعان ما تولى حكم الإمارة بعد عدة أشهر. ولم يتوقف ولعه بالعلم بالحصول على بكالوريوس العلوم الزراعية، وإنما توجه للحصول على درجة الدكتوراه فى الفلسفة فى الجغرافيا السياسية للخليج من جامعة درم البريطانية عام 1999، ودكتوراه فى الفلسفة والتاريخ من جامعة إكسيتر البريطانية عام 1985.

للقاسمى عشرات المؤلفات فى التاريخ والثقافة تشهد على حبه للعلم والمعرفة، خصوصاً حين يتعلق الأمر بتاريخ الوطن العربى، ليُصبح مشهوراً عنه أنه راعٍ للأدب والثقافة والفن، وحصل على عشرات الأوسمة والأنواط المختلفة فى مجالات عدة؛ أبرزها بسبب مساهماته فى المجال الأدبى والثقافى، والتى انعكست على الشارقة التى باتت تشارك فى كل ما يخدم مجال بناء الحضارة.

يحكم القاسمى إمارة مترامية الأطراف، فإمارته هى الوحيدة التى تمتد حدودها إلى حدود جميع إمارات الدولة، وباتت الشارقة مسرحاً للأحداث السياسية المهمة، بداية من الخلافات بين أبناء الأسرة الحاكمة قبل أعوام كثيرة، وحتى وصولها إلى حالة الاستقرار والرفاهية فى ظل حكمه.

ذكرياته بمصر

قال الشيخ سلطان بن محمد القاسمي: «جئت إلى مصر عام 1965 طالبًا للعلم، فوجدت أن علوم الدنيا هنا، من قيم وأخلاق وآثار، وبقيت فيها 5 سنوات وعز على فراقها لكن مصر محفورة فى القلب».

وكشف القاسمى عن ذكرياته فى مصر أثناء دراسته بكلية الزراعة جامعة القاهرة، قائلاً: بعد النكسة ذهبت للالتحاق بصفوف المتطوعين و»كنت عايز أمسح جزمة الجندى المصري»، واستكمل حديثه: وجرينا فى الشوارع بعد تنحى الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.

وأضاف القاسمى خلال كلمته فى افتتاح دار الوثائق القومية الجديدة بالفسطاط: «لدى لوحة فى شارع البحر الأعظم حيث كان سوقًا جوار مسجد صغير، فكان يطيب لى الذهاب إلى تلك المنطقة لسماع أصوات الباعة الجائلين، والتقطت صورة لهذا السوق ووضعتها فى الممر الداخلى فى منزلي، لأمر بها يوميًا ما يقارب السبع أو ثمانى مرات، لذا فأنا أتذكر مصر طوال اليوم، فأعظم شيء أعرفه فى هذه البلد ليس العلم والتراث ولكنه المصرى الأصيل والبسيط.

وأشار القاسمى إلى أنه أثناء حريق المجمع العلمى بالتحرير، كان قلبه هو من يحترق، مؤكدًا أنه كان يحفظ جميع الكتب والوثائق المتواجدة داخل المبنى نظرًا لعضويته القديمة فى المجمع، لذا استطاع أن يعوض مصر عن كل الكتب التى أتلفت وأحرقت فى المجمع.

أضاف القاسمى أن الفضل فى بناء دار الوثائق القومية الجديدة يرجع للدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة الأسبق، والذى هاتفه ليطلعه على الوضع، فأشار عليه القاسمى أن يأتى بنفسه ليطلع على الأوضاع فى مصر، وهو ما رحب به عرب ليتم الاتفاق على بناء الدار.

لقاء السيسي

أكد سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى، حاكم الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، أنه تحدث مع الرئيس عبد الفتاح السيسى عن مشروع فكرى تنويرى، قائلا: «تحدثنا مع الرئيس السيسى عن مشروع تنويرى ينور مصر من جديد حتى لا يدخل الباطل من بين أيدينا ولمكافحة خفافيش الظلام وهناك رجال يستطيعون القيام بالجهد الكبير».

وأضاف القاسمى، خلال كلمته فى افتتاح الدور الخامس بالمكتبة المركزية الجديدة، أن مصر أصابها ضعف قائلا: «دخلت خفافيش الليل إلى عقول المصريين فى غفلة من الزمن وعلينا إيجاد حل لتنوير العقول، وأول خطوة تعلنها هذه الأمة للنهوض أن تنور العقول ليس فى هذه الجامعة لكن هناك فى القرى والحوارى فى كل مكان ولن نتأخر فى دعمها»، مشيرا إلى أن جامعة القاهرة بنيت على أن تنور العقول، قائلا: «لو استعرض أى منا أولئك الذين كافحوا لوضع حجر الأساس لتلك المبانى لقلنا إن ما نقوم به لا يساوى شيئا، إن العقول إذا جاعت تأكل جدار الأفكار».

وتابع حاكم الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، إنه على الأم التى تربى والأب الذى يرعى أن نحمى الجيل اجتماعيا وثقافيا وفكريا وصحيا، مؤكدا أن إسلام مصر وسطيا يشع على الدنيا محبة وعطفا وليس كراهية، مضيفا «نستطيع كلنا القيام بذلك فى القريب العاجل وليس البعيد وخلال سنتين قادمتين تتغير مصر لواقع يختلف عن واقع ما حولها وحتى ما يحدث فى أوربا لأنهم ينهارون ونحن إن شاء الله نصعد بالرجال والسيدات الفاضلات اللاتى يربين الجيل».

وقال القاسمي، «نتمنى من كل أم مصرية أن ترضع أولادها حب مصر إلى جانب اللبن وأن هذه الأرض هى كرامته وعزته ومستقبله وإذا ضاعت هذه الأرض فهو ضائع»، مقدما التحية لكل أم قدمت الشهداء ولكل أب فقد أبناءه فى هذه المرحلة التى دخل الباطل فيها مصر».

وأشار القاسمى، إلى أن الصبح قد برز والغد الجميل يأتى لنفرح كلنا فرحة كل أم قدمت شهيدا، قائلا: «كل أم قدمت شهيدا ستشعر أننا انتصرنا لها وأخذنا حقها من الباطل الذى اختطف منها ابنها، ونقول لها يا أختى ويا بنتى التى فقدتى عزيزا عليكى أفرحى لقد أنجزنا حقك وحق مصر كذلك»، مؤكدا أن مصر قدر لها أن تقود، مشيدا بتصميم الدور الخامس للمكتبة المركزية، حيث أكد أن تصميم المكتبة من تراث مصر فى مكتبة هذا الطراز الإسلامى ليكون إسلام مصر وسطيا يشع على الدنيا محبة وعطفا وليس كراهية.