جريدة النهار المصرية

حوارات

ثعلب عاصفة الحزم محمد بن سلمان.. هذا الشبل من ذاك الأسد

اسامة شرشر -

يعتبر الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي، هو الوجه الأبرز في عملية «عاصفة الحزم»، التي انطلقت عملياتها بأمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود القائد الأعلى للقوات العسكرية في منتصف ليل الأربعاء 25 مارس، بالضربة الجوية الأولى على معاقل الحوثيين في اليمن، والتي نتج عنها تدمير الدفاعات الجوية الحوثية بالكامل، دون أي خسائر في القوات الجوية السعودية.

وزير الدفاع السعودي، الذي بدأ نشاطه السياسي في عام 2007 بعمله كمستشار متفرغ في هيئة الخبراء بمجلس الوزراء، تم تعيينه مستشاراً خاصاً لأمير منطقة الرياض في عام 2009، ومروراً بمرحلة تعيينه مستشاراً خاصاً ومشرفاً على المكتب والشئون الخاصة لولي العهد، إضافة إلى إشرافه على مكتب وزير الدفاع في عام 2013، وانتهاءً بتعيينه وزيراً للدولة وعضواً في مجلس الوزراء في عام 2014، أثار اهتمام ملايين الأشخاص في أغلب دول العالم، باعتباره أصغر وزير دفاع على مستوى العالم «34 عاما»، ولأنه بدأ مهام منصبه الذي تولاه أواخر يناير 2015، بأمر ملكي من خادم الحرمين الشريفين، بحرب دولية كبيرة، تهدد الأمن القومي السعودي، وسط تحديات وصراعات إقليمية تهدد المنطقة، إلا أن ابن سلمان يسير بخطى ثابتة.

دبلوماسي محنك

في أغسطس من عام 2013 منعت السعودية طائرة الرئيس السوداني عمر البشير من عبور أجوائها في طريقها إلى إيران. هذه الحادثة عبرت بوضوح عن تردي العلاقات بين الخرطوم والرياض من جهة، والتقارب الكبير الذي جمع السودان بإيران من جهة أخرى.

ولكن هذه الحادثة أصبحت صفحة من الماضي البعيد، فالعلاقة المتوترة بين السعودية والسودان تبدلت بشكل جذري خلال ساعات تاريخية معدودة، وحلت مكانها علاقة صداقة وتعاون وثيق لم تقرب فقط بين البلدين، بل جعلت السودان يشارك في تحالف «عاصفة الحزم» الذي تقوده السعودية في عملياتها العسكرية ضد المتمردين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس علي عبدالله صالح المنقلبة على الشرعية.

هذا التحول التاريخي له قصة يجب أن تروى، فقد قام الرئيس السوداني عمر البشير أخيراً بزيارته للسعودية، والتقى بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في حدث كبير لفت أنظار المتابعين، وحظي بمتابعة وسائل الإعلام. بعد الحفاوة السعودية الكبيرة بالضيف السوداني اجتمع مع وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان في لقاء مطول اتسم بالشفافية والصراحة حول عدد من القضايا الجوهرية في علاقة السودان بالسعودية وبمحيطها العربي التي كانت في أسوأ حالاتها. بمجرد أن انتهى الاجتماع حدث التحول التاريخي الذي لم يتوقعه أحد، وأعلن البشير مشاركة القوات السودانية بشكل رسمي في التحالف الخليجي والعربي، قاطعا علاقته مع إيران التي بدأت مطلع الثمانينيات.

دخل الرئيس السوداني غرفة الاجتماع مع الأمير محمد بن سلمان حليفاً إيرانياً وخرج منها حليفاً سعودياً، بل مشاركاً القوات الخليجية العربية ضد القوات المنقلبة على الشرعية. ولم يكتفِ الرئيس السوداني بإعلانه الانضمام للتحالف جوا وبرا، ولكنه أصدر قراراً يقضي بطرد جميع البعثات الإيرانية من الأراضي السودانية، في خطوة تعلن عن عودة السودان المؤكدة إلى المحيط العربي.

دبلوماسية الأمير محمد بن سلمان نجحت في مهمتها بتحويل الوجهة السودانية من إيران إلى السعودية والعالم العربي على الرغم من قدم العلاقات بين الطرفين السوداني والإيراني وتشابكها على مستويات عدة، الأمر الذي يشير إلى المهارة والفعالية التي أديرت بها المفاوضات التي أنهت علاقة استمرت لعشرات السنين.

صرامة وحسم          

كشفت قناة العربية عن أن ابن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، كان في الرياض قبل ساعات من عملية عاصفة الحزم، بعد أن طلب اللقاء مع المسئولين السعوديين، والتقاه وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، وفي هذا اللقاء عرض أحمد علي عبدالله صالح مطالبه ووالده، مقدمًا عدة تنازلات مقابلها.

