إبراهيم آل مرعى يكتب: طهران لم تعترف يوماً بلغة الحوار.. ولا تفهمه

بعد سقوط لحج وقاعدتها الجوية (العند) بيد الحوثيين يوم الأربعاء (25 مارس 2015م)، أصبح الحوثيون على بُعد (27 كلم) من مقر الرئيس هادي في عدن، ولا أدري إن كان سُينشر هذا التقرير وعدن باقية صامدة أمام التمرد الحوثي.
الخطوة القادمة للحوثيين هي إسقاط عدن، ومن ثم تحويل الجهد إلى مأرب وشبوه (منابع النفط والغاز)، وبالنظر إلى التحرك الحوثي الحثيث على الأرض، فإن سقوط شبوة ومأرب أصبح في حكم الواقع المرير.
لم يقاوم الجيش في تعز، ولم يقاوم في لحج، كما لم يقاوم في عمران وأثناء سقوط صنعاء، لسبب بدهي لا يحتاج لمفكر عبقري لاكتشافه، أو لمحلل سياسي وعسكري لفك شفرته، وهو أن معظم ضباط وأفراد الجيش اليمني ما زالوا يدينون بالولاء لمال صالح الذي اختلسه من الشعب اليمني، ويستخدمه الآن للسيطرة على اليمن بقوة السلاح، راغباً في تولية ابنه احمد رئاسة الجمهورية، وهذه للأسف حسابات رجل عصابات وليس رجل دولة، ولذلك فعائلة صالح لم يعد لها مستقبل في اليمن.
كتبت في هذه الصحيفة الموقرة وذكرت في عدة لقاءات تلفزيونية ضرورة إخراج عائلة صالح من اليمن، أو تحييدها لخلخلة التحالف الحوثي- صالح، وهو ما لم يحدث.
وهذا يقودنا لتحديد مراكز الثقل (CENTER OF GRAVITY) في هذا التحالف المشؤوم، وتحديد مراكز الثقل (COG) يُعتبر خطوة أولى في أي مواجهة عسكرية، وهي مهمة تقع على عاتق رجال الاستخبارات، وحالما تُحدد هذه المراكز بناءً على اعتبارات محددة، تُمرر لمركز العمليات تمهيداً للتنفيذ، وبأوامر من القيادات العليا.
مراكز الثقل في التحالف الحوثي- صالح عددها (9) حتى الآن، وهي كالتالي، مرتبةً حسب أهميتها، صالح، عبدالملك الحوثي، القواعد الجوية في صعدة وصنعاء والحديدة وتعز ولحج، وقوات التمرد في لحج وتعز، والقاعدة البحرية في الحديدة.
تأخر المجتمع الدولي وتردد دول مجلس التعاون الخليجي في إرسال قوات عسكرية جوية وبحرية لمنع سقوط عدن وحماية الرئيس هادي أدى إلى الانتكاسة الحالية في اليمن.
كان واضحاً منذ بدء التمرد الحوثي على عمران في (18 يونيو 2014م)، أنهم لن يرضوا بأقل من السيطرة على كامل اليمن، وبمشاركة فعلية من المخلوع صالح ودعم مطلق من طهران، ولم يكن اتفاق الشراكة والسلم أو حوار صنعاء سوى طريقة لكسب مزيد من الوقت، وإعادة ترتيب الصفوف، وإعادة حشد القوات للاستيلاء على باقي محافظات اليمن، مستخدمين عتاد الجيش اليمني، والإمداد الحربي العسكري المسلم لهم من إيران بحراً وجواً.
استخدام المفاوضات والمماطلة فيها كأداة لتحقيق أهداف إستراتيجية هو أسلوب إيراني بامتياز، استخدمته في المفاوضات النووية التي تهدف من ورائها لتحقيق سيطرة إقليمية وصناعة أول قنبلة نووية، ولا أشك في أنها ستمتلكها وستعلن عن ذلك صبيحة يوم قريب، وها هم الحوثيون يستخدمون نفس الأساليب والطرق الملتوية للتلاعب بالمجتمع الدولي وباستقرار المنطقة.
والآن وبعد سيطرة الحوثي على معظم المحافظات اليمنية، تقلص عدد الخيارات المتاحة أمام دول الخليج سواءً السياسية أو العسكرية، ولم يعد أمامها سوى خيارين، فإما الدفاع عن الشعب اليمني الذي استنجد بها، وحماية الشرعية اليمنية الممثلة في الرئيس اليمني هادي، وبذل الجهد اللازم لإيقاف التمدد الفارسي في الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية، وتحجيم الأذناب الذين لم يراعوا إلاً ولا ذمة في وطنهم فكانوا مطية لعمائم إيران، وصولاً إلى تحقيق الغاية بالحفاظ على اليمن دولة عربية مستقرة، وأما الخيار الثاني، فهو الاستمرار في استخدام لغة الحوار، والمحكوم عليها مسبقاً بواقع الخسائر الميدانية على الأرض، والتسليم بالأمر الواقع بدءاً برفع الحوثي الانقلابي من قائمة الإرهاب، والتعامل معه كحزب سياسي، والإقرار بسيطرة إيران كلياً على اليمن الشقيق.
وبقراءة للمعطيات السياسية والعسكرية والجيوسياسية، أتمنى أن لا تسلم دول الخليج اليمن (كلياً) إلى طهران، وأن تتحرك دبلوماسياً وعسكرياً وأمنياً واستخبارياً، في مواجهة لم ترغب بها دول الخليج ولم تتمناها ولكن فُرضت عليها.
وزير الخارجية السعودي سمو الأمير سعود الفيصل وجه رسالة واضحة إلى إيران والحوثيين وصالح، بأن بلاد الحرمين ومن خلفها شقيقاتها دول الخليج لن ترضخ لإيران، وستعيد الشرعية إلى اليمن، وسيأتي الحوثي للتفاوض، ولكن بعد ردعه عسكرياً على الأرض.
عدد المحافظات التي سيطر عليها الحوثيون (13) محافظة من أصل (21) محافظة، وهي (صعدة، عمران، الجوف، صنعاء، الحديدة، حجة، المحويت، ريمة، إب، تعز، لحج، ذمار، وجزء من البيضاء والضالع)، والمناطق العسكرية التي يسيطر عليها الحوثي هي (4) مناطق عسكرية من أصل (7) مناطق وهي، الرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة، وأما القواعد الجوية التي يسيطر عليها الحوثيون فهي (5) قواعد من أصل (7) قواعد جوية وهي قاعدة صعدة، وقاعدة الديلمي في صنعاء، وقاعدة الحديدة، وقاعدة تعز، وقاعدة العند في لحج، وبالنسبة للقواعد البحرية فيوجد في اليمن (3) قواعد بحرية، اثنتان منها ما تزال خارج السيطرة الكلية للحوثيين، وهي قاعدة المكلا في حضرموت، وقاعدة التواهي في عدن وهي قريبة السقوط، والقاعدة الثالثة يسيطر عليها الحوثيون وهي قاعدة الحديدة البحرية.
سقوط عدن أصبح مسألة وقت وساعات محدودة، وإن استطاعت دول مجلس التعاون الخليجي من خلال قوات جوية ضاربة وقوات بحرية منع سقوط عدن وحماية الرئيس فستتغير موازين القوى على الأرض.
دول الخليج في سباق مع الزمن، ومهمتها الرئيسية (إن أسعفها الوقت) تقتصر في الوقت الراهن على حماية الرئيس هادي ومنع الحوثيين من الوصول إلى عدن، ومن السيطرة على المحافظات التي مازالت خارج سيطرتهم، ولتحقيق هذه المهمة هناك مركزا ثقل يجب التعامل معهما (صالح، وقوات التمرد في لحج وتعز)، وفي حال نجحت دول مجلس التعاون في هذه المهمة، يصبح الانتقال إلى طاولة المفاوضات ممكناً، وينتقل الجهد الرئيسي للدبلوماسية بعد أن نجح الجهد العسكري في تهيئة الظروف المناسبة للحوار، وهناك حقيقة يجب أن لا نغفل عنها أبداً في الأزمة اليمنية، وهي أن الحوثي لن يجلس على طاولة المفاوضات، ولن يتحاور بنية صادقة ما لم يتعرض لخسائر فادحة على الأرض، تُعيد القيادة الحوثية ومن خلفها طهران إلى رُشدها.
طهران لم تعترف يوماً بلغة الحوار، بل ولا تفهمها، فهي بالنسبة لها طلاسم، لم يحرصوا يوماً ما على تعلمها أو تعليمها للساسة وصناع القرار الإيرانيين، كما أنها ليست موجودة في القاموس الفارسي، ورغم ذلك حرص وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل على ترك الباب موارباً أما الحل السلمي، من خلال تصريحه لوسائل الإعلام (إذا لم يتم إنهاء الانقلاب الحوثي سلمياً، سنتخذ الإجراءات اللازمة لحماية المنطقة)، ولكن مع سقوط لحج ومحاصرة الرئيس في عدن، تبقى كافة الخيارات مفتوحة، سواءً تجاه الحوثي في اليمن أو حلفائهم في طهران، وتأتي زيارة سمو الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع لمركز عمليات المنطقة الجنوبية المتقدم، إشارةً لاستعداد المملكة للدفاع عن أراضيها ضد أي تهديد محتمل، والقيام بأي مهمة تُكلف بها القوات المسلحة ضمن أي مجهود خليجي موحد لحماية الشرعية اليمنية، وإنهاء الانقلاب.
الحقيقة التي يجب أن لا تغيب عن صانع القرار في دول الخليج، هو أن إيران أصبحت شريكاً رئيسياً في حكم اليمن منذ (21 سبتمبر/ تاريخ سقوط صنعاء)، وما تسعى إليه دول الخليج الآن (إن نجحت) هو منع طهران من (السيطرة الكاملة) على الدولة العربية الرابعة الشقيقة اليمن.
نقلا عن صحيفة الرياض السعودية