النهار
جريدة النهار المصرية

مقالات

اللؤلؤ فى اعناق الخنزير

-
كنت فى أيام الصبا من المعجبين بالشيخ عطية صقر رحمة الله وهو يجيب على الفتاوى قائلاً :وردنى من السائل .. أو السائلة .. يقول أو تقول ...واقول ...وكان رحمه الله لا يكتفى فى القول بكلمة حلال أو حرام أو ماشابه ذلك بل كان يفيض بالشرح والتفسير وقد سأله سائلاً عن صحة حديث جاء فيه أن النبى صلى الله عليه و سلم قال : لا تعلموا أولادالسفلة العلم فإن علمتموهم فلا تولوهم القضاء والولاية؟ فأجاب إجابة مطوله الخصها بتصرف لا يخل بمضمونها وبنقل حرفى عما قاله فقد قال رحمه الله :من المعلوم أن الإسلام أمر بالعلم وكرَّم أهله ، بنصوص كثيرة فى القرانوالسنة ، وقد وضح ذلك ابن القيم فى كتابه مفتاح دار السعادة وتحدث العلماء عن فضل نشر العلم وتعليمه والأسلوب الذى يناسب ذلك ، ومنها مخاطبة الناس على قدر عقولهم ، واختيار الذين يتلقون العلم حتى يصونه بحسن التلقى وبالعمل به وبنشره.ومما جاء فى ذلك حديث نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم ... ونقل السفارينى فى كتابه غذاء الألباب ج 1 ص 44 عن كتاب الآداب الكبرى أن شعبة قال : أتانى الأعمش وأنا أحدث قوما ، فقال :ويحك ، تعلق اللؤلؤ فى أعناق الخنازير؟ قال مهنَّا للإمام أحمد رضى الله عنه : ما معنى قوله ؟ قال : لا ينبغى أن يحدث من لا يستأهل ، وقال عيسى ابن مريم عليه السلام : للحكمة أهل ، فإن وضعتها فى غير أهلها ضيعت ، وإن منعتها من أهلها ضيعت وقال عليه السلام : لا تطرح اللؤلؤ إلى الخنزير، فإن الخنزير لا يصنع باللؤلؤ شيئا ، ولا تعط الحكمة من لايريدها ، فإن الحكمة خير من اللؤلؤ، ومن لا يريدها شر من الخنزير. وقال مالك : ذُلُّ وإهانة للعلم أن تتكلم به عند من يضيعه ، ومن كلام الإمام الشافعى رضى الله عنه :فمن منح الجهال علما أضاعه * ومن منع المستوجبين فقد ظلم فالعلم كالسيف إن أعطيته لتقىٍّ قاتل به فى سبيل الله ، وإن ألقيته لشقى قطع به الطريق.وجاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى ج 1 ص 49،فى ذكر قوله تعالى : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما} إن حفظ العلم ممن يفسده ويضره أولى من حفظ المال، وليس الظلم فى إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم فى منع المستحق ...من هذا نرى أن الحديث المسئول عنه لم يرد بنصه بطريق صحيح ، لكن معناه ورد فى أحاديث وأقوال أخرى ، وهو معنى صحيح.