فقبل يومين من إطلاق الملك سلمان إشارة بدء عملية عاصفة الحزم، التي تهدف إلى دعم الشرعية في اليمن، وصل نجل الرئيس السابق أحمد علي عبدالله صالح إلى الرياض بعد أن طلب لقاء القيادة السعودية، وفي استقباله كان الفريق أول ركن يوسف الإدريسي نائب رئيس الاستخبارات السعودية، لينتقلا إلى مكتب وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وجلس الأمير محمد بن سلمان مستمعًا إلى فحوى ملفين جلبهما ابن صالح لعرضهما على السعودية، الملف الأول احتوى على مطالب صالح ونجله، أولها رفع العقوبات المفروضة على والده من قبل مجلس الأمن الدولي في وقت سابق، والتي شملت منعه من السفر، وجمدت أصوله المالية، ومنعت الشركات الأمريكية من التعامل معه.

نجل صالح طلب أيضًا تأكيد الحصانة عليه وعلى والده، التي اكتسبها من اتفاق المبادرة الخليجية القاضية بخروجه من السلطة.

مطالب صالح ونجله لم تقف عند هذا الحد، بل طالب بوقف ما وصفها بالحملات الإعلامية التي تستهدفه ووالده، عندها أغلق ملف الطلبات، ليفتح الملف الآخر الذي تعهد فيه نيابة عن والده في حال تحقيق المطالب بعدة أمور، يأتي في مقدمتها، الانقلاب على التحالف مع الحوثي، وتحريك 5000 من قوات الأمن الخاصة الذين يوالون صالح لمقاتلة الحوثي، وكذلك دفع 100 ألف من الحرس الجمهوري لمحاربة ميليشيات الحوثي وطردهم.

الجواب السعودي جاء حاسمًا وقويًّا، برفض عرض صالح ونجله؛ حيث أكد الأمير محمد بن سلمان على ألا مجال للاتفاق لكل ما طرحه ابن الرئيس السابق، مشددًا على أن السعودية لا تقبل سوى الالتزام بالمبادرة الخليجية التي تم الاتفاق عليها من كل الأطياف اليمنية.. وضرورة عودة الشرعية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي لقيادة اليمن من العاصمة صنعاء، محذرًا في الوقت عينه من أي تحركات تستهدف المساس أو الاقتراب من العاصمة المؤقتة عدن، معتبرًا ذلك خطًّا أحمر.

إشادة عالمية

 

وأشادت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية في تقرير لها السبت الماضي بوزير الدفاع السعودي الأمير الشاب محمد بن سلمان ورأت أنه نجح في الاختبار وأثبت قدرته على تولى منصبه وهو في عمر الثلاثين بعد دقة الضربات الجوية السعودية على أهداف حيوية للحوثيين في اليمن.

وأبرزت الصحيفة تسليط التليفزيون السعودي الضوء على نشاط وزير الدفاع، الذي يستقبل عبر الهاتف الأخبار من كبار العسكريين السعوديين، قبل إظهار صور الطيارين وهم يدرسون خطط الهجمات، ثم إقلاع مقاتلات إف 16 من قواعدها في الصحراء، معتبرة أن مثل هذه الدعاية الوطنية أصبحت معتادة ومشتركة في دول الخليج المسلحة تسليحًا جيدًا.

ونقلت عن «روبرت لاسي» الذي ألف كتابًا عن السعودية والأسرة الحاكمة، أن عملية اليمن ربما تصنعه أو تكسره في سن مبكر جدًا، لكن الأمير محمد بن سلمان سيحصل بنسبة 100 % على دعم والده. وأضاف «لاسي» أن العاهل السعودي ربما يكون فقد كثيرًا من طاقته لكبر سنه، لكن هناك حيوية جديدة، حلت على السياسة السعودية منذ توليه المنصب، فالقرارات أصبحت سريعة وشديدة، مشيرة إلى أن الأمير محمد بن سلمان يظهر حاليًا باعتباره تجسيدًا شبابيًا لتلك الإستراتيجية السعودية الجديدة، في وقت قد تمثل فيه الحرب باليمن لحظة حاسمة ومهمة بالنسبة له، خاصة أنه مفضل من قبل والده نظرًا لسلوكياته في العمل، ولفتت الصحيفة إلى أن الأمير «بن سلمان» أثبت أنه رجل إدارة، ولا يكل ولا يمل خلال تعامله مع المجالس التي يقوم فيها المدنيون بتقديم التظلمات والطلبات.

ويرى المراقبون أن الأمير محمد بن سلمان انتقل من الساحة المحلية إلى الساحة العالمية، رغم أنهم توقعوا أن تقتصر وزارة الدفاع السعودى في عهده على عملية شراء الأسلحة فقط